ميساء المصري
في ذات اليوم الذي قتل فيه قاسم سليماني , كان نتنياهو يوقع إتفاقية مد خط أنابيب الغاز التاريخي لإسرائيل , بإستثمارات 7 مليار دولار لنقل الغاز الى قبرص و جزيرة كريت اليونانية ، وإلى شبكة الغاز الأوروبية عبر إيطاليا. بعد يوم من بدء نقل الغاز الى مصر والأردن .
وفي نفس اليوم أيضا صرح ظريف تصريح مثير له دلالاته اذ قال “وزراء دول صغيرة وزعماء بالمنطقة وراء توريط واشنطن في إغتيال سليماني”. كيف عرف بذلك؟ ولماذا قال كلمة (توريط), التصريح أيضا قد يعني تبريرا لضرب أهداف بدول عربية وأولها بنك أهداف نفطية بلا شك ، مع إدراك ظريف أن استهداف دول عربية سيسعد ترامب ، وسيستثمرها أحسن إستثمار لحلب أوسع وأكبر .
ونطرح سؤالا , هل أن إغتيال سليماني هدية كبرى لإيران ؟.. لينتهي التحالف الهش داخل العراق بين أمريكا وإيران , وينقل الصراع بينهما إلى مرحلة مفتوحة على كل الإحتمالات وفي كل مكان ؟؟. صحيح أن كلا الطرفين قد أجرم في حق الشعوب العربية..وأقول للعرب هنا أن الزعماء العرب أنفسهم كانوا مسؤولين عن مقتل 11 مليون عربي من شعوبهم .
لكن في ضوء ما يدور يبدو أن الأهداف أصبحت الأن مستباحة تماما فمن سيستغل ذلك؟؟؟ .
التصريحات السياسية تمحورت حول “تغيير قواعد اللعبة”. وما بين الوعيد والتهديد الإيراني ,نجد ترامب يراهن على براعة إيران في المفاوضات على أرض الواقع رغم إختلاف الرؤى الأمريكية على ذات الأرض , ففكرة أن مقتل سليمانى كانت نتاج قرار من الرئيس الأمريكى هو الأمر الأكثر إثارة للدهشة ,نظرا لعزمه الواضح على تجنب تورط أمريكا فى حروب مكلفة لكن الواضح ان ترامب سيوظف العملية انتخابيا بجلب مزيد من أصوات اللوبي اليهودي إيباك والمسيحيين الأنجيليين الذين احتفل معهم بطقوسهم في ذات اليوم من إغتيال سليماني في صورة تؤكد التاييد الكامل له .
يمتد عمر النزاع العلني الأمريكي الإيراني الى عام 1979 والآن على أبواب 2020 المواجهة قادمة، والسؤال هو ما نوعها أين ومتى وبأى شكل؟؟
لا شك أن إيران سترد على مقتل سليماني،أمامها سيناريوهات مختلفة إذا أرادت الرد وليس فقط لحفظ ماء الوجه و بطريقة تكتيكية استراتيجية , نورد بعض السيناريوهات :
أولا: الهجوم بالصواريخ والطائرات المسيرة على قواعد ومنشآت عسكرية في العراق أو سوريا أو الدول الخليجية ، وسيكون لهذا السيناريو تبعات كبرى. لأن هناك 36 قاعدة أميركية في المنطقة المحيطة بإيران بسعة 75 ألف جندي , أما الأهداف الأميركية الإسرائيلية المنتشرة في العالم، فهي تزيد عن 800 هدف . وقد قدرت وزارة الخارجية الأميركية عدد القتلى الأميركيين على أيدي الوكلاء الإيرانيين في العراق وحده بـ608 منذ عام 2003.
ثانيا:، البدء بحرب إستنزاف طويلة الأمد، من خلال حلفاء طهران، بإستهداف القوات الأميركية المتواجدة في الاقليم الشرق أوسطي والخليج، كما حصل مع الجيش الأميركي قبل انسحابه من العراق عام 2011.لكن بطريقة تكتيكية استراتيجية بطريقة تختبر فيها حلفاءها كروسيا والصين، دون أطراف خليجية مثل قطر وعمان .
ثالثا: قيام حلفاء إيران بإستهداف إسرائيل من ضمن بنك الأهداف الأميركية في المنطقة، وهذا الإحتمال تتخوف منه تل أبيب، حيث أعلنت الاستنفارعلى حدودها الشمالية والجنوبية . اسرائيل وجهتهم غير المباشرة. خاصة في ظل وجود اتهامات من قبل قادة الميليشيات الإيرانية في العراق بضلوع إسرائيل والمساهمة في عملية اغتيال قاسم سليماني.وكذلك مع التطبيع الخليجي الصهيوني . و قد نشهد معركة منفصلة بين (إسرائيل) وإيران.
ولاحظنا ان إسرائيل، لم تعلن أي رد فعل علني لمقتل سليماني حيث أن أعضاء مجلس الوزراء الأمني المصغر في حكومة نتنياهو تلقوا تعليمات بعدم التعليق على عملية الإغتيال وهو ما فسرته وسائل إعلام إسرائيلية بأنه يهدف لمنع أي رد إنتقامي من حلفاء إيران. اما رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو فقد اثنى على اغتيال سليماني: “إسرائيل تدعم كافة خطوات الولايات المتحدة بالكامل، وكذلك حقها الكامل في الدفاع عن نفسها وعن مواطنيها”.وهو نفس التصريح الأمريكي حرفيا تجاه الإحتلال اثناء حروبه على غزة.
رابعا: اللعب بالورقة النفطية , والساحة اليمنية ساحة خصبة من خلال جماعة الحوثي ، اذ يحافظ الحوثيون على ترسانة قوية من الطائرات بدون طيار، بالإضافة إلى صواريخ باليستية وصواريخ كروز ولهم القدرة على إستهداف القواعد والمصالح الأميركية في السعودية، او غيرها كما حصل بإستهداف ارامكو . ولقد مر ما يقرب من 4 أشهر منذ أن هاجمت إيران منشأتي “بقيق” و”خريص” لمعالجة النفط، مما أدى إلى إنخفاض إنتاج السعودية من النفط. ومع استهداف ايران للنفط في الخليج قد يؤدي لزيادة أسعار النفط الدولي والذي ارتفع بنسبة 3% بعد إنتشار خبر إغتيال سليماني. وهو أمر لا تريده أوروبا والصين على عكس روسيا،وربما يصل سعر البرميل الى أكثر من 200 دولار .
خامسا : اللعب بالورقة الدبلوماسية وممارسة سياسة الضغط القصوى على الحكومة العراقية بإختيار رئيس ورئيس حكومة موالي لإيران حد النخاع ويطالب امريكا بحزم بالخروج بقواتها من العراق وإضعاف السيطرة الأمريكية ، وهو ذات الأمر في لبنان عن طريق حزب الله حتى لو تطور الأمر الى حرب أهلية أو لبنانيات ضمن لبنان .
وسوف تغذي المساعي التي يشهدها البرلمان العراقي لإعادة تقييم تعاون العراق الأمني مع الولايات المتحدة. كما سيوقف جهود قوات الأمن العراقية لمواصلة العمل مع واشنطن ضد تنظيم داعش , وربما تدخل ورقة داعش اللعبة من جديد لكن بمسمى مختلف .
سادسا :.قد تشن إيران المزيد من الهجمات ضد الوجود البحري الأمريكي في الخليج العربي. حيث ترددت إيران سابقا في إستخدام أصولها البحرية لمضايقة السفن الأمريكية في الخليج العربي ومضيق هرمز وخليج عُمان، و قد يتغير ذلك الآن. ولن تنسى مجموعة حاملة الطائرات الهجومية “يو إس إس أبراهام لينكولن” بأن سفن البحرية الإيرانية قد ضايقتها في المياه الاقليمية وعلى ايران معاودة التجديف مع التيار من جديد.
سابعا : تراهن أمريكا على حقول النفط السوري في سوريا ..فهل تجرؤ ايران على وضعها ضمن بنك اهدافها .
ثامنا : أفغانستان، بيئة مكتنزة بالأهداف من الأصول العسكرية الأمريكية في البلاد، وكذلك تاريخ إيران في دعم طالبان. و لا يمكن إستبعاد إمكانية الإنتقام في هذا البلد الذي مزقته امريكا وهو هدف لا يتوقعه ترامب ..
تاسعا : ساحة إيران تمتد الى ما وراء اقليم الشرق الأوسط، والخليج , بالنظر إلى تاريخ إيران في شن هجمات ضد أهداف من أمريكا اللاتينية إلى أوروبا الشرقية وجنوب آسيا. وكذلك بلجيكا والدنمارك وفرنسا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة .ولن ننسى جيش ايران الاليكتروني ومدى قدرته على شن حرب اليكترونية واسعة النطاق..
وأمام كل هذه الخيارات يطرح سؤال أعمق يضع ايران في معضلة بين خيار المواجهات و المخاطرة بإستفزاز الغرب، لدرجة الإحتكاك مع إسرائيل، وبين خيار الإستفادة من هذه الهدية السياسية ، خاصة مع بوادر الوساطة السويسرية والسعي إلى إجراء مفاوضات تمكّنها من رفع العقوبات الاقتصادية والتفاوض ببراعة من تحت الطاولة . وتوصل واشنطن إلى اتفاق جديد مع طهران، يشبه، أو يختلف، عن سابقه، وقد لا يستجيب لكلّ رغبات اسرائيل
او تعمد إيران إلى خرق الاتفاق إلى ما دون حافة الإنتقال إلى القنبلة؛ إذ ترفع نسبة التخصيب إلى أعلى من النسب المسموح لها ، وتستفز بذلك كلاً من أمريكا وإسرائيل، وتخيف العرب، خاصة السعودية.
وبعيدا عن الذاكرة المثقوبة للعرب . ظهر ترامب قبل أشهر يتوسّل عقد لقاء مع نظيره الإيراني، روحاني، اما اليوم فربما ان سليماني قد يشعل ردا بدلا عن موته.وأي مواجهة مع إيران لن تبدو كحرب الخليج 1990 أو حرب العراق 2003.. فالمنطقة، وربما العالم، سيكونان أرض معركة باردة كموسكو لكن بنتائج شديدة السخونة كالسعودية .
كاتبة اردنية