تتابع الجزائر في تنفيذ واتخاذ الإجراءات وتصريحات المضادة للمغرب منذ شهر تموز (يوليو) الماضي وحتى اليوم، ولم يصدر عن المغرب أي رد فعل مضاد بنفس الحدة بل يتجنب التصعيد، وهذه الاستراتيجية تختلف عن تلك التي تبناها في مواجهة اسبانيا وألمانيا خلال الصيف.
وصعدت الجزائر في سياستها تجاه جارها الغربي، فقد سحبت السفير من الرباط ثم قامت باتهامها بتشجيع حركة الانفصال في القبايل، وبعد مرور أسابيع قررت قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين نهائيا. وفي قرار أكثر راديكالية قامت بإغلاق المجال الجوي الأسبوع الماضي في وجه الطائرات المغربية.
ويعود رئيس الأركان العسكرية الجنرال السعيد شنقريحة ليتهم اليوم الثلاثاء المغرب بالتورط في معاداة الجزائر، ووجه كلاما قاسيا الى المغرب وقال بـ “تمادي نظام المخزن في المؤامرات والدسائس وإطلاق حملات من الدعاية الهدامة من أجل تحجيم دور الجزائر في المنطقة واستنزاف قدراتها، وتعطيل مسار تطويرها، ومحاولة ضرب وحدة شعبها، للضغط عليها لجعلها تتخلى عن مبادئها الثابتة وقيمها النبيلة وتتنكر لقضايا الأمة”، واستطرد أن “نظام المخزن حاول إشعال نار الفتنة والفرقة والتشتت فوجد الأعداء ضالتهم في بعض ضعاف النفوس وخونة الأمة، وجندوهم كعملاء لهم في الداخل واستعملوهم كأدوات للوصول إلى مبتغاهم، المتمثل في إضعاف الجزائر من الداخل”.
ولم يعلق المغرب على تصريحات رئيس الأركان العسكري الجزائري حتى كتابة هذه السطور، فيما كان يرد في الماضي على كل إجراء تتخذه الجزائر برد شبيه، في الوقت الذي رد فيه بدبلوماسية قوية في مواجهة اسبانيا وألمانيا خلال الشهور الماضية، فقد اتهم البلدان بمعاداته في نزاع الصحراء الغربية ودعم جبهة البوليزاريو، وسحب على إثر ذلك سفيريه من مدريد وبرلين وطالب بتوضيحات واصدر بيانات نارية.
وتغيب هذه الشراسة في التعامل مع الجزائر بل وأقدم على مبادرات حبية منها مطالبة الجزائر بفتح الحدود البرية وتقديم ملك المغرب تعازي الى الرئيس عبد العزيز تبون في وفاة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، والرئيس الجزائري السابق عبد القادر بن صالح.
وكان خطاب وزير الخارجية رمطان لعمامرة في الأمم المتحدة أمس الاثنين قويا حول الصحراء ووصف المغرب بدولة الاحتلال، كان خطاب نظيره المغربي ناصر بوريطة دبلوماسية ولم يتعدى ربط الحل النهائي بمسؤولية الجزائر.
وكانت جريدة “ألجيري باتريوتيك” الناطقة بالفرنسية قد فسرت صمت المغرب بوقع المفاجأة، حيث لم يكن ينتظر القرارات الجريئة والسريعة من طرف السلطات الجزائرية ووضوح الاتهامات التي تم توجيهها.
ومن جانبها، ترى وسائل الاعلام المغربية وبالخصوص المقربة من السلطة ببحث الجزائر عن تصعيد الأزمة الثنائية لتصدير مشاكلها الداخلية العويصة الى المغرب والبحث عن “العدو الخارجي” أو “كبش الفداء” وتطال بعدم مسايرة “جنرالات الجزائر” كما تصف النظام في هذا البلد، بينما معلقين آخرين يعتبرون انها صادرة عن مسؤولين ليس في رتب عسكرية عالية.
ويبقى الراجح في صوت الاعتدال الذي يتبناه المغرب وسط الدبلوماسيين الغربيين في عواصم أوروبا وبالخصوص في باريس هو أن المغرب لا يرغب في منح الجزائر فرصة التصعيد حتى لا تنشب حربا مدمرة بين الطرفين وينتظر عودة الجزائر الى الرشد الدبلوماسي.