لا أحد يعلم متى تندلع الحرب بين إيران وإسرائيل. ولكن ما هو ثابت أن كلفة الحرب لا يمكن لطهران أوتل أبيب تحملها. فهل باتت الحرب قريبة من حدودهما؟ حين تتحدث مصادر إسرائيلية استخباراتية عن موعد جديد للإعلان عن الخطة الأميركية للسلام في الشرق الأوسط أو ما يُعرف بصفقة القرن في أشهر الصيف مع إشارات أميركية بأن التسويف يهدف إلى تجهيز الأجواء العامة للقبول لدى كافة الأطراف، فإننا أمام حالة من إعلان الحرب وما بعدها سيكون إعلان الصفقة وبنودها.
ونظرا لأن الانتخابات الإسرائيلية ستجري في التاسع من لأبريل المقبل، فإننا أمام حالة من الإعداد اللوجستي لمرحلة ما بعد فوز بنيامين نتنياهو وحزبه في الانتخابات البرلمانية ومدى قبولهم لشن حرب على إيران بمساعدة دولية وإقليمية.
فالتسريبات التي رشحت عن جسلة مغلقة جمعت نتنياهو مع مايك بومبيو، وزير الخارجية الأميركي وجاريد كوشنر، مستشار الرئيس دونالد ترامب، وجيسون غرينبلات، المبعوث الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط تشي بالكثير في ظل اتفاق بين الجانبين على تأجيل الإعلان عن الصفقة لأسباب سياسيية وذلك لترجيح كفة نتنياهو في الانتخابات البرلمانية المقبلة. فنتنياهو يواجه منافسة حادة من الجنرال بيني غانتس، رئيس حزب “مناعة لإسرائيل” وأنه من الممكن أن ينافس الليكود الحاكم.
ومن موسكو رشحت إشارات إلى أن الكرملين يقف اليوم ما بين مطرقة إسرائيل وسندان إيران نظراً لصعوبة الموقف الذي قد تتخذه روسيا تجاه كلا البلدين في حال نشوب حرب بينهما. فهل ستعطي روسيا الضوء الأخضر للحرب أم أنها ستكتفي بالامتناع عن التدخل وترك الأمور تسير وفق ما يريده المجتمع الدولي؟ هل ستضحي موسكو بالحلف الاستراتيجي مع طهران؟ وما هو المقابل؟
إن سنياريوهات الحرب بين إيران واسرائيل قد تُغير قواعد الاشتباك التقليدية وقد تؤسس لنوع جديد من الحروب العابرة للدول. فخلال العقود الأربعة الأخيرة، كانت الحرب بين إسرائيل وجيوش عربية نظامية، أما مع إيران فستكون الحرب بين جيش نظامي وجيش نظامي آخر مدعوماً بعناصروكتائب مسلحة مثل حزب الله اللبناني. وترى مصادر إسرائيلية أنه من الممكن أن تهاجم إيران إسرائيل مباشرة لوقف قدرات تل أبيب الصاروخية لأنها ستستهدف في المقام الأول قدرات حزب الله والقوات الإيرانية في سوريا والعراق والبنى التحتية لهما. وما يُرجِح تدخل إيران المباشر في الحرب هو أن قوات حزب الله قد أُنهكَت في حروب عديدة منها حرب 2006 والصراع السوري منذ العام 2011.
وبما أن القوات الإيرانية لا تمتلك سلاحاً جوياً حديثاً متطوراً كنظيره الإسرائيلي، فإنه من الصعب أن تكون هناك مناورات جوية إيرانية. بل قد تقتصر الحرب بينهما على ضربات صاروخية لبنوك من الأهداف الاستراتيجية في كل منهما.
إسرائيل صغيرة بما فيه الكفاية لدرجة أن قنبلة نووية واحدة يمكن أن تدمر الدولة اليهودية الحديثة. وحين هدَد نتنياهو إيران أكثر من مرة بأنه سيقصف طهران ومفاعلاتها النووية، فإنه كان يرى أن برنامج إيران النووي يجعل إسرائيل على حافة الهاوية. فبمجرد أن تحصل إيران على القنبلة الذرية، فإن الحرب أمر لا مفر منه.
في يونيو/ حزيران 2009 ، أجرت إسرائيل أكبر تدريبات للدفاع المدني على الإطلاق، وهي إشارة محتملة إلى أن إسرائيل تدرس ما يسمى “خيار شمشون”: هجوم إسرائيلي أول على المنشآت النووية الإيرانية. وهذا ما يراه مؤلف الكتاب الأكثر مبيعاً في صحيفة “نيويورك تايمز” جيروم كورسي في أن حرب إسرائيل القادمة ستكون مع إيران، ما لم تتخذ الولايات المتحدة موقفاً أقوى من البرنامج النووي الإيراني وتعمل على تغيير النظام هناك.
ويرى الكثير من الإسرائيليين أنه ليس لإيران شئ تخسره في حال نشوب الحرب بل هناك أيام عصيبة ومضطربة لمواطني إسرائيل حيث يسمع المرء أسئلة عديدة مثل: هل ستكون هناك حرب؟ ما هي عواقبها؟
يُشبه هذا الوضع مباراة بين ملاكمين من ذوي الوزن الثقيل، إذ لا يمكن لأي منهما أن يُسجل ضربة قاضية. مع مرور الوقت، لا يمكن لأحد التنبؤ بكيفية انتهاء المعركة. فقد يوقف الحكم الروسي المباراة، أو ربما يدرك أحد الطرفين أن الأضرار التي تكبدها ثقيلة للغاية ولا يمكن تحملها. في الوقت الراهن، على الأقل، تستمر المباراة سياسياً. كل من الدولتين يقف على الأرض: إيران لا تزال مصممة على وضع سوريا في دائرة نفوذها. في غضون ذلك، ترى إسرائيل أنه لا يمكنها تحمُل وجود عسكري إيراني في سوريا أو قريب من حدودها. ويبدو أن دافع إسرائيل بأن لا تسمح لسوريا بأن تتحول إلى قاعدة أمامية لعمليات إيرانية مباشرة ومركزاً صناعياً للصواريخ الموجهة بدقة سيكون شرارة الحرب القادمة بين البلدين.