ربى يوسف شاهين
لمّ يعدّ يُخفى على أحدّ أنّ سياسية رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان، التي يتبعها في تعاملاته الخارجية، ترتكز على الحلم العثماني الذي لمّ يُبارح فكر أردوغان، وذلك لتعظيم أمجاد أجداده، لعله يرفع صورته في كل بقاع يستطيع مد نفوذه إليها، وإنّ اخذت شكّل الحليف.
فما يحدث على الأرض المتنازع عليها في الحديقة السوداء ” ناغارونو-كاراباخ”، يدفع ثمنها الشعب الأرميني والأذربيجاني لصالح قوى مُستغلة، منها من يدخل في الصراع مباشرة كتحالف تركيا مع أذربيجان، ومنها من يعنيه أنّ تستعر المنطقة الحدودية مع روسيا في القوقاز، كالولايات المتحدة الأمريكية.
فالحرب بوجهها العسكري بين القطبين الأمريكي والروسي من الصعب حدوثها، والأنسب تكليف وكلاء لهم في المنطقة للقيام بمهامهم، خاصة مع التطورات العميقة التي تحدث في الشرق الاوسط، والتي تصب في مصلحة اسرائيل.
والسؤال المطروح، من المستفيد من النزاع الأرميني الأذربيجاني؟.
لا تبتعد المصلحة الصهيونية الأمريكية عما يجري في الساحتين الإقليمية والدولية، بل ولنقل أنها المحرك الاساس لكل حرب قائمة في المنطقة، والتي تقع على مسار الطريق المفروض تعبيده ليصل إلى اسرائيل.
الولايات المتحدة التي يعنيها أنّ تشهد الحدود الروسية والحدود الإيرانية توترًا جيو سياسي، يصبّ في دمار الدولتين المهددتين للنفوذ الأمريكي في عموم المنطقة، وبالتالي تتعمد واشنطن تحريك الملفات الخاصة بوكلائها في المنطقة كـ أردوغان، باعتمادها سياسة الكبير يوجه الصغير.
فتضارب المصالح الواقعةُ عليهم هذه الحرب، كـ الأرمن والأذريين، وبين المعنيين بتطور الأحداث، لتطال نتائجها عمق الدوليتن، نتيجة الترابط التاريخي والثقافي والسياسي.
فتركيا تقف إلى جانب أذربيجان في هذه الحرب للأسباب الآنفة الذكر، بالإضافة إلى الانتماء العرقي لتركيا، أما روسيا فتقف إلى جانب أرمينيا في هذه الحرب، حيث تسيطر روسيا سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا على أرمينيا، وكدولة حامية للمسيحيين الأرثوذكس في العالم، وعلى ما يبدو أنّ الملفات التي بدأت تتعقد بين روسيا وتركيا بالنسبة للملف السوري، تحاول تركيا أنّ تستغل الحرب في القوقاز، لتنشئ لها قاعدة في أذربيجان على غرار القاعدة الروسية في أرمينيا.
المخططات التي يسعى إليها أردوغان عبر الدعم المبطن من أمريكا، تجعله كالأخطبوط الذي يقذف أذرعه في كل اتجاه ليمسك بوتد يثبت فيه حلم التمدد العثماني من جديد تحت مسمى الحليف.
كما يفعل في ليبيا وتحالفه مع السراج، أو في أذربيجان كحليف قوي لها، أو كما يفعل في سوريا حيث يُمارس لعبة الضامن للحل السياسي في سوريا.
ما يجري على الساحة القوقازية الآن هو لتحقيق مكاسب نلخصها بالآتي:
*إشعال المنطقتين المتاخمتين للدولتين الروسية والإيرانية، لأن كلا الدولتين تُعدان بالنسبة للولايات المتحدة عائقًا في منطقة الشرق الأوسط وخاصة إيران بالنسبة للكيان الإسرائيلي، وروسيا لكونها حليفًا قويًا لسوريا، والأهم الحقد من كونها تمتلك قاعدة بحرية على الساحل السوري، إضافة إلى إحباط جُلّ المخططات الأمريكية في سوريا وعموم المنطقة.
*إرهاق التركي عبر زجه في نزاعات المنطقة لتتمكن واشنطن من السيطرة علي، في حال فكر أردوغان في تعميق تحالفاته مع روسيا، في عديد ملفات المنطقة.
*اللعب على الخلاف الحاصل بين الاتحاد الأوروبي وتحديدًا فرنسا وتركيا بالنسبة لموضوعي اليونان وبحر ايجه، وبالتالي إعاقة مشروع الغاز المتفق عليه بين روسيا وتركيا.
*جعل الحدود الإيرانية الأذربيجانية في حالة استنفار دائم، خاصة أنّ إيران وبالرغم من اذربيجان دولة مسلمة، إلا أنّ علاقاتها السياسية والدبلوماسية اقوى مع أرمينيا، لقربها من روسيا الحليف لإيران، فضلاً عن عمق العلاقات الاستراتيجية بين أذربيجان واسرائيل.
*تقديم فرصة لأردوغان للانتقام بشكل غير مباشر من فرنسا، عبر الشعب الأرميني، وذلك لاتهام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في وقت سابق، تركيا بمجازر ضد الأرمن في زمن السلطنة العثمانية.
في المحصلة، يبدو واضحًا أنّ رجب طيب أردوغان يسعى للاستحواذ على ورقة استراتيجية جديدة، تُضاهي ورقتي ليبيا وسوريا، وهو بهذا المسعى يحاول الضغط على روسيا، بُغية حصد مكاسب سياسية في الساحتين الليبية والسورية، لكن هذه المرة من المؤكد أنّ العبث بالعمق الاستراتيجي لـ روسيا، سيكون له ثمنًا باهظًا سيدفعه أردوغان في أكثر ملفاته حساسية، سواء لجهة سوريا أو ملف الكرد.