لعبة الموت التي يحملها عام 2030
ما الذي يمكن أن يحدث إذا اندلعت حرب بين الصين وأمريكا واليابان في بحر الصين؟ تتنبأ محاكاة الحرب بأن تكون كارثة متبادلة.
نشرت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية للكاتب مايكل بيك، تخيَّل فيه أننا في عام 2030، والقوات الصينية تستولي على جزيرة يابانية في . ترسل اليابان قوات برمائية لاستعادة الجزيرة، ثم تصل السفن الحربية والطائرات الأمريكية برفقة أسطول بحري ياباني، ولديهم أوامر بدعم اليابان، لكن مع محاولة تجنب الاشتباك مع القوات الصينية.
لكن سرعان ما تنهار تلك الخطة، فوفقًا لمحاكاة الحرب التي أدارها «مركز الأمن الأمريكي الجديد (سي إن إيه إس)» في واشنطن، من المستحيل أن يتدخل الجيش الأمريكي دون أن تحدث مواجهة وإطلاق نار متبادل بين القوات الأمريكية والصين.
أجرى مركز «سي إن إيه إس» المحاكاة تحت عنوان: «لعبة مميتة: أزمة بحر الصين الشرقي 2030» في 20 يوليو (تموز)، ويمكنك مشاهدة الفيديو هنا. وقد حظيت المحاكاة هذه المرة بتطور مختلف؛ إذ كان هناك حشد من المتابعين عبر تطبيق «زووم»، مع تقديم طاقم المركز خيارات لجمهور المشاركين، الذين سيصوتون لاحقًا لتحديد الإستراتيجيات التي ستتبعها الفرق الصينية والأمريكية / اليابانية.
وقالت مديرة الدفاع في المركز «سي إن إيه إس»، سوزانا بلوم، أمام حوالي 400 مشارك معظمهم من الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة: «كانت المخاطر كبيرة… من يفوز بهذه المواجهة، يستطيع تشكيل منطقة آسيا والمحيط الهادئ خلال العقد القادم».
يشير الكاتب إلى أن هذا ما تحدثت عنه رواية توم كلانسي تقريبًا، حيث يجري السيناريو على النحو التالي: في عام 2030، أنزل أسطول صيني 50 جنديًا على جزيرة يوتبوري جيما، وهي جزيرة في بحر الصين الشرقي وتعد جزءًا من سلسلة جزر سينكاكو المملوكة لليابان، لكن تدعي الصين ملكيتها لها أيضًا.
وبالإعلان عن منطقة حظر بطول 50 ميلًا حول سنكاكو، تنشر الصين طوقًا من سفن السطح والغواصات والطائرات الحربية والطائرات بدون طيار، مدعومة بصواريخ باليستية متمركزة على البر الصيني الرئيس. أما قوة الغزو اليابانية (أو قوة التحرير وفقًا للفريق الذي تنتمي إليه) فتتكون من سفن هجومية برمائية، وغواصات وقوات خاصة، وجنود بحرية مدعومة بالطائرات في أوكيناوا. وترابط بالجوار مجموعتان هجوميتان من حاملات الطائرات الأمريكية، إضافة إلى الغواصات، وطائرات الشبح، والقاذفات.
حذر أولي سرعان ما تغيّره مجريات المعركة
يذكر الكاتب أن القواعد الأولية للاشتباك تكون خانقة؛ ذلك أن هدف الأمريكيين هو دعم اليابان، التي وقعت معها الولايات المتحدة اتفاقية دفاع مشترك، لكن مع تجنب خوض قتال مع القوات الصينية. أما الأوامر الصادرة عن القادة الصينيين فتقضي بمهاجمة أي قوات يابانية تدخل منطقة الحظر دون المساس بالأهداف الأمريكية.
ولكن ما أظهرته عدة دورات تالية ضمن هذه المحاكاة – كل دور يحاكي أربع ساعات من الوقت الحقيقي للمعركة – هو سلسلة من التحركات والتحركات المضادة دارت رحاها على خريطة لعبة افتراضية، حيث سار كلا الجانبين على خط رفيع بين الردع والهجوم. حدد كل من الفريق الأحمر (الصين)، والفريق الأزرق (الولايات المتحدة، واليابان) أهدافهما على النحو التالي: سيرسل الفريق الأحمر رسالة قوية مفادها أن على الفريق الأزرق التراجع، بينما يهدف الفريق الأزرق لإجبار الفريق الأحمر على الانسحاب.
ولكن كيف يمكن الموازنة بين الأهداف وقواعد الاشتباك التي تكاد تكون متناقضة؟ يجيب الكاتب: كان الخيار الأول للفريق الأزرق هو كيفية الاستعداد لإرسال الجانب الصيني رشقات كثيفة من الصواريخ المضادة للسفن فور دخول الأسطول الياباني لمنطقة الحظر. وفي هذه الحالة هل يجدر بسفن الدفاع الجوي الأمريكية احتضان الأسطول الياباني لحمايته من الصواريخ المضادة للسفن؟ أم ينبغي على الولايات المتحدة استخدام الحرب الإلكترونية والتشويش لتشتيت روابط القيادة والسيطرة الصينية؟ اختار الجمهور بأغلبية 60 إلى 40 تعطيل روابط القيادة.
تعكس الصين أيضًا هذا النهج الحذر: بإعطاء الجمهور خيارين بين توجيه ضربة صاروخية للأسطول الياباني، أو استخدام الحرب الإلكترونية لتعطيل روابط القيادة اليابانية، صوّت 54% من المشاركين لصالح الحرب الإلكترونية. قرّر المحكم أن قوات الفريق الأزرق تقاسي من المصاعب الناتجة عن المناورة أكثر مما تقاسيه نظيرتها في الفريق الأحمر؛ لأن الفريق متعدد الجنسيات أكثر اعتمادًا على سلاسة الاتصالات.
التصعيد دائمًا ما يخرج عن السيطرة
يتابع الكاتب: في نمط تاريخي مألوف للغاية، دائمًا ما يخرج التصعيد عن السيطرة. فعندما تدخل المدمرات اليابانية منطقة الحظر، تبدأ السفن الحربية الصينية أعمالها القتالية بإغراق العديد منها بصواريخ كروز. ثم تنتقم المدمرات اليابانية عبر تدمير غواصة صينية، بينما تلعب الغواصات الأخرى لعبة «الغميضة»؛ إذ تحاول الغواصة الصينية العثور على الغواصة اليابانية والغواصة الأمريكية تحاول العثور على الصينية، حسبما عبّر الحكم إد ماكجريدي ساخرًا.
وبدلًا عن خوض حرب على السطح مع الأسطول الأحمر، يختار الفريق الأزرق اللجوء للقوة الجوية باستخدام طائرات الشبح الأمريكية من طراز إف-22، وإف-35، وطائرات إف-35، وإف-15 اليابانية لتدمير الطائرات الصينية التي تحلق بالقرب من سنكاكو، بما فيها الطائرات بدون طيار التي تزود الصواريخ البالستية المضادة للسفن «قاتل الحاملات» الأرضية بمعلومات الاستهداف.
ومع تكبد سفنهم وطائراتهم خسائر فادحة، يختار القادة الصينيون أخيرًا مهاجمة الحاملتين الأمريكتين بالصواريخ؛ ما يؤدي إلى إلحاق أضرار بالغة بإحداهما. ثم في الجولة الأخيرة، تتخذ الصين خطوة حاسمة. وطوال اللعبة كانت المطارات في أوكيناوا – وهي جزء من الأراضي اليابانية – ممتلئة بالطائرات الأمريكية واليابانية. ولكن بكين لم تعد قادرة على مقاومة الإغراء، فتلقي برشقات من الصواريخ التي تدمر مدارج الطائرات، وهو ما يلحق أضرارًا بالغة بالقوة الجوية للفريق الأزرق. يوضح الكاتب أن هذه هي النقطة التي يحين عندها وقف الحرب.
ومع نهاية اللعبة بدا الوضع متأزمًا؛ إذ تكبدت الصين خسائر فادحة، ولكنها احتفظت بالسيطرة على جزيرة يتبوري جيما. ولكن بأية حال، فإن التركيز على من سيفوز ليس هو الهدف الرئيس لمحاكاة التخطيط الدفاعي التي يجريها البنتاجون.
بين الواقع والافتراض.. عوامل غابت عن ساحة المحاكاة
يرصد الكاتب العديد من العوامل التي أدخلت تعسفيًا إلى هذه المحاكاة حتى يمكن ببساطة الإعلان أن الأمة (س) باستخدامها للإستراتيجية (ص) ستفوز على أرض الواقع. على سبيل المثال: من أجل توفير البساطة وتسهيل إجراء المحاكاة، أغفلت محاكاة الحرب «سي إن إيه إس» بعض العوامل مثل اللوجستيات، وعمليات تشكيل الرأي العام، والتوترات السياسية داخل القيادة الصينية والتحالف الأمريكي الياباني.
ومن الغريب أيضًا غياب الأسطول الصيني المتنامي، الذي يضم حاملات الطائرات، وكذلك الناقلات المسلحة بمقاتلات إف-35، عن هذه المحاكاة. وهناك بالطبع الحقيقة القائلة بأن القادة في الحياة الواقعية يدركون تمامًا إمكانية التدخل النووي في الحرب. بيد أن قيمة هذه المحاكاة ترتبط أكثر بسير العملية والاستبصار؛ كيف سارت الأحداث؟ ولماذا اتخذ اللاعبون القرارات التي اتخذوها؟ وما هي القدرات ونقاط الضعف التي تكشّفت؟
وفيما يتعلق بالأسلحة، ينقل الكاتب عن كريس دوجرتي، قائد الفريق الأزرق، قوله: «كلا الجانبين لديه قدرات كبيرة، فبالنسبة للصينيين لديهم القاذفات الأرضية والصواريخ، أما بالنسبة للولايات المتحدة، فلديهم الغواصات والقاذفات». كما تتمتع الصين بميزة إضافية، وهي ميزة الأرض؛ إذ يمكنها إطلاق رشقات ضخمة من الصواريخ، ثم إعادة تسليح قاذفاتها وقاذفات الصواريخ الأرضية من قواعدها التي تقع في مكان ملائم لها في البر الرئيس.
أما بالنسبة للطائرات الأمريكية التي تعمل من قواعد بعيدة مثل قاعدة جوام، على بعد 1600 ميل من سنكاكو، أو تحلق من قواعد أوكيناوا الجوية المزدحمة والمعرضة للخطر، فقرار إنفاق هذه الأسلحة كان قرارًا صعبًا. فعندما تطلق طائرة بي-52 أو إف-35 صورايخها، فستستغرق ساعة من الزمن لتعود إلى القاعدة لإعادة التسلح، ثم العودة إلى منطقة القتال مرة أخرى. وهذا هو أحد الأسباب الذي جعل وزير الدفاع الأمريكي، مارك إسبر، يدعو لبناء قواعد أمريكية إضافية في المحيط الهادئ.
قواعد أمريكية بعيدة عن الأعين الصينية
ينقل الكاتب عن دوجيرتي قوله: «بإمكان الولايات المتحدة أن تستخدم قاذفاتها في التقصف، ولكن دون قواعد جوية مضمونة في المنطقة – التي ستكون مهددة من الطائرات والصواريخ الصينية – يصبح التوقيت مشكلة كبيرة. وقد أظهرت هذه المحاكاة أن كل ضربة شنها الفريق الأزرق كانت عبارة عن عملية من دفعة واحدة».
وعلاوة على ذلك، فأحد الجوانب الأساسية في القتال الحديث هو أن ما يمكن رؤيته يصبح عرضة للتدمير، وما يخفى عن الأنظار يكون بمقدوره النجاة. فحتى أكثر الصواريخ المضادة للسفن تطورًا لا يمكنها تحديد موقع السفن في المحيط الهائل دون بيانات استهداف منقولة عبر الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار وطائرات المراقبة.
وهنا يضيف دوجيرتي: «يخلق هذا المسار الحرج الحافز لشن هجمات كبيرة مضادة لـ C4ISRK (القيادة والسيطرة والاتصالات وأجهزة الكمبيوتر والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع) في أقرب وقت ممكن من الصراع، وهو ما فعله الفريقان في هذه المحاكاة. ففي الجولات السابقة لهذه اللعبة، إذا لم يختر أحد الفريقين إصدار أمر بمهاجمة القيادة والمعلومات في تحركاتهم الأولى، فعادة ما تسير الأمور نحو الأسوأ بالنسبة لذلك الفريق».
وكان الأمر الأكثر أهمية في محاكاة الحرب الخاصة بـ«سي إن إيه إس» في بحر الصين الشرقي هو كيف يتصاعد القتال بشكل مطّرد. إذ دخلت الصين والولايات المتحدة الحرب بنية أن لا تهاجم إحداهما الأخرى، ولكن بنهاية المحاكاة، كان الطرفان يدمران سفن وطائرات بعضهم البعض. وفي البداية كان كلا الجانبين يميل إلى جعل الصراع متمركزًا حول عدد قليل من المناطق القاحلة من المحيط. ولكن بعد عدة جولات، شعرت الصين أنها مضطرة لإطلاق صواريخ على أوكيناوا.
يتابع دوجيرتي: «استخدمنا قواعد الاشتباك للتحكم بهذا الأمر إلى حد ما في المحاكاة. ولكن حتى متى سيصمد هذا النهج عندما يحين وقت الحسم؟ هذه مسألة موضع شك».
أسئلة صعبة تنتظر الرئيس القادم
يختم الكاتب بالقول: هذا أمر يثير العديد من الأسئلة المقلقة لأي رئيس سيسكن البيت الأبيض في العام القادم. إذ تعهدت إدارة ترامب بدعم اليابان بشأن النزاع حول جزيرة سينكاكو، ومن المرجح بشدة أن تدعم الإدارة الجديدة أحد أهم حلفاء أمريكا. ومع ذلك، كما توضح محاكاة حرب «سي إن إيه إس»، فإن دعم اليابان في الصراع الياباني الصيني يضع قوات الولايات المتحدة والصين في خطر الانزلاق إلى مواجهة قتالية مع بعضهما البعض، وبمجرد أن تبدأ الأعمال العدائية بين البلدين فقد يكون من الصعب إيقافها.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».