نشرت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية تقريرًا لستيفن والت، كاتب العمود في الصحيفة وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد، تحدث فيه عن التحديات التي تواجه بايدن فيما يخص السياسة الخارجية الأمريكية والاستعدادات اللازمة لتخطيها في العام المقبل.
يستهل الكاتب تقريره بالقول: حتى إن لم تعجبك سياساته، لكن عليك أن تُعجب بجسارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، تخيل فقط شعوره في يومه الأول في المكتب البيضاوي حيث كانت البلاد في خضم جائحة عالمية، وقد نجت بصعوبة من انقلاب فاشل لا يزال معظم الجمهوريين يرفضون إدانته، والرئيس الكاذب الذي هزمه بايدن عام 2020 كان ولا يزال لا يعترف بأنه خسر في انتخابات عادلة ونزيهة، وكانت البلاد في طريقها للوقوع في خضم حرب لا يمكن لطرف أن يحقق النصر فيها، ولم يكن هناك طريق للخروج دون خسائر.
كما حقق الحزب الديمقراطي نجاحات بفارق ضئيل جدًّا في الكونجرس، مما عزز فرصة احتفاظ الحزب الجمهوري بالأغلبية في مجلس الشيوخ وأعطاهم تأثيرًا أكبر يفوق بكثير عدالتهم ونزاهتهم، وكما لو كانت هذه الأمور لا تكفي، زاد الطين بلة أن النظام البيئي الذي تعتمد عليه جميع أشكال الحياة على الأرض أصبح خارج نطاق السيطرة.
بايدن ..قائمة من المهام في 2022
يلفت الكاتب إلى أنه بالنظر إلى التحديات التي واجهها بايدن، لم يكن أداؤه سيئًا، ولكن مع النجاحات الحقيقية التي حققها في مضمار السياسة الخارجية – بحسب رؤيته- فإن عام 2022 لن يمنحه الكثير من الراحة؛ إذ لا تزال جائحة كوفيد-19 تمثل مشكلة خطيرة، وأعداء الولايات المتحدة يتزايدون ويبدو أن الانقسامات في صفوف مؤيديها تتزايد أيضًا، وفي خضم هذا كله، تعيش نسبة كبيرة من الأمريكيين الآن في عوالم موازية مليئة بالروايات الكاذبة و«الحقائق» المختلقة.
وبما أننا في موسم الأعياد، دعنا نتحدث عن نقطة مضيئة تدعو للتفاؤل، فمع أن قضية تايوان ستواصل تعقيدها للعلاقات الصينية الأمريكية، فإنني أرى أننا لن نشهد أزمة خطيرة أو مواجهة عسكرية بشأن تايوان في عام 2022؛ إذ تعمل كل من بكين وواشنطن في الأشهر الأخيرة بهدوء على خفض حدة الأزمة وتتعاونان لخفض أسعار النفط ومعالجة المخاوف المناخية، والمواجهة فيما يخص تايوان هي آخر ما يرغب به كلا البلدين في الوقت الحالي.
وسيركز فريق بايدن بشدة على المنافسة طويلة الأمد مع الصين، وسيكون من المفيد ترجمة إجماع الحزبين حول هذه المسألة إلى سياسات فعَّالة لتقوية الولايات المتحدة في الداخل. ولكنني لا أرى أن الأمور ستتصاعد في الاثني عشر شهرًا القادمة، وأرجو أن أكون محقًّا؛ لأن المشكلات ستملأ بريد إدارة بايدن في عام 2022.
روسيا وأوكرانيا
يقول الكاتب: على عكس بعض المتشائمين في الغرب، لا أعتقد أن روسيا ستشن غزوًا كبيرًا يهدف لاحتلال أوكرانيا كلها؛ إذ لن يؤدي ذلك فقط إلى فرض عقوبات اقتصادية ودفع الناتو إلى دعم أعضائه الشرقيين عسكريًّا، بل سيؤدي إلى إعادة احتلال أوكرانيا بأكملها وسيجبر موسكو على حكم نحو 43 مليون أوكراني غاضب. وكانت النزعة القومية الساخطة والعنيفة هي أحد أسباب تفكك الإمبراطورية السوفيتية القديمة، وهذه النزعة نفسها ستجعل أي محاولة لإعادة دمج أوكرانيا أمرًا لا يمكن لموسكو تحمل تكلفته
وإذا اختارت روسيا استخدام القوة، فإنني أتوقع أن يكون تدخلًا محدودًا لمساعدة الوكلاء الموالين لروسيا في المقاطعات الشرقية لأوكرانيا، وربما تأمين منطقة عازلة إضافية لحماية هذه المناطق، وسيكون هذا النهج مشابهًا «للصراعات المجمدة» التي شنها بوتين في جورجيا وأوسيتيا الجنوبية وأبخازيا وأماكن أخرى، ويتسق مع توجهه لاتخاذ إجراءات ذات مخاطر منخفضة نسبيًّا.
ولأن المخاطر ستكون أقل، فمن غير المرجح أن تستدعي إستراتيجية «الأهداف المحدودة» استجابة قوية وموحدة من الغرب، والسؤال الكبير من وجهة نظري يتعلق بمدى الضرر الذي سيحاول بوتين إلحاقه بأوكرانيا في هذه العملية؛ إذ قد يرغب بوتين بتلقينها درسًا ولكن التصعيد الكبير يهدد بزيادة قسوة الرد الغربي.
ولا يمكن لبايدن أن يكسب في هذه الحالة، وإدارته زاهدة في إشعال فتيل حرب في منطقة بعيدة جغرافيًّا عن الولايات المتحدة وعلى حدود روسيا، كما أن إرسال المزيد من الأسلحة إلى كييف لن يسهم في قلب موازين القوى أو ردع بوتين عن شن غزو روسي محدود.
وهذا الموقف غير الجيد يذكرنا بأن توسع الناتو المنفتح جذاب من الناحية الأيديولوجية، إلا أنه قاصر النظر من الناحية الإستراتيجية؛ إذ افترض مؤيدو هذه السياسة أن التوسع سيخلق «منطقة سلام شاسعة»، وأن موسكو ستقبل بسهولة تأكيدات الناتو أن هذا التوسع لا يشكل تهديدًا عليها.