د. شهاب المكاحله
لم يعد خافياً أن الأردن غير راضٍ عن كل ما يجري من وراء ظهره وخصوصاً ما يتعلق بمستقبل الأردن والرعاية الهاشمية للمقدسات في القدس الشرقية ورفض التوطين. في شهر مارس الماضي، حين قام الملك عبدالله الثاني بزيارة إلى محافظة الزرقاء وقال عبارة وصل صداها إلى عواصم الشرق والغرب الكبرى والتي عبَر فيها عن تابوهاته الثلاث: “القدس خطٌ أحمر.. لا للتوطين.. لا للوطن البديل”. نعم، هي لاءات ثلاث مثلت سابقة تاريخية لم يعتد الأردنيون على سماعها من الملك. قالها الملك بعد ان طفح الكيل من القريب والبعيد من دول تسعى إلى تهميش دور الأردن وإضعافه اقتصادياً لتركيعه ليقبل بالأمر الواقع فيما يتعلق بالقدس والمقدسات وحتى بقضية التوطين والوطن البديل.
لم أرَ الملك منفعلاً ومتحدياً مثلما أراه اليوم وهو المعروف عنه عسكريته ودبلوماسيته. حين يقول الملك تلك العبارات ويلتقي بممثلين عن حركة الإصلاح الإسلامي التابعة لجماعة الإخوان المسلمين الأردنية، فإنه يريد إيصال رسائل إلى كل من يهمه الأمر من دول إقليمية ودول كبرى تسير وفق نهج فرض الأمر الواقع على الأردن بأن الأردن سيلجأ إلى كل السبل لحماية مصالحه ومكتسباته.
لم يعترف الأردن بسيادة إسرائيل على القدس أو ضمها، كما لم يعترف مؤخراً بقرار واشنطن ضم الجولان المحتل إلى إسرائيل لأن ذلك كله مغاير لاتفاقية السلام التي وقَعها الأردن مع إسرائيل والتي تشترط إعادة الأراضي المحتلة إلى أصحابها سواء السوريون أو الفلسطينون.
ولعل زيارة الملك للمغرب، رئيسة لجنة القدس المنبثقة من منظمة المؤتمر الإسلامي، قُبيل بدء القمة العربية التي عُقدت في نهاية مارس بتونس تشير إلى أن الملك عبدالله الثاني قرأ ما بين السطور في القادم من الأيام وخاصة بعد اعتراف الحكومة الأميركية بضم الجولان لإسرائيل لزيادة فرص فوز رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالانتخابات وهذا ما حدث فعلاً؛ فقد فازاليمين المتطرف الذي يرفض الدول الفلسطينية وأية حقوق دينية أو وصاية على المقدسات في القدس الشرقية. يبدو أن تحرُك الملك جاء للوصول إلى صيغة من التفاهمات أو التحالفات بين الأردن والمغرب والعراق وقد ينضم إليهم لاحقاً سوريا وربما مصر في سبييل الحفاظ على الحد الأدنى من حقوق للتفاوض عليها.
يبدو أن ما اصطلح عليه بـ”صفقة القرن” ليست سوى كابوس أو جاثوم على رقاب الأردنيين أولاً ثم الفلسطينيين ثانياً لأن لاءات الملك الثلاث ولقاءاته مع الإخوان المسلمين تعكس أنه قد استشعر أن هناك محاولة لتصفية حقوق الشعب الفلسطيني ولن يكون ذلك إلا بعد ان يتم تصفية الدولة الأردنية والقضاء على الهوية الوطنية في محاولات لتأجيج الرأي العام ضد النظام تارة وضد الحكومة تارة أخرى.
لم نعهد منذ تولي الملك عبدالله الحكم أن نسمع تلك النبرة أو تلك الحدة في خطاب، والتي كما يقول لي بعض الخبراء والسياسيين في عدة عواصم أن الملك يتحدى سياسات دول كبرى وإقليمية. اي أن الملك لم يستسغ حجب التفاصيل الكاملة لصفقة القرن عن أصحاب العلاقة وأنه – أي الملك – لا يقبل بسياسة الأمر الواقع التي لا تتماشى مع مصالح الأردن وفلسطين ولا تراعي مصالح الدول العربية.
فلو نظرنا إلى مواقف الأردن منذ إعلان الملك لاءاته الثلاث لوجدنا أنها تزداد رفضاً لسياسة الإملاءات وفرض المخططات على الدول بالإكراه وهذا بحد ذاته يشكل تغيراً في السياسة الخارجية الأردنية التي يقودها الملك بذاته. كما أن المتتبع للقاء المدير العام لقوات الدرك، اللواء حسين حواتمة، بالمتقاعدين العسكريين من الرتب العالية، في شهر مارس الماضي وما أعلنه في ذلك الاجتماع من أن المسؤولية الأمنية تقع على عاتق الجميع ولا تنتهي بالتقاعد تشي بأن هناك استدارة أردنية سياسية وأمنية لمراجعة شاملة لما مرَعلى الحكومات الأردنية منذ العام 1999.
في الختام، كان الله في عون الملك لأن الضغط من الداخل والخارج لا يرحم في وقت لا يمكن فيه المساومة والتنازل عن حق الأردنيين والفلسطينيين الذي تسعى عدة دول إلى تجاوزهم. تلك اللاءات هي التي أغضبت حلفاء واشنطن في المنطقة لأن الأردن لم ولن يكون يوماً وطناً بديلاً، ولن يُوطن أحداً والقدس التي قاتل الأردنيون على أسوارها واستشهدوا ليست للتنازل.