تُعد القفزة التي حققتها ثروة جيف بيزوس، المدير التنفيذي ورئيس مجلس إدارة شركة أمازون، مثالًا صارخًا على هذا التضخم في ثروات مليارديرات «وادي السيليكون».
يرصد ثيودور شيلفر، الصحافي الذي يُغطي الشؤون السياسية والمجال التكنولوجي، في هذا ال المنشور على موقع «Vox» الأمريكي، القفزات الكبيرة التي حققتها ثروات أصحاب الثراء الفاحش، لا سيما هؤلاء الذين يعملون في قطاع التكنولوجيا في «وادي السليكون» (المنطقة الواقعة جنوبي سان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا الأمريكية وتجمع المنطقة المراكز الرئيسة لكبرى الشركات التكنولوجية) على الرغم من تفاقم المستجد، بينما يتعرض العمال ذووا الأجور المنخفضة للتسريح من وظائفهم.
يقول الكاتب: «حقق أغنى مليارديرات أمريكا في مجال التكنولوجيا مكاسب استثنائية بعد ستة شهور من التفشي التاريخي لجائحة فيروس كورونا المستجد، وهذا ما يُمثل تباينًا صارخًا مع مصير غيرهم من الأمريكيين خلال أسوأ فترة ركود اقتصادي تمر على الولايات المتحدة الأمريكية منذ ».
عندما بدأت جائحة كورونا المستجد في تخريب الاقتصاد، أعرب بعض ممن يشعرون بالقلق حيال عدم المساواة، عن مخاوفهم من أن المليارديرات – أثرياء «وادي السليكون» على وجه التحديد – سيستحوذون على المزيد من القوة، وستتزايد الفجوات بين الدخل تزايدًا هائلًا، وعلى ما يبدو أن مخاوفهم كانت تستند إلى أسس قوية.
وهذا ما أوضحه الكاتب من خلال ما نقله عن «مؤشر بلومبرج للمليارديرات» والذي ذكر «أن رجال أعمال مثل «جيف بيزوس» و«إيلون ماسك» و«ستيف بالمر» أضافوا إلى ثرواتهم عشرات المليارات من الدولارات منذ بداية هذا العام». ورصد المؤشر ارتفاعًا هائلًا في ثروات أغنى الأغنياء يوم الاثنين الماضي، عندما نمت ثروة «بيزوس» بمقدار 13 مليار دولار، وهي أكبر قفزة في يوم واحد منذ بداية «بلومبرج» في تتبع التغيرات اليومية في عام 2012.
ربما يصعب تتبع مسيرة صعود ثروات هؤلاء الأغنياء بدقة، إذ إن مصطلحات مثل «المليارديرات» يمكن أن تُعمّم وتُخفي الحجم الحقيقي للثروات الذي تراكمت في ظل اقتصاد هذه الأيام. وسواء ذهب مليار هنا أو هناك، سيظل أصحاب الثراء الفاحش أغنياء جدًا، وهذا تحديدًا ما يجعل الأثرياء يشعرون بأن الصعوبات التي تواجه الاقتصاد لا تؤثر عليهم.
الأثرياء تتضاعف ثرواتهم والفقراء يزدادون فقرًا
لكن الكاتب يؤكد على أهمية تتبع تفاصيل نجاحهم المذهل، لأن على الطرف الآخر من فجوة عدم المساواة في الدخل في أمريكا، تبدو هذه الأموال الهائلة الإضافية غير ذات صلة بذلك.
يعتمد أكثر من 30 مليون أمريكي حاليًا على إعانات البطالة، والتي من المقرر أن ينتهي بعضها في نهاية الشهر، كما أن العمال ذوي الأجور المنخفضة خصوصًا معرّضون إلى التسريح، فيما تسحق الجائحة الأحياء الفقيرة التي تسجل معدلات أعلى من الإصابة بـ(كوفيد-19).
وأشار الكاتب إلى أن الأصوات اليسارية في الولايات المتحدة ترى في ذلك معادلة صفرية – إذ إن هذه المليارات الهائلة يمكنها أن تُحدث فرقًا إذا أُعيد توزيعها – وطالبوا بإعادة تشكيل الاقتصاد الأمريكي بعد هذه الأزمة، فهم يودون رؤية الأثرياء يدفعون ضرائب أكثر من أجل إصلاح ما يعتقدون أنها شبكة أمان غير كافية.
كيف تتضخم ثروات فاحشي الثراء؟
ويُرجع المفكرون، المتابعون لتوجه السوق، تضخم ثروات هؤلاء المليارديرات إلى أنهم يخلقون قيمة للمساهمين في أصول رأس مال شركاتهم– وهي ضرورة أساسية للرأسمالية – وإن كان المليارديرات في حد ذاتهم بعض من أكبر المساهمين في هذه الشركات. ومع ذلك فإن هذا التفسير هو السبب في جعل أرقام ثروات الفئات العليا من النخبة الأمريكية تستحق للتقييم.
وأردف الكاتب قائلًا: على مدى الأسابيع القليلة الماضية تحديدًا، قفزت ثروات أقطاب قطاع التكنولوجيا إلى آفاق جديدة. وهذا لا ينطبق على أحد من أصحاب الثراء الفاحش أكثر من «بيزوس»، إذ قفزت أصوله في عام 2020 بمقدار 75 مليار دولار؛ وتُقدر ثروته حاليًا بحوالي 200 مليار دولار.
صعود أسهم «أمازون» بسبب اجراءات مواجهة الجائحة
ويعزو التقرير هذه المكاسب التاريخية التي حققها بيزوس إلى صعود أسهم «أمازون»، والذي ثبت أنه لا يمكن الاستغناء عن خدماتها في ظل بقاء الناس في بيوتهم في كل أنحاء العالم في إطار الاستجابة للتدابير الاحترازية لمواجهة تفشي جائحة (كوفيد-19)، لذا قفز سهم الشركة بنسبة 70% منذ بداية العام.
ويُؤكد الكاتب قائلًا: إن هذه الطفرة ستعود بالنفع على بيزوس وزوجته السابقة «ماكينزي بيزوس» والتي كانت أسهمها في الشركة سببًا في وضعها على أعتاب لقب «أغنى سيدة في العالم»، الذي تشغله حاليًا «فرانسواز بيتينكورت مايرز»، ووفقًا لبلومبرج كانت «ماكينزي بيزوس» في بداية 2020 من أغنى 25 شخصًا في العالم، لكنها حاليًا تشغل المرتبة الثالثة عشر برصيد 63 مليار دولار.
جيف وماكينزي بيزوس
ولم تكن «أمازون» الشركة الوحيدة المتخصصة في قطاع التكنولوجيا التي كان نجاحها النسبي سببًا في زيادة ثروة أصحاب الثراء الفاحش؛ إذ حقق ارتفاع الأسهم في شركات «فيسبوك» و«آبل» والشركة الأم «جوجل» المزيد من المكاسب للمليارديرات، مع أن مؤشر «إس وبي 500» ظل ثابتًا تقريبًا في عام 2020.
صعود أسهم شركتين جدد من «وادي السيليكون»
كما رصد كاتب التقرير صعود شركتين أخريين في وادي السيليكون (عُرفت بهذا الاسم لأن الشركات التكنولوجية تصنع الرقاقات أو الشرائح في أجهزتها من مادة السيليكون) وبالتالي تغيير مرتبة أصحابها المليارديرات في قائمة الأغنى عالميًا.
واحد من هؤلاء هو «ستيف بالمر»، الرئيس التنفيذي لشركة «مايكروسوفت» منذ فترة طويلة، والذي لا يُعد اسمًا مشهورًا بالنسبة لمعظم الأمريكيين، الذين يعرفون سلفه «بيل جيتس» أكثر، ويضيف التقرير: قد لا تتعرف على العديد من أغنياء البلاد إن مررت عليهم في الشارع لأن وجوههم ليست مألوفة.
بيد أن «بالمر» ليس شخصًا ثريًا فحسب؛ إذ أصبح خلسة خامس أغنى شخص في أمريكا بفضل النمو الهائل في مخزون «مايكروسوفت»، والذي تضاعف أربع أضعاف تقريبًا على مدى السنوات الخمس الماضية. وهذا ما يُمكن أن يؤدي إلى مزيد من التدقيق في ثروة بالمر، الذي لا يزال ينظر إليه الشعب الأمريكي على أنه مجرد مالك لنادي لوس أنجلوس كليبرز الأمريكي. وبدأ بالمر عام 2020 من بين أغنى 15 شخصًا في العالم.
وأشار الكاتب إلى مالك الشركة الأخرى التي تضخمت ثروته وهو ملياردير في مجال التكنولوجيا أصبح يمتلك ثروة هائلة في ظل الركود جراء فيروس كورونا المستجد، وهو «إيلون ماسك» مؤسس شركة «تسلا» للسيارات الكهربائية وشركة «سبيس إكس» المتخصصة في تقنيات استكشاف الفضاء.
«إيلون ماسك» من المرتبة 35 إلى السادسة
في بداية عام 2020، صُنف «ماسك» كواحد من أغنى 35 شخصًا في العالم، إلا أن ثروته تضاعفت ثلاث أضعاف تقريبًا على مدار السبعة أشهر الماضية، حتى أصبح حاليًا يشغل مرتبة سادس أغنى شخص في العالم بثروة مقدارها قرابة 75 مليار دولار، بعدما تضاعف سهم «تسلا» أربعة أضعاف خلال هذا العام.
ويخلص الكاتب إلى أنه بعد كل ما قيل، أثبت فيروس كورونا المستجد أنه يتيح أوقاتًا رائعة لقادة شركات التكنولوجيا، إذ صُنف تسعة من أقطاب قطاع التكنولوجيا الأمريكي من بين أغنى 15 شخصًا في العالم – بحسب تصنيفات «بلومبرج» – بينما كانوا سبعة فقط في بداية هذا العام.
ويختتم الكاتب تقريره بالقول: «ربما لا يستطيع الكثير من الأمريكيين قول الشيء نفسه، لكن إذا هبط الاقتصاد الأمريكي أكثر؛ فإن مليارديرات التكنولوجيا سيلوحون في الأفق – سواء كان ذلك منصفًا أو ظالمًا – ككبش فداء سهل».