عائد عميرة
تستضيف العاصمة اللبنانية بيروت، بعد غد الأحد، القمة الاقتصادية العربية الرابعة، وسط مؤشرات على ضعف التمثيل، واقتصار معظم الدول العربية على ارسال وزراء عوض تنقّل القادة والزعماء أو حتى رؤساء الحكومات، ما يمثّل تحدي هاما لنجاح هذه القمة العربية، فما الذي يقف وراء هذا التمثيل الضعيف، وما المنتظر من هذه القمة؟
قمة دون زعماء
بدأت بيروت منذ أيام في استقبال الوفود العربية للمشاركة في القمة الاقتصادية المنتظرة، غير أن الملاحظة إلى الأن عدم وصول أي رئيس عربي للمشاركة في هذه القمة، ليس هذا فحسب بل أن عديد التقارير تشير إلى عدم تأكيد الزعماء عرب مشاركتهم من عدمها سوى رئيسين فقط أكدا حضورهما هما رئيسي موريتانيا والصومال.
والمنتظر أن يتراوح تمثيل الدول العشرين الباقية بين رئيس وزراء، ووزير أول، ووزير، ونائب وزير، وصولا إلى درجة مندوب، فيما اعتذرت ليبيا عن الحضور، مبدية أسفها لـ”أفعال سلبية” بدرت من الدولة المضيفة ودفعت الحكومة الليبية إلى اتخاذ هذا القرار.
أخر الزعماء العرب الذي قدموا اعتذارهم عن الحضور، كان أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، حيث ذكرت قناة “إل بي سي”، أن أمير الكويت، صباح الأحمد الجابر الصباح، اعتذر عن حضور القمة العربية الاقتصادية. ومن المنتظر أن يمثل الكويت في أعمال القمة نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الشيخ صباح الخالد الذي يصل العاصمة اللبنانية غدا السبت.
يتألف مشروع جدول أعمال القمة من 27 بندا تغطّي عديد المواضيع العربية المشتركة الاقتصادية والتنموية والاجتماعية
جاء اعتذار أمير الكويت تتمتا لما صدر عن باقي الرؤساء العرب، فقد اعتذر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن الحضور، وسيمثّل مصر رئيس وزرائها مصطفى مدبولي في القمة. كما اعتذر أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني عن الحضور.
بدوره، اعتذر الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن الحضور، فحسب بيان للرئاسة اللبنانية “تسلّم الرئيس ميشال عون، رسالة من نظيره الفلسطيني تضمنت اعتذاره عن عدم تمكنه من الحضور نظراً لوجوده في نيويورك لرئاسة مجموعة الـ77 + الصين، وقد كلّف رئيس الحكومة الفلسطينية الدكتور رامي الحمدالله رئاسة الوفد المُشارك.”
فيما خصّ المملكة العربية السعودية، فقد وصل إلى مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، نائب وزير المالية السعودي الدكتور حمد بن سليمان البازري، للمشاركة في اجتماعات القمة، فيما سيمثّل السودان نائب الرئيس الأول الفريق أول الركن بكري حسن صالح.
وفي غياب الملك المغربي واعتذاره عن الحضور، سيمثّل المملكة المغربية في هذه القمة، وزير الخارجية ناصر بوريطة. أما جمهورية الصومال فسيمثّلها نائب رئيس مجلس الوزراء مهدي محمد جوليد.
من جانبه اعتذر الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي عن الحضور، وسيمثّل تونس في هذه القمة وزير الخارجية خميس الجهيناوي. وكان وزير خارجية جيبوتي محمد علي يوسف قد وصل إلى بيروت، الخميس. كما وصل إلى بيروت، الخميس، نائب وزير خارجية اليمن محمد عبد الله الحضرمي، ووزير الخارجية العراقي محمد الحكيم.
وفي الجانب العماني، وصل وكيل الوزارة للشؤون المالية والإدارية في وزارة الخارجية العمانية أحمد يوسف الزرافة إلى بيروت مترأسا وفد بلاده. ولم يتبيّن إلى الأن حجم تمثيل باقي الدول العربية على غرار الإمارات والجزائر والعراق والأردن.
إهانة العلم الليبي يلقي بضلاله على القمة
ألقى موضوع مشاركة ليبيا في القمّة، والأزمة الداخلية التي نتجت من ذلك، ولا سيّما إهانة العلم، بضلاله على قمة بيروت، حيث أثّرت كثيراً في مشاركة الرؤساء العرب فيها. وتداولت وسائل التواصل الاجتماعي قبل أيام مقاطع فيديو تظهر قيام عناصر تابعة لحركة “أمل” اللبنانية بنزع علم ليبيا، من موقع انعقاد القمة العربية الاقتصادية والتنموية في بيروت.
وتحمل الطائفة الشيعية في لبنان الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي مسؤولية اختفاء مؤسس حركة “أمل” ورئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى السابق الإمام موسى الصدر، الذي شوهد للمرة الأخيرة في ليبيا في 31 أغسطس/ آب 1978، بعدما وصلها بدعوة رسمية مع رفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين. لكن النظام الليبي السابق دأب على نفي هذه التهمة، مؤكدا أن الثلاثة غادروا طرابلس متوجهين إلى إيطاليا.
وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية في حكومة الوفاق الوطني الليبية، أحمد الأربد، قد أعلن عدم مشاركة ليبيا في القمة العربية، فيما طالب المجلس الأعلى في ليبيا الوزارة بتجميد العلاقات الدبلوماسية مع بيروت، داعياً جامعة الدول العربية إلى “استبعاد لبنان من أي حدث عربي”.
ويرى عديد المراقبين، أن هذه الحادثة أثرت كثيرا في حجم التمثيل العربي في قمة بيروت، فهي المرة الأولى التي يتم فيها إهانة علم دولة عربية مشاركة في قمة عربية وحرقه، وهو ما بدا بيّن عدم توفر المناخ المناسب لعقد القمة ببيروت، وفق الأعراف والتقاليد المتبعة لعقد مثل هذه القمم.
وانطلقت القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية في دورتها الرابعة، صباح الخميس، في جلستها الأولى لمناقشة مشروع برنامج عمل اجتماع اللجنة المعنية بالمتابعة والإعداد للقمة، والنظر في الوثائق التحضيرية للقمة، والتي تشمل مشروع جدول الأعمال، وتقرير الأمانة العامة حول متابعة تنفيذ قرارات القمة السابقة ومشاريع القرارات.
الأزمة الداخلية اللبنانية
من أسباب ضعف التمثيل العربي أيضا، غياب موقف لبناني موحد حيال القمة، فإلى وقت قريب عبّرت عديد الأطراف اللبنانية على رأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري عن رغبتها في تأجيل موعد انعقاد قمة بيروت الاقتصادية.
ويرى عديد الخبراء أن وجود حكومة تصريف أعمال، من بين أسباب ضعف التمثيل، غير أن رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون يرى أنّ “الحكم استمرارية والحكومة الحالية تمارس صلاحياتها وفقاً للدستور.”
المتأمل للقمم العربية السابقة، يعلم يقينا أن قمة بيروت لن تحيد عن المسار العام، وأن بيانها الختامي سيكون عبارة عن تكرار لبيانات سابقة إنشائية
وتعيش المؤسسات الدستورية في لبنان شللاً شبه تام، منذ أن دخلت الحكومة مرحلة تصريف الأعمال مع انتهاء ولاية البرلمان السابق في الأول من يوليو/تموز 2018، وبدء ولاية البرلمان الحالي الذي انتخب أعضاؤه في السادس من مايو/أيار من السنة نفسها، ومردّ هذا الشلل إلى عجز الحكومة المستقيلة عن عقد جلسات واتخاذ القرارات، لكنّ تعطّل الحكومة أو تعطيلها لا ينسحب على المجلس النيابي الذي يبقى سيّد نفسه، وقادراً على عقد جلسات عامة وإقرار القوانين، بموجب أحكام المادة 69 من الدستور، التي تجعله في دورة استثنائية، فور دخول الحكومة مرحلة تصريف الأعمال.
فضلا عن ذلك، يرجع بعض المتابعين سبب هذا الضعف إلى التمثيل الذي مورس على بعض الدول العربية من قبل دول الخليج على رأسها السعودية، لتخفيض التمثيل باعتبار أن البرلمان الذي يملك زمام الأمور في لبنان غالبيته مؤيدة لإيران.
وتمثّل التجاذبات السياسية والخلافات بين الرئاسات الأولى والثانية من جهة، والثانية والثالثة من جهة أخرى، والصراعات بين التيارات المختلفة في البلاد، أحد أبرز الأسباب الداخلية التي وضعت لبنان في مأزق خلال هذه القمة العربية المرتقبة.
ملفات عديدة وانتظارات قليلة
يتألف مشروع جدول أعمال القمة من 27 بندا تغطّي عديد المواضيع العربية المشتركة الاقتصادية والتنموية والاجتماعية.وسيوزّع جدول الأعمال على ثلاث جلسات، إضافة إلى الجلستين الافتتاحية والختامية. ومن المقرر أن تصدر عن القمة قرارات سيتخذها القادة العرب، بجانب “إعلان بيروت”، الذي سيوجز مجريات القمة.
ومن أبرز الملفات المتوقع أن تبحثها القمة: إطلاق إطار عربي استراتيجي للقضاء على الفقر متعدد الأبعاد 2020 و2030، ومنهاج العمل للأسرة في المنطقة العربية ضمن تنفيذ أهداف التنمية المستدامة 2030، والإعلان العربي حول الانتماء والهوية، واستراتيجية إنشاء منطقة تجارة حرة عربية كبرى، والسوق العربية المشتركة للكهرباء.
كما تضمّ بنود القمة، الميثاق العربي الاسترشادي لتطوير قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، الاستراتيجية العربية للطاقة المستدامة، الأمن الغذائي العربي، الرؤية الاستراتيجية لتعزيز وتفعيل العمل العربي المشترك بين قطاعي السياحة والثقافة، إضافة إلى إدارة النفايات الصلبة في العالم العربي.
تتناول البنود أيضا، إطلاق أجندة التنمية للاستثمار في الطفولة في الوطن العربي 2030، والاستراتيجية العربية لحماية الأطفال في وضع اللجوء في المنطقة العربية، والعقد العربي لحقوق الإنسان 2019 – 2029، والدورة العربية الرابعة عشرة للألعاب الرياضية، عام 2021، ومناقشة الأعباء الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على استضافة اللاجئين السوريين، وآثارها على الدول المستضيفة.
هذه البنود من المنتظر أن تبقى مجرد حبر على ورق، فالمتأمل للقمم العربية السابقة، يعلم يقينا أن قمة بيروت لن تحيد عن المسار العام، وأن بيانها الختامي سيكون عبارة عن تكرار لبيانات سابقة إنشائية غير قابلة للترجمة، فمعظم المقررات العربية لم تبصر النور وظلت حبيسة أدراج المكاتب لسنوات قبل أن تبقى مجرّد ذكرى يتم تذكرها كلّ قمة.
ويرى العديد من المراقبين، أن الوفود العربية ستكتفي بمناقشة هذه البنود واقرارها، دون مناقشة كيفية تطبيقها على أرض الواقع لتنظم إلى باقي المقررات العربية السابقة، خاصة وأن ظروف هذه القمة لا تختلف عن القمم الأخرى، فالاختلافات العربية متواصلة، فمتى يحين الوقت الذي تطبق فيه القرارات العربية؟