د. شهاب المكاحله
“منصات التواصل أم التناحر الاجتماعي”خطاب ملكي بشكل مقالة خَصَ بها جلالة الملك عبدالله الثاني الشعب الأردني بعيداً عن الصخب الإعلامي والضجيج التلفزيوني الحكومي والرسمي والخاص وعدسات الكاميرات. لم أقرأ ما كتبه جلالته في لحظة نشر المقالة لكنني قرأتها بعناية عقب ساعات. وخلاصة ما استخلصته من المقالة وعن المناسبة التي دعت إلى كتابتها ونشرها عبر قنوات التواصل الاجتماعي التي هي الأقرب اليوم إلى نبض الشعب الأردني ما يلي:
أولاً: أراد جلالته توجيه رسالة إلى الشعب الأردني بشكل غير رسمي وعلى الطريقة الحديثة في الخطاب بين المليك والشعب بتمرير رسائل مهمة على المواطنين الإلمام بها وأخذ الاحتياطات اللازمة للمرحلة القادمة. تلك المقالة تناولت موضوعات مهمة منها المواطنة المسؤولة والفاعلة ودولة القانون والدولة المدنية والتربية والتعليم والديمقراطية وعدد من القضايا المهمة.
ثانياً: ترك الملك عبر مقالته المجال مفتوحاً للمُخلصين من أبناء الوطن للمناقشة البنَاءة للأفكار الواردة في المقالة والتي تعكس حرصه على الاستماع هذه المرة مباشرة من المواطن لا من المسؤول. وهذا هو الفرق اليوم بين أن يخاطب الملك بنفسه الشعب عبر مقالة يفك شيفرتها الأردنيون من على كافة منصات التواصل الاجتماعي دونما حاجة لحاجب أو وزير او مسوؤل كبير لنقل شجون المليك والمواطن.
ثالثاً: إن لجوء الملك عبدالله الثاني للتواصل مع الشعب عبر قنوات التواصل الاجتماعي لا يمكن تفسيره إلا بأنه يتفاعل مع كل ما يُكتب بشأن الأردن وقضايا المواطن وهو اليوم يكشف عن ذلك بالردِ بنفس الطريقة التي يوصل بها الأردنيون اليوم همومهم إلى جلالته.
رابعاً: بات الجميع يُدرك أن لوسائل التواصل الاجتماعي الدور الأكبر اليوم في إيصال الرسائل إلى من يهمه الأمر كما أن عصر الإنترنت لم يدعْ اليوم مجالاً لإخفاء المعلومة ولا احتكارها. وهذا ما أراد جلالته إيصاله أيضاً عبر تلك المقالة بأن الاستماع لوسائل الإعلام ما عاد يرقى بطبيعة المرحلة من حيث نقل المعلومة بموضوعية دون الاستماع الى وجة النظر المغايرة ولكن بعقلانية وحكمة مع عدم بث الفوضى والاشاعة. وهنا رسالة الى الإعلام الوطني بأنه عليه أن يعمل على تطوير نفسه ليواكب المرحلة.
خامساً: فكرة المقالة ركزَت على عنصر الإشاعة الذي يلجأ إليه الكثير من الانتهازيين والوصوليين عبر نشرهم خطاب الكراهية والحقد المجتمعي ما يؤلب أبناء المجتمع على بعضهم البعض.
سادساً: استخدم الملك أسئلة استفهامية استنكارية للممارسات السلبية وكل من يقف وراءها من وراء حدود الوطن من باب زيادة الشعبية وتحويل الأردن إلى ساحة للمعارك الإقليمية وتسوية الحسابات والأجندات.
وفي الختام أقول إن المقال أعجبني وأثار شجوني لأنه خرج عن المألوف وعمَا يرسمه البرتوكول وما إلى ذلك من تعقيدات إجرائية من إرسال طاقم التصوير والمخرجين وفنيي الإضاءة وغيرهم من الطاقم الحكومي للإعداد لِخطاب مُباشر أو حتى مُسجَل لجلالته. تلك المقالة كشفت عن عقلية الملك وفكره وأوضحت للأردنيين أن طريق الحوار هو الأفضل للحصول على ما يريدون من تغيير في النهج الحكومي لبناء هذا الوطن وخدمة لقضايا الأمة . فقُرب الملك من شعبه يكون حين يعيش همومهم وشجونهم لأنه مواطن من نسيج هذا الوطن.