أن يَحرِص السيّد عبد الله المعلمي مندوب المملكة العربيّة السعوديّة الدّائم في الأُمم المتحدة على دعوة نظيره السوري الدكتور بشار الجعفري لحُضور حفل استقبال إقامة الأوّل على شرف الوزير السعودي فهد بن عبد الله المبارك بمُناسبة التّحضير لاستضافة بلاده لقمّة المجموعة العشرين، فهذا “بدايةُ” انقلابٍ في السّياسة السعوديّة تُجاه سورية، وأن يُلبِّي الدكتور الجعفري هذه الدّعوة، ويحرص مُضيفيه السعوديين، أيّ السفير والوزير، على الاحتِفاء به بشَكلٍ لافت، ويُعبِّران عن محبّتهما لسورية، فهذا يعني أنّ هذا الاختراق الدبلوماسيّ ليس وليدَ الصُّدفة، وإنّما جاء في إطار توجّهٍ انفتاحيّ سَعوديّ، مدروسٍ تُجاه سورية، ومُحاولة لطيِّ صفحة الخِلافات بين البلدين، وربّما بَدء صفحة “تحالفيّة” جديدة.
في السعوديّة لا يُوجَد أيّ تحرّك دِبلوماسي، خاصّةً باتّجاه دولة عربيّة في حجم سورية، وفي ظِل ظُروفها الرّاهنة، دون أن يأتي من أعلى الجِهات في البِلاد، وبعد دراسةٍ مُتعمِّقةٍ، ومُراجعةٍ شاملةٍ لكُل السّياسات والظّروف المحليّة والدوليّة، ولا نَستبعِد أن تكون المؤسّسة السعوديّة الحاكمة تُريد كسر الحِصار الدبلوماسيّ والسياسيُ الذي تعيشه عبر الانفِتاح على سورية، تمهيدًا في الانخِراط في تحالفٍ يقف في مُواجهة التّحالف الآخَر القطريّ التركيّ، خاصّةً أنّ حالة الانفراجة المُؤقّتة في العُلاقات السعوديّة القطريّة وتمثّلت في الزيارة السريّة التي قام بها الشيخ محمد بن عبد الرحمن، وزير الخارجيّة القطري، إلى الرياض، وتلتها هُدنة إعلاميّة، قد انهارت، وعادَ الخِلاف القطريّ السعوديّ إلى المُربَّع الأوّل، وعاودت قناة “الجزيرة” وأذرُع الإعلام القطري الأُخرى انتقاداتها للمملكة وسِياساتها في الأيّامِ القليلةِ الماضية.
ولعلّ القاسِم المُشترك بين الجانب السوريّ مع نظيره السعوديّ يتمثّل في سياسة الرّسائل والألغاز الدبلوماسيّة، والحِرص الشّديد على التّسريبات بشَكلٍ مُحكم، رغم خِلافاتهما الأخيرة المُتعدِّدة والحافِلة بالثّأرات ولكنّها تذوب أمام العداء مُؤقَّتًا، مع قطر وحليفها التركي، فبعد صمتٍ طويل، فُوجِئنا بالدكتور الجعفري، قبل أسبوعين يشنّ هُجومًا شَرِسًا غير مسبوق في وجه نظيريه التركيّ والقطريّ في الأمم المتحدة، مُتَّهِمًا “النّظام القطري” بدعم الإرهاب وصرف مِليارات الدّولارات داخِل المنظّمة الدوليّة لشِراء الذِّمم مُقابل السّكوت عن رعايته (النّظام القطري) للإرهاب”، وقال الجعفري أمام الجمعيّة العامّة أنّ الاتّهام الصّريح لدعم النّظام القطري والنظام التركي للإرهاب جاء على لسان الشيخ حمد بن جبر آل ثاني، رئيس الوزراء الذي ظهر على شاشة تلفزيون بلاده وقال “إنّ قطر والسعوديّة وتركيا صرفت 173 مِليار دولار لتقويض الحُكومة الشرعيّة في سورية”، وأكّد “أنّ النّظام القطري يعتقد أنّه في منأى عن العِقاب القادِم وهو مُخطِئ لأنّنا سنُعاقبه.. ويوم الحِساب قادم”.
لا نَعرِف في هذه الصّحيفة “رأي اليوم” كيف سيتطوّر هذا الغزل السعوديّ السوريً، وأين سيصل، وحذَرنا هُنا ناجِمٌ عن حُصول لقاءٍ في جدّة بين الأمير محمد بن سلمان وليّ العهد السعوديّ، مع اللواء علي المملوك، أعلى مسؤول أمني في سورية برعايةٍ روسيّة من فلاديمير بوتين شخصيًّا قبل ثلاث سنوات، ولكنّه لم يتمخّض عن أيّ تقارب حقيقي في حينها، لكنّنا لا نَستبعِد أنّ هذا التطوّر الجديد، الذي يتم برعايةٍ روسيّةٍ أيضًا، ربّما يكون مُختلفًا، لأنّ الظّروف تغيّرت، وبات الطّرفان، السعوديّ والسوريّ يحتاجان بعضهما البعض، ويجمعهما عدوّ واحد هو الحلف التركي القطري، فسورية بحاجةٍ إلى أموال السعوديّة مع بَدء مرحلة الإعمار، والسعوديّة بحاجةٍ إلى العُمق العربيّ السوريّ في ظِل توتّر عُلاقاتها مع إيران، وخسارتها حرب اليمن، وفشَل مُعظم الرِّهانات على الحِماية الأمريكيّة.
لا يجب التّقليل من أهميّة هذا الاختراق الدبلوماسي السعودي السوري في الأُمم المتحدة، خاصّةً أنّه جاء بعد اختراق إماراتي سوري مُماثل، وإشادة القائم بالأعمال الإماراتي بحِكمَة الرئيس الأسد، وتورّط عسكري تركي في ليبيا، وتصاعُد حدّة التوتّر مُجدَّدًا بين إيران وأمريكا في منطقة الخليج، ففي ظِل التّعافي السوري، والتّنافس على قلب دِمشق من جهاتٍ عديدة، واللّقاء الأمني المُعلَن على أعلى المُستويات بين اللواء علي المملوك ونظيره التركي حقان فيدان في موسكو قبل أسبوع كلها مُؤشِّرات تُؤكِّد أنّ الدّور السوري عائدٌ وبقُوّةٍ وتوقّعوا العديد من المُفاجآت في الأيّام المُقبلة، ليس أقلّها استعادة دِمشق لمِقعَدها في الجامعة العربيّة، وفكّ ارتباط سعودي نهائي بالمُعارضة السوريّة التي باتت بعض قوّاتها تُقاتِل خليفة حفتر، حليف السعوديّة في ليبيا، وبدَعمٍ تركيٍّ مَفتوحٍ، وسُبحان مُغيِّر الأحوال.