فؤاد البطاينة
التأقلم مع تطورات المرض وما يستجد من أعراضه والإكتفاء بتشخيصه والشكوى من الألم دون علاجه، هو استسلام للموت وانتظار له، ونحن الأردنيين نسير على هذا الدرب منذ عقدين حتى تعمقت وتعقدت المحذورات ودخلنا في خطر توثيق انعدام الهوية واحتلال الوطن.
خرجت اللجنة الملكية للإصلاح بنتائج لا تمس واقعنا واحتياجاته بل بما يُعمقه ويُنذر بدخول مرحلة سياسية عفنة جديدة، الإصلاح في بلدنا لا يمكن أن يكون إلّا على مقاس مرحلة المشروع الصهيوني ما دام الالتزام بالنهج السياسي قائماً والتغلغل الصهيو أمريكي في الأردن قائما ومتنامياً عسكريا واقتصاديا، والإستبداد بالسلطة والقرار وتهميش الشعب قائما، وحصر التعامل مع أطقم العبث بمقدرات ومصير الدولة قائمأ ويوازيه عدم الاعتراف بغيرهم من الوطنيين وأصحاب الرأي الأخرً. وتكلمنا في هذا كثيراً وتفصيلاً ولم نسمع جواباً أو تعليقاً أو ردة فعل شعبي على مستوى ما يجري.
أمام شعبنا وأمام النظام أقول، خصائصنا كأردنيين تؤهلنا لنكون شعباً بامتياز، ولكنّا جُردنا من كل مواصفات مفهوم الشعب حتى أصبحنا بحكم المقيمين. لقد انسلخنا كأردنيين عن التابعية التركية ودخلنا في قالب دولة وظيفية.نجح فيها نظامها ومُنشئوها من خلال إفساد معادلة مكونات الدولة في نزع مركزنا السياسي والقانوني وحقوقنا الوطنية ومُنعنا بكل الوسائل من تشكيل هويتنا السياسية المرتبطة بالأرض، ثم نجحوا في القضاء على كل العوامل الطبيعية والإجتماعية التي كنا نمتلكها قبل قيام الدولة كي لا نستطيع التلاقي كشعب واحد لدولة ووطن واحد.
وبهذا فقد جاءت مخرجات اللجنة الملكية للإصلاح بدلالة مستجدة تمثلت في مصطلح “الهوية الجامعة” التي أكد عليها رأس النظام. ويبدو أنها كانت من دواعي تشكيل اللجنة. فقد انطوى المصطلح على اعتراف النظام بعدم تشكل الهوية السياسية الأردنية لمواطني الدولة للآن وبما ينطوي بدوره على التخطيط المسبق لهذا الأمر بانتظار أردن أخر جديد حان ظرفه ونقترب منه، وأخاطب بهذا النظام ومَن خلفَه وأقول، نحن نتكلم عن الهوية السياسية لمواطني دولة، فهذه الهوية لا يمكن أن تتشكل إلا من مواطنيها الحاملين للرقم الوطني وبإرادتهم أياً كانت خلفياتهم وخلفيات أجدادهم الجغرافية أو المكانية أو العرقية.
وبأننا كأردنيين عندما نحرص بالذات على مكونينا الأساسيين من شرق وغرب النهر، فإنا نحرص بالتمام على عدم المساس بالهوية الفلسطينية الوطنية السياسية أو بأي مكون من مكونات القضية الفلسطينية وحقوقها وعلى رأسها حق العودة، فأي إجراء إداري أو سياسي يمس بها، أو ينطوي على المساس بها هو مس مباشر بالأردن وطناً وشعباً وحقوقاً، ستبقى فلسطين هي فلسطين بأرضها وشعبها، والأردن هو الأردن بأرضه وشعبه، وكل صيغة دمج أو توطين أو تجنيس سياسي أو جماعي قبل زوال الاحتلال وتحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطين وإقامة دولته على ترابه الوطني هو عمل تصفوي لفلسطين والأردن وشعبيهما.
ليعلم الأردنيون بمكونيهم، إن ضفتي النهر وطننا وكلاهما مستهدفتان بوعد بلفور وبالمشروع الصهيوني بالوثائق والممارسة. وإن كانت الإقليمية في أقطار الوطن العربي سندها سايكس بيكو ومنكرة ومرفوضة، فإنها أي الإقليمية على أرض الأردن علاوة على أنه لا سند سايكوسبيكي لها، فإنها كفر وجرم وذبح نقترفه بحق أنفسنا وبحق فلسطين والأردن. لنكن على ثرى الأردن كلنا أردنيون والقضية الفلسطينية قضيتنا كلنا، فهكذا ابتدأت وهكذا تنتهي الأن أمام ناظرينا. الصهاينة يدركون بأن مشروعهم الاحتلالي لفلسطين لا يمكن إنجاحه ما لم ينجح بالأردن أو السيطرة على الأردن، فالمشروع لا يتجزأ في القطرين، وفشله في إحدهما يعني فشله بالأخر.وإفشاله في الأردن أسهل لوجود تفهم دولي وعربي في إطار القانون الدولي، ولكون المرحلة التي قطعها المشروع في الأردن أقصر بكثير من تلك التي قطعها في فلسطين.
ولذلك على المكونين أن ينسيا كل ثقافة المستعمر، وأن يعودا مكوناً واحدا ويداً واحدة لبناء شعب واحد قضيته إفشال الغزو الصهيوني للأردن واستعادة الدولة في إطار مملكة دستورية من خلال عمل سياسي موحد. فبفشلهم في الأردن يؤدي لفشلهم بفلسطين وعلى المكونين وخاصة الشرق أردني أن يعلموا بأنه لم يبق الآن ما يجمعنا، فلا عشائر عادت موجودة لنتحرك من خلالها ولا عودة لنظام العشيرة ممكنا، ولا يمكن أن تكون لدينا حراكات وأحزاب وطنية حرة تستطيع معه ان تحظى بقناعة الناس او بفعل شيء في نظام شمولي بوليسي، ولا أن تتشكل قناعة لدى الملك أو أمريكا للتغيير ما لم يتولد لديهم شعور بوجود شعب يعبر عن نفسه.
فمهما استمرت نشاطات النخب والحراكات والأحزاب والاحتجاجات والمظاهرات فلن تكون بالحجم القادر على تحريك وجمع إلّا نفسها أو ربع نفسها ولن تلامس قناعة جمهور الأردنيين للتجاوب ولا قناعة النظام ما لم يصار إلى صنع مشاعر الشعب الواحد أولا، فالأردنيون اليوم مجرد أسر (بوالدين وأبناء) ما يجمعها أشبه بما يجمع دول الجامعة العربية، فكل أسرة أردنية لا تشعر ولا تبحث إلّا عن نفسها ومصالحها ونجاتها بمعزل عن الأسر الأخرى لانعدام روابط ومشاعر الشعب الواحد، وصنعها هي مهمة النخبة الصادقة، فمن هي وكيف؟
النخبة الصادقة هي التي تُحمِّلُ مسئولية ما يجري في الاردن والأردنيين والدولة ومؤسسة العرش للملك ممثلاً بسياستيه الخارجية والداخلية، فكل من هم دونه من مسئولين مجرد مرتزقة أو أصحاب هوى خاص ولا شأن لهم بالسياسة ولا بالقرار السياسي، وقرار وجودهم في مواقعهم هو بيد الملك.
أقول لا بد لهذه النخبة الوطنية أن تتنادى وتبحث عن صيغة سياسية سلمية جديدة تستطيع بها لمَّ شمل الأردنيين حولها كمرجعية شعبية تخلصهم من اليتم وفقدان الثقة ومن الاستسلام لليأس والخوف، وتصبح عندها الصيغة سنداً للأغلبية الصامتة ولطليعتهم معاً في تحركهم السلمي جداً، ويصبح الأردنيون قادرين وراغبين في الخروج الجماهيري الراقي الذي يعبر للملك ولأمريكا بأن للدولة والوطن شعباً يحسب له حساب.