الرئيسية / أخبار / سباق التسلح والإنفاق العسكري نذيران بحرب لتغيير الجغرافيا

سباق التسلح والإنفاق العسكري نذيران بحرب لتغيير الجغرافيا

د. شهاب المكاحله

مع نهاية عام واقتراب آخر، يتفاءل المرء بمستقبل مشرق ولكن يبدو أن سباق التسلح العالمي بين الدول وخصوصاً بين الصين وروسيا والولايات المتحدة يتجه نحو صدام حقيقي فيما يتعلق بالصواريخ الباليستية التي نصبها حلف (الناتو) بالقرب من حدود روسيا والصين وكذلك الأمر تسعى روسيا والصين إلى نصبِ صورايخ قرب الأراضي الأميركية وحلفها بدءاً من أميركا الجنوبية إلى جزرٍ في المحيط الهادئ وحتى القطب الشمالي.

يقول قائد الجيش البريطاني إن التهديدات الموجهة لأوروبا اليوم تُذكرنا بالأحداث التي أشعلت الحرب العالمية الأولى. فقد أصدر أكبر قائد عسكري في بريطانيا تحذيراً صارخاً للحكومة  قبل عدة أيام إذ قارن الوضع الحالي للأمن الدولي بانهيارالعلاقات الدبلوماسية التي أدت إلى اندلاع الحرب العالمية الأولى. وتأتي مخاوف الحرب من خلال ما طالب به الرئيس الأميركي دونالد ترامب في العام الماضي مراراً وتكراراً من ضرورة الاستعداد العسكري في مواجهة التهديدات المتزايدة من الخصوم، سواء أكانت تلك التهديدات من الجماعات الإرهابية أوالخصوم التقليديين من الدول. في الوقت نفسه، تحدَث كبار المسؤولين في البنتاغون علناً عن الحاجة إلى الاستعداد لصراع ضد خصم  بات في الفناء الخلفي للولايات المتحدة.

وفي كل عام يتوقع فيه الباحثون انخفاض مبيعات السلاح والاتجاه نحو العقلانية والحوار لفض النزاعات ولكن لا يبدو الأمر سهلاً اليوم بالنظر إلى بؤر التوتر العالمية. فيبدو أن حل الصراعات المستقبلية بات رهينة شراء وتسويق السلاح. فلا يُعد الذهاب إلى الحرب قراراً يمكن الاستخفاف به، خاصة عند النظر إلى التكلفة الإجمالية لهذه الحروب وخير مثال على ذلك الحرب العالمية الثانية. ففي جميع أنحاء العالم، ارتفع الإنفاق العسكري في الى أكثر من 1.8 تريليون دولار تمثل 2.4 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.أي أننا لو قسَمنا الإنفاق على عدد سكان الأرض لوجدنا أن كل فردٍ منا يدفع سنوياً 250 دولاراً على التسلح.

واليوم بات هناك توجهُ نحو التسلح وإنشاء قواعد وصناعات عسكرية في الشرق الأوسط أكثر مما كان عليه الأمر في الماضي. ويرى الغرب وتحديداً الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أن الخطر يأتي من الشرق: روسيا والصين. بالنسبة للخبراء الأميركيين، فإنه سيكون خطيراً إذا ما دخلت الولايات المتحدة في حرب كبرى، ولكن الأمر سيكون أسوأ بكثير إذا ما خسرت أي من تلك الحروب. فعلى الرغم من التهديدات المتزايدة من روسيا والصين، فقد خلقت التجارب الأميركية في أفغانستان والعراق سَخطاً كبيراً في أوساط الرأي العام الأميركي حيث أضاعت واشنطن جهدها في مكافحة الإرهاب والتمرد في بعض الدول بدلاً من التركيز على مواجهة نفوذ الدول الكبرى.

وبالنظر إلى ميزانية الدفاع الأميركية (DOD)، فهي تعكس أن واشنطن تعمل على سياسة الردع الروسي والصيني إذا لزم الأمرلذلك فإن الولايات المتحدة بحاجة ماسة على الأرجح إلى تكتيكات وأساليبب للتغلب على هذه العقبات عن طريق استراتيجية الدفاع الوطني (NDS)  من أجل المنافسة على الساحة العالمية مدعومة من الحلفاء التقليديين والجدد. وهذا يعني بالنسبة لوزارة الدفاع المزيد من الإنفاق العسكري السنوي والاستثمار في التقنيات الجديدة، وتطوير طرق أخرى لتوظيفها، ونشر القوات في الأماكن التي يمكن استخدامها بسرعة.

في الوضع الحالي، قد لا يمكن للوزارة  تأمين الموارد الضرورية أو حتى تغيير طريقة عملها أو إعادة توجيه استثماراتها دون قبول شعبي واسع، ما يعني أن فرصة الحرب مع روسيا والصين ستكون على الأرجح بالوكالة لأن الحرب المباشرة بين تلك الدول لا بد لها من استعدادات إضافية وهي غير موجودة عند أي من الدول الكبرى حالياً.

الانفاق العسكري العالمي
Al Makahleh Group

ما هي الميزانية العسكرية؟

فالميزانية العسكرية هي مقدار الموارد المالية المخصصة من الدولة لتطوير قواتها المسلحة لغايات الدفاع عن مُكتسباتها ومُقدراتها إذ تنفق الولايات المتحدة على قواتها المسلحة  أكثرمما تنفقه الصين وروسيا والمملكة العربية السعودية والهند وفرنسا والمملكة المتحدة واليابان مجتمعة. ويمثل الإنفاق الدفاعي 15 في المائة من الإنفاق الفيدرالي الأميركي. كما خصصت الولايات المتحدة تاريخياً حصة أكبر من اقتصادها للدفاع عن العديد من حلفائها الرئيسيين. وانضمت الهند إلى الولايات المتحدة والصين كواحدة من أكبر خمسة بلدان  فيما يتعلق بالإنفاق العسكري في العالم هذا العام، مع بوادر تحول ميزان الإنفاق العسكري أكثرفأكثر نحو آسيا. وارتفع الإنفاق على الدفاع في الهند بنسبة 5.5 بالمائة إلى 63.9 مليار دولار في عام 2017.

تنافس الهند والولايات المتحدة مع الصين

إن من أسباب ارتفاع الإنفاق العسكري الهندي يُعزى إلى عدة أسباب منها: أولاً، التوترات الجيوسياسية المتزايدة داخل آسيا، بما في ذلك الحاجة إلى الدفاع عن النفس في ظل ارتفاع حصة الصين من سوق الإنفاق العالمي إلى 13 بالمائة  في العام الماضي. وثانياً، تعاني الهند نلتكلفة الهائلة للمرتبات والمعاشات التقاعدية لموظفيها العسكريين العاملين البالغ عددهم 1.4 مليون عامل، بالإضافة إلى 2 مليون من المحاربين القدامى؛ وهذا يتطلب بحد ذاته المزيد من الانفاق العسكري إذ أن 14 في المائة فقط من ميزانية الدفاع الإجمالية تتجه نحو التحديث العسكري مقارنة بنسبة 63 في المائة المخصصة للرواتب.

ماذا يعني ارتفاع الانفاق العسكري المتوسطي؟

لقد ارتفع الانفاق العسكرية لدول الشرق الأوسط ما يعني أن هناك تخوفاً لدى بعضها من اشتباك ما وإن كان محدوداً في ظل تأرجح السياسات الخارجية الأميركية تارة مع صفقة القرن وتارة مع صفقة الإتفاق النووي أو عدمه. إن ارتفاع الإنفاق العسكري للمملكة العربية السعودية دفع إلى زيادة في الإنفاق الخاص بالشرق الأوسط للعام 2017-2018. فقد ارتفع الإنفاق العسكري في الشرق الأوسط بنسبة 6.2 في المائة في العام 2017. وارتفع إنفاق المملكة العربية السعودية بنسبة 9.2 في المائة في عام 2017 بعد الانخفاض في عام 2016. وأنفقت السعودية 69.4 مليار دولار على التسلح ما جعلها ثالث دولة من حيث أعلى إنفاق عسكري في العالم  بعد الولايات المتحدة والصين. ومن المتوقع أن تزداد مشتريات دول الشرق الأوسط من السلاح في الاعوام القادمة بسبب النزاعات المسلحة والتنافس الإقليمي والدولي على رقعة الشطرنج الشرق أوسطية.

في عام 2017 ، كان أعلى إنفاق عسكري في الشرق الاوسط محسوباً بالمقارنة مع الناتج المحلي الإجمالي أو ما يعرف بـ(العبء العسكري) متفوقا على النسبة العالمية حيث بلغ 5.2 في المائة وبالمقابل كانت أعلى نسبة للدول الكبرى هي الولايات المتحدة بـ 1.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

لقد حققت الصين أكبر زيادة مطلقة في الإنفاق (12 مليار دولار) في عام 2017 (بالأسعار الثابتة لعام 2016) ، في حين حققت روسيا أكبر انخفاض (- 13.9 مليار دولار). كما ارﺗﻔﻊ اﻹﻧﻔﺎق اﻟﻌﺳﮐري ﻓﻲ أﻣيرﮐﺎ اﻟﺟﻧوﺑﯾﺔ ﺑﻧﺳﺑﺔ 4.1 ﻓﻲ اﻟﻣﺎﺋﺔ ﻓﻲ ﻋﺎم 2017، وﯾرﺟﻊ ذﻟك أﺳﺎﺳﺎً إﻟﯽ زﯾﺎدات ﻣﻟﺣوظﺔ في اﻷرﺟﻧﺗﯾن (ﺑﻧﺳﺑﺔ 15 ﻓﻲ اﻟﻣﺎﺋﺔ) واﻟﺑرازﯾل (ﺑﻧﺳﺑﺔ 6.3 ﻓﻲ اﻟﻣﺎﺋﺔ). كما  انخفض الإنفاق العسكري في أفريقيا بنسبة 0.5 في المائة في عام 2017، وهو الانخفاض السنوي الثالث على التوالي منذ ذروة الإنفاق في عام 2014. وانخفض الإنفاق العسكري للجزائر للمرة الأولى منذ أكثر من عقد (بنسبة 5.2 في المائة عن عام 2016).

ويوجد في الشرق الأوسط سبعة من البلدان العشرة الأكثر عبءاً عسكرياً: عُمان (12 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي) ، المملكة العربية السعودية (10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي) ، الكويت (5.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي) ، الأردن (4.8 في المائة). من الناتج المحلي الإجمالي) ، وإسرائيل (4.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي) ، ولبنان (4.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي) والبحرين (4.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي).

ترتيب الدول من حيث الإنفاق العسكري

1.المملكة العربية السعودية

تأتي في المرتبة الأولى عالمياً من حيث الإنفاق العسكري للفرد الواحد إذ تنفق 6,900 دولاراً أميركياً للفرد الواحد على عملياتها العسكرية لتحتل بذلك أعلى انفاق عسكري بالنسبة للفرد على مستوى العالم. وهي بذلك تتفوف على إسرائيل والولايات المتحدة اللتين تشتهران بالانخراط في العديد من الحروب حول العالم. ويبلغ عديد القوات العسكرية في المملكة العربية السعودية ما مجموعه 251,500 فرداً، بما في ذلك  227,000 في الخدمة الفعلية و 24,500 يقدمون خدمات عسكرية. إن من أحد الأسباب التي تدفع المملكة العربية السعودية إلى إنفاق الكثير من المال على الجيش هو أنها استثمرت في الترسانة العسكرية ذات التكنولوجيا العالية التي تستوردها من فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا. ويشمل ذلك المعدات الحديثة من طائرات قتالية وطائرات هيليكوبتر وطائرات ناقلة ومركبات مدرعة ومنظومات صواريخ الباتريوت.

2. سنغافورة

القوات المسلحة السنغافورية هي الذراع العسكرية لقوات الدفاع في سنغافورة. ويصل العدد الإجمالي للقوات المسلحة إلى 500,100 فرداً  بما في ذلك 72,500 في الخدمة الفعلية، كما أن هناك 312,500عنصراً كقوات احتياط وقرابة 119,100 قوات شبه عسكرية.  وتنفق الحكومة السنغافورية 2,385 دولاراً أميركياً على الفرد الواحد في النشاطات العسكرية وهي الأعلى بذلك في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

ويتم إنفاق معظم ميزانيتها على الأسلحة المتطورة، والأبحاث والتطوير، والأنظمة العسكرية.

3. إسرائيل

إن ما تنفقه إسرائيل على الفرد الواحد من حيث العمليات العسكرية يصل إلى 1,882 دولاراً أميركياً. ويبلغ عدد عناصر الجيش الإسرائيلي الى 649,5000 عنصراً منهم 176,500  فرداً يخدمون في صفوف الجيش اليوم، و 465,000 عنصراً كاحتياط  و 8,000 فرداً كقوات شبه عسكرية. وكانت ميزانية إسرائيل العسكرية تتقلب على مرِ السنين. ومع ذلك، فقد شهدت أعلى إنفاق في الثمانينات عندما أنفقت الدولة العبرية أكثر من 24 بالمائة من ناتجها المحلي الإجمالي على الخدمات العسكرية. وفي عام 2010، تم إنفاق مبلغ 12 مليار دولار على التسلح. وبعد توقيع معاهدة السلام مع الأردن، خفَضت إسرائيل بشكل كبير ميزانيتها على التسلح مقارنة بما كانت عليه في الثمانينات من القرن الماضي.