م. سليم بطاينه
قبل سنوات وصفت جريدة The economist البريطانية العريقة تغير الحكومات المتكرر بالفشل السياسي وكان هذا على لسان رئيس تحريرها ( جون مايكل ثوايت ) فمنذُ خمسة عشرعاماً كان مسار تشكيل بعض الحكومات يحملُ في طياته بذور الفشل بسبب الاتكال وانتظار المستقبل والذي هو طبيعة العاجزين. فالقادرُ لا يجلسُ على دكة الأحتياط فبشكل عام تعودنا ان الحكومات دوماً هي التي تُدخلُ البلاد في أزمات متلاحقة بسوء ادارتها.
فأسباب النجاح والفشل لأية حكومة باتت معروفة ولا تحتاج للتخمين، فتوفرالإرادة السياسية والشفافية وجراءة الحسم والإلمام بطبيعة إدارة شوؤن الدولة والمجتمع والمعرفة التامة بالتحديات وإدارة الأزمات (والتي لطالما نبهنا من أن إدارة المخاطر هي أقل كلفة من إدارة الأزمات) تعد من اهم الاسباب الحقيقية لنجاح الحكومات. لكن الانفصال عن الواقع واغراق المواطنين في الوعود وبيع الأحلام لهم يؤدي حتماً إلى فشل الحكومات. فهنالك قناعات تراكمية لدى الأردنيين وعلى مدى سنوات بأن الحكومات غير قادرة على إدارة شؤون المجتمع فالحلقات مفقودة بين الحكومات والرأي العام فحين تفشل الحكومات تستعجل الشعوب تغييرها.
المهمة الأساسية لأية حكومة هي أن تكون قيادتها سياسية بمعنى الكلمة وان يكون رئيسها صاحب ولاية عامة وليست مطاطية، وان تقوم تلك الحكومة بتعبئة الرأي العام حول رؤى واضحة ، ومشروع تُجند له كل الأمكانات ، فلا توجد حكومة في العالم لا تُمهد الرأي العام لقراراتها وتترك المواطنين حائرين بحثاً عن الحقائق. غياب الحقيقة يتركُ أثاراً سلبية في الشارع، فالحقيقة أقرب طريق للثقة والوضوح أفضل وسائل الأقناع. المسافات اتسعت كثيراً ما بين الحكومات والمواطنين والخيوط تقطعت ولا أحد يعمل على حياكتها من جديد.
المؤشرات دوماً تتراوح على فشل الحكومات بين العامل السياسي والاقتصادي والاجتماعي وكل مؤشر منها يُشكل سبباً موجباً لفشل الحكومة. فالمؤشرالاقتصادي يدل جيداً على أمان وأستقرار الدولة، وهو دليل على سلامة سياسة الحكومة الداخلية وامتداداتها الخارجية.
الأسباب التي تؤدي إلى فشل الحكومات كثيرة. ابتداءا من غياب مشروع الدولة ومرورا بعدم تجانس الفريق الوزاري وضعف كفائته ومهاراته السياسية في أدارة شوؤن البلاد، ناهيك عن الجهل أحياناً في أصول وقواعد إدارة الشأن العام. معظم الحكومات حملت الطبقات الفقيرة أعباء سياسات الإصلاح الاقتصادي، فكان ذلك على حساب العدالة الاجتماعية والتوازن بين الأردنيين، الأمر الذي أدى إلى سقوطهم في ظُلمات الكآبة.
من يُتابع تعاقب الحكومات واحدة تلو الاخرى يعرف المنهجية التي تُدار بها البلاد، فهنالك حكومات ظل في جميع دول العالم تكون من المعارضة، الا هنا في الأردن فهنالك حكومات ظل تضع العربة أمام الحصان أحياناً، ولا نعرفهم ولا نعرف اشكالهم. لذا فان إصلاح الحكومات بات أمراً حتمياً طال انتظاره وليس مستحيلاً شريطة توفر الإرادة السياسية العليا، فالمجتمعات لا تنهض ولا تستقر من دون حكومات. وعكس ذلك سنبقى ندور في حلقة مفرغة وستظل بيانات الحكومات وأرقامها مجرد بيانات رقمية تُصيب الناس بالملل، ولن يختلف الامر مهما تغيرت الحكومات والأشخاص.
الطيورلا تقع على اشكالها دوماً، فالحياة أوقعت الأردنيين على غير اشكالهم وأجبرتهم على كثير من الوجوه التي لا تشبههم أبداً.
عضو سابق في البرلمان الاردني