ضر موضوع نزاع الصحراء في خطابات مسؤولي الدول في الأمم المتحدة، وأساساً لدى إسبانيا التي طالبت بحل أممي، والمغرب الذي شدد على الحكم الذاتي، بينما ركزت الجزائر على استفتاء تقرير المصير. وهذا الملف يعتبر مظهراً من مظاهر التوتر بين دول غرب البحر الأبيض المتوسط.
وكان منتظراً حضور ملف الصحراء في أشغال الدورة 76 للأمم المتحدة نظراً للتوتر الذي تسبب فيه خلال الشهور الأخيرة في غرب البحر الأبيض المتوسط. فمن جهة، وقعت أزمة شائكة بين الرباط ومدريد بسبب هذا الملف لم تشهد طريقها إلى الحل بعد، ومن جهة أخرى تحول إلى العنوان البارز للتوتر بين المغرب والجزائر إلى مستوى القطيعة الدبلوماسية. ويضاف إلى هذا، تتزامن أشغال هذه الدورة مع تعيين الأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو غوتيريش لمبعوث شخصي جديد وهو الإيطالي ستافان دي ميستورا.
وكانت البداية مع رئيس حكومة مدريد، الذي شدد على موقف إسبانيا الكلاسيكي، قائلاً خلال خطابه في الجمعية العامة الأسبوع الماضي: “من الضروري التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول من الطرفين حول الصحراء الغربية، كما تنص على ذلك قرارات الأمم المتحدة”. وحاول المسؤول الإسباني أن يكون متوازناً، فقد استبعد كلمة “تقرير الشعب الصحراوي” حتى لا يغضب الرباط، وفي الوقت ذاته لم يشر إلى أهمية الحكم الذاتي كحل رئيسي مطروح من طرف المغرب. وكتبت جريدة كونفدنسيال بداية الأسبوع الجاري، أن تفادي الحديث عن الحكم الذاتي تسبب في خيبة أمل في الرباط.
ونظراً لطابع إسبانيا كقوة استعمارية سابقة في الصحراء، فقد استحضر بيدرو سانتيش، ضمن مباحثاته مع الأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو غوتيريش، هذا النزاع، مبدياً دعم إسبانيا السياسي واللوجيستي لمساعي هذه المنظمة، مثل توفير طائرة لسفريات المبعوص الشخصي في هذا النزاع.
وجعلت الجزائر من قضية الصحراء نقطة رئيسية ومحورية في لقاءات وخطابات وزير الخارجية رمطان لعمامرة في الأمم المتحدة، وهذا جلي بعدما عينت مؤخراً مبعوثاً خاصاً في هذا النزاع وهو الدبلوماسي عمار بلاني، وهي سابقة في تاريخ الدبلوماسية الجزائرية. في هذا الصدد، استحضر لعمامرة الملف في مباحثاته مع وزراء خارجية وعلى رأسهم بعض وزراء دول أمريكا اللاتينية المؤيدة للبوليساريو، مثل فنزويلا ونيكاراغوا والمكسيك، وكذلك في مباحثاته وزراء دول معنية مباشرة بالنزاع، ويتعلق الأمر بوزير خارجية موريتانيا ولد الشيخ أحمد، علاوة على وزير خارجية إسبانيا خوسي مانويل ألفاريس، والفرنسي جان إيف لودريان، ثم الأمين العام للأمم المتحدة.
وكان تدخل لعمامرة في الأمم المتحدة يوم الاثنين من الأسبوع الجاري، قاسياً في حق المغرب بعدما وصفه بـ”الدولة المحتلة”، وشدد قائلاً حرفياً: “تنظيم استفتاء حر ونزيه لتمكين هذا الشعب الأبي من تقرير مصيره وتحديد مستقبله السياسي، لا يمكن أن يظل إلى الأبد رهينة لتعنت دولة محتلة أخفقت مراراً وتكراراً في الوفاء بالتزاماتها الدولية”.
ولم يحضر أي مسؤول مغربي حكومي في الأمم المتحدة إجراء اللقاءات، إذ تتزامن الدورة 76 مع تشكيل حكومة جديدة. وقال وزير الخارجية المغربي المؤقت ناصر بوريطة، في تدخل عبر “فيديو كونفرانس” أمام أعضاء الجمعية العامة، الاثنين الماضي، بـ”استعداد المغرب لمواصلة التعاون مع الأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي واقعي وعملي ودائم وقائم على التوافق وفي إطار الاحترام التام لسيادة المغرب ووحدته الترابية”. وشدد على أنه “لا يمكن التوصل إلى حل إلا في إطار تحمل الجزائر لمسؤولياتها كاملة في خلق واستمرار هذا النزاع”. وتريد إسبانيا تحريك ملف المفاوضات بين المغرب وجبهة البوليساريو، لعل هذه الأخيرة تميل إلى الهدنة وتضع حداً للمناوشات العسكرية ضد القوات المغربية، إذ ترى مدريد في استئناف المفاوضات فرصة للتهدئة في العلاقات بين دول غرب البحر الأبيض المتوسط، إسبانيا والمغرب والجزائر.
في المقابل، تستغل الجزائر أشغال الأمم المتحدة لتحريك ملف الصحراء الذي تعتبره كان ميتاً في عهد الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة، الذي شهدت الدبلوماسية في عهده تراجعاً كبيراً. ومن ضمن الاهتمام الجديد، تعيين الجزائر مبعوثاً خاصاً في نزاع الصحراء وهو عمار بلاني، وهو منصب جديد لم يكن في الماضي رغم العمر الطويل للنزاع منذ نصف قرن تقريباً.
ويريد المغرب إقناع المنتظم الدولي بالحكم الذاتي واستحالة تطبيق أي مخطط آخر، وتحميل المسؤولية الكاملة للجزائر.
وتشكل تدخلات الدول الثلاث أمام الجمعية العامة مقدمة للإستراتيجية التي ستعمل كل واحدة منها في هذا الملف على المدى القريب.