أن تُرسِل السلطات التركيّة رتلًا عسكريًّا يضُم خمسين آليّةً مُصفّحةً وخمس دبّابات وناقلات جُند مُحمّلة بالذّخائر لدعم مُقاتلي هيئة تحرير الشام (النصرة سابقًا) الذين خسِروا العديد من مواقعهم في ريف حماة الشمالي، في مُحاولةٍ لمنع استعادة الجيش العربي السوري لبلدة خان شيخون الاستراتيجيّة، فهذا تطوّرٌ كبيرٌ في الأزمة السوريّة، وتدخّل عسكريّ تركيّ صريح وعلني قد يُؤدّي إلى صدامٍ سوريٍّ تركيٍّ مُباشرٍ، حسب آراء مُعظم المُراقبين.
مصدر رسمي سوري أدان هذا التدخّل التركي ووصفه بأنّه “سُلوك عُدواني لن يؤثّر على عزيمة وإصرار الجيش العربي السوري على التقدُم لفرض السيادة السوريّة على المِنطقة”، واعتبر القصف الجوي لهذا الرّتل عمَلًا مشروعًا يأتي في إطار الدّفاع عن السيادة السوريّة.
لا نعتقد أنّ تقدّم الجيش العربي السوري المُتسارع المدعوم بغطاءٍ جويٍّ روسيٍّ يُمكن أن يتوقّف، وأنّ هُناك ضوء أخضر من القيادة الروسيّة وراء قصف الطائرات السوريّة لهذا الرّتل التركي وإيقافه، ومنعه من تحقيق أهدافه في دعم القوّات المسلّحة التابعة لتنظيم النصرة وحُلفائها.
مصدر مقرّب من القيادة الروسيّة في موسكو أكّد أنّ القرار باجتياح خان شيخون في إطار سياسة القضم التدريجيّ صدر بعد قِيام وحدات تابعة لجبهة النصرة بقصف قاعدة حميميم بالصّواريخ في شهر أيّار (مايو) الماضي)، ووصل صواريخ مُضادّة للطائرات إليها نجحت في إسقاط طائرة سوريّة مُقاتلة، فأمن القاعدة الجويّة هذه يُعتَبر خط أحمر روسي وأيّ قصف للقاعدة لا يُمكن أن يمُر دون ردٍّ سريع يقضِي وبشكلٍ نهائيٍّ على مصدره والجِهات التي تقِف خلفه.
دخول الجيش العربي السوري إلى قلب بلدة خان شيخون بات مسألة وقت، والإمدادات التركيّة لمسلّحي المُعارضة لن يحول دون ذلك، وتواجد طلائع هذا الجيش إلى الأطراف الشماليّة للبلدة وعلى بُعد 400 متر من قلبها، اختراق عسكري كبير، حسب آراء الخبراء العسكريين.
استهداف الجيش العربي السوري لبلدة خان شيخون، وإعطاؤها الأولويّة في استراتيجيّة التقدّم لاستعادة إدلب، يأتي من أجل تحقيق ثلاثة أهداف: الأوّل فرض سيطرة الجيش العربي السوري على طريق دمشق حلب الدولي السريع وتأمينه، والثاني: حِصار مُقاتلي المُعارضة في آخر مواقعهم في ريف حماة الشمالي تمهيدًا للقضاء عليهم، والثالث: إنهاء وجود مركز “مورك” للمُراقبة التركي الرئيسي الذي جرت إقامته تطبيقًا لتفاهمات سوتشي الروسيّة التركيّة في أيلول (سبتمبر) عام 2018، وهي التّفاهمات التي تقضي بإقامة منطقة عازلة، كمُقدّمة لتوصّل القيادة التركيّة إلى إنهاء وجود الفصائل التي تُسيطر على إدلب بطرقٍ سلميّةٍ وتجنّب اجتياح عسكري سوري روسي.
الروس يتّهمون الجانب التركي بعدم الإيفاء بتعهّداته بإنهاء سيطرة المُسلّحين بقيادة هيئة تحرير الشام على مدينة إدلب، تنفيذًا للاتّفاق المذكور الذي تمخّضت عنه قمّة بين الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيّب أردوغان في أيلول (سبتمبر) الماضي، ومن المُؤكّد أن يؤدّي إرسال رتل من المدرّعات التركيّة مُحمّلًا بالذخائر إلى قوّات النصرة لمنع سُقوط خان شيخون في أيدي الجيش العربي السوري إلى تعميق الخِلاف التركي الروسي، خاصّةً أنّ القِيادة الروسيّة أدانت قيام المِنطقة الآمنة التي جرى تشكيل غُرفة مُشتركة أمريكيّة تركيّة للإشراف إقامتها.
ربّما من السابق لأوانه التكهّن بتطوّرات هذه الأزمة، وما إذا كان القصف الجوي السوري لرتل المُصفّحات التركي سيُؤدّي إلى مُواجهاتٍ بين الجانبين، وما يُمكن قوله، وحسب البيانات الرسميّة، أنّ الجيش السوري سيُواصل تقدّمه، وبدعمٍ روسيٍّ، حتى عودة سيادة الدولة السوريّة إلى إدلب كخُطوة تمهيديّة للتّعاطي مع الوجود الأمريكي وقوّات سورية الديمقراطيّة في شرق الفُرات، وإحباط المُخطّط الرامي إلى سلخ هذه المِنطقة الغنيّة بالغاز والنّفط والأماكن الزراعيّة الخصبة عن سورية الأُم.
المشاهد السابقة في شرق حلب والغوطة الشرقيّة تتكرّر حاليًّا في خان شيخون، وقريبًا في أدلب، مع فارق أساسي وهو عدم وجود وسطاء يُجهّزون الحافِلات الخضراء، اللهمّ إلا إذا وافقت تركيا على استقبال ثلاثة ملايين مُهاجر سوري جديد، ومعهم عشَرات الآلاف من مُقاتلي جبهة النصرة وحُلفائها، وهذا احتِمالٌ مُستبعدٌ بالنّظر إلى حالة العداء المُتزايدة لهؤلاء المُهاجرين السوريين في تركيا، وتزايُد المُطالبات بترحيلهم بعد أن تحوّلوا إلى عبءٍ اقتصاديٍّ وأمنيٍّ على كاهِل السلطات التركيّة.
المشهد السوري يزداد سُخونةً وبات مُرشّحًا لاحتلال العناوين الرئيسيّة مُجدّدًا.