الرئيسية / أخبار / ما مستقبل العلاقة الأميركية الروسية؟

ما مستقبل العلاقة الأميركية الروسية؟

د. شهاب المكاحله

الجذور الهيكلية للأزمة الحالية تكمن في العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا (ضعف الهيمنة الأميركية وتجدد القوة الروسية)، منذ صعود الرئيس الاميركي دونالد ترامب الى سلم الرئاسة. حتى مع وجود تفاؤل بحلحلة الوضع العالمي الا أن التشاؤم اكبر في التوصل الى “صفقة كبرى” بين الرئيس ترامب والرئيس الروسي فلاديمر بوتين. ويبدو أن التقارب بين موسكو وواشنطن بات  أكثر صعوبة في عدة ملفات لأن التعاون بين الجانبين لحل عدد من المشاكل العالمية من حروب في أوكرانيا وسوريا إلى تغير المناخ ، أمر مطلوب على وجه السرعة.

لقد كانت علاقات ترامب مع روسيا درامية في ثلاثة فصول.  اولها هو ما كان الرئيس الاميركي يقوله من أنه في حال فوزه سيصر على مراجعة دور الولايات المتحدة في العالم بشكل جذري ناهيك بإقامة شراكة جديدة مع روسيا كجزء من السياسة الخارجية للبيت الابيض. اما ثانيها فيتمثل في الأشهر الاخيرة التي أعقبت الانتخابات الرئاسية الاميركية، إذ وجد ترامب نفسه تحت هجوم شرس وترشح معلومات حول الجهود الروسية للتأثير في سيرالانتخابات ونتائجها. اما الفصل الثالث، فبعد ان شنت القوات الاميركية هجوما صاروخيا على سوريا في 7 أبريل 2017 ، عاد للأذهان أن اشنطن تريد العودة الى الساحة الدولية بممواقف تستدعي تدخلها بشكل اكبر وليس في امور صغيرة.

لا يمكن لأحد التنبؤ بالمسار المستقبلي للعلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا. هذا المستوى من عدم القدرة على التنبؤ لم يظهر منذ أواخر الثمانينيات، عندما لم يكن واضحا من سيحكم ​​الاتحاد السوفييتي آنذاك، أو ما إذا كان سيقى هناك اتحاد سوفييتي بعد أن تفككت عدد من الجمهوريات ومنها اوكرانيا وكازخستان واذربيجان. ما يجعل اليوم مختلفا عن الامس في العلاقات الاميركية الروسية هو حالة عدم اليقين بين الجانبين وغياب الثقة. ففي الجانب الروسي، هناك سلسلة من نقاط الضعف. هل يعتزم الرئيس فلاديمير بوتين الاستمرار في استخدام القوة العسكرية؟ هل الاقتصاد الروسي قوي بما فيه الكفاية لإعطاء الزخم لسياسة بوتين الخارجية ؟هل للنظام الروسي علاقات دولية وشبكات تدعم استقراره وتمدده عالميا؟

التطور الأكثر بروزا هو عودة روسيا إلى ساحة القوى العظمى كلاعب قديم بعد توقف دام اعواما. ففي تسعينيات القرن الماضي وأوائل عام 2000 ، كانت موسكو تتنصل من الالتزامات الدولية، مُجيرة تلك المسائل الخارجية الأميركية بدءا من كوسوفو إلى العراق. لكننا شهدنا منذ عام 2008 روسيا جديدة، بدأت بنشر قواتها العسكرية في جورجيا، وأوكرانيا، وسوريا. واعتمدت روسيا في نهجها السياسي على عدة عوامل منها: زيادة قوة الاقتصاد الروسي بل مضاعفته بين عامي 2000 -2008 في وقت زاد فيه الإنفاق على الجيش ثلاثة أضعاف بين عامي 2000- 2015  من 30 مليار دولار إلى 100 مليار دولار.

تحول نظام الحكم في روسيا للفترة من2011-2014 من حكم أوتوقراطي إلى نظام يقوم على القومية الشعبوية. وقد ساهمت التطورات الخارجية في ذلك خصوصا ما سمي بالثورات الملونة في السنوات من 2003-2005 ، وما اصطلح على تسميته بالربيع العربي لعام 2011. ولعل العقيدة العسكرية الجديدة استدعت التوقف عندها نظرا لأنها تعني أن كل ما من شأنه يهدد دولا حليفة هو تهديد مباشر للأمن القومي الروسي.

بعد ان نهضت روسيا من رماد الاتحاد السوفيتي، لم يعرف الغرب كيف يستجيب لروسيا المتطورة. فقد حاول الرئيس الاميركي السابق باراك اوباما بدبلوماسيته المعهودة أن يعيد ضبط ايقاع العلاقة بين واشنطن وموسكو في العام 2009، كما مارست واشنطن عقوبات اقتصادية ومالية بعد ضم روسيا للقرم في العام 2014، ناهيك بسياسة الردع من حيث زيادة عديد الناتو في منطقة البلطيق التي لم تثمر.

وفي الوقت نفسه ، كانت هناك عوامل هيكلية أخرى تعمل لصالح روسيا منها “انحسار نفوذ الغرب” وصعود التنين الصيني. فلم تتعافى أوروبا تماما من التأثير المدمر للأزمة المالية لعام 2008 إذ تفاقم انهيار الثقة في الاقتصاد الاوروبي خاصة والغربي عامة مع تدفق اللاجئين عبر البحر المتوسط ​​من شمال أفريقيا وسوريا والعراق عبر تركيا . وصحب ذلك تصويت خروج بريطانيا في حزيران 2016 من عضوية الاتحاد الاوروبي.

وعند اندلاع الازمة السورية والليبية واليمنية وتراجع واشنطن عن التدخل الايجابي للتوصل الى حل لتلك الازمات، كانت تلك إشارة دراماتيكية إلى أن الولايات المتحدة كانت تنسحب إلى الخلف من الشرق الأوسط ، وكانت روسيا تتقدم في تلك المنطقة. حاول المحللون معرفة الأهداف الاستراتيجية لروسيا في سوريا وفي المنطقة.  وما يبدو من مصادر مقربة من الكرملين أن بوتين اراد أن يدخل مع الولايات المتحدة ليس كعدو بل كشريك في قضايا العالم ونجحت روسيا في الحصول على ما تريد بعد أن فاز ترامب في الانتخابات الاميركية.

كان بوتين يعلم أن التعاون مع الولايات المتحدة سيكون فرصة مستحيلة إذا فازت هيلاري كلينتون بالرئاسة لأن الرئيس الروسي كان يرى فيها حربا أيديولوجية مع الولايات المتحدة. ونجحت موسكو في استخدام جميع أدوات قوتها الناعمة ومنها حرب الجيل الرابع و”حرب المعلومات” للوصول الى التاثير على الرأي العام العالمي.

وحين فاز ترامب، رأى العديد من المراقبين أن هناك أوجه شبه كبيرة بين “القومية الترامبوية” وبين الصيغة “السياسية لبوتين” حيث أن كلا منهما يستخدم الاعلام للوصول الى جمهوره مع غزل مباشر بين بوتين وترامب. وللتذكير فإن ترامب قال في مقابلة تلفزيونية مادحا بوتين: “إنه يقود بلاده، وعلى الأقل هو قائد، على عكس ما لدينا في هذا البلد”. وفيما يتعلق بعمليات قتل معارضي بوتين قال ترامب: “بلدنا يقوم بالكثير من القتل أيضا”. وكرر هذا التصريح بعد أن أصبح رئيسا إذ قال: “أعتقد أنه سيكون أمراً عظيماً إذا ما توافقنا مع روسيا لأننا نستطيع محاربة داعش معا. “(كرر هذه النقطة في مقابلتين أخريين).

ما هو مسار العلاقات الروسية الاميركية في المستقبل؟ ما لم تتوقف التحقيقات في القرصنة الروسية للانتخابات الاميركية، فمن الصعب للغاية أن يقدم ترامب أي تنازلات لموسكو. فقد بدأت الامور تتجه نحو السلبية بين البلدين بعد استقالة مستشار الامن القومي الاميركي مايكل فلين في فبراير 2017، إذ أمر الكرملين وسائل الإعلام الروسية بوقف التغطية الإيجابية لترامب. ولكن وبعد طلب ترامب لقاء بوتين في العاصمة الفنلندية، فإن ذلك يعني أن ترامب يمضي قدما لإدارة صفقة مع بوتين. وذلك يكمن في أن يتم رفع العقوبات الاقتصادية عن  روسيا والاعتراف بالسيادة الروسية على شبه جزيرة القرم ، والتعهد بأن أوكرانيا لن تنضم إلى حلف شمال الأطلسي. وفي المقابل، يتم تجديد محادثات الأسلحة النووية الاستراتيجية ، والتعاون في الحرب ضد الارهاب.

باختصار فإن الرابح من اللقاء هي روسيا. وستقوم واشنطن بدورها باحتواء موسكو هذه المرة وليس العكس كما كان قبيل العام 2000. بوتين يعرف ما يريده كرجل مخابرات أما ترامب فيعرف ما يريده كرجل اعمال. وكلاهما نقيض للآخر، فهل يتمكن الطرفان من معالجة المتناقضات في شخصيتهما للاسترضاء أم يتجهان للمواجهة؟ يبدو أن سيد الكرملين يريد من سيد البيت الابيض فتح قنوات الاتصال لتجنب الحرب النووية العرضية مع ضغط من موسكو على أن حدود روسيا الاتحادية ليست الحالية بل هي ما كان يصطلح على تسميته بالاتحاد السوفيتي

  ما يعني أن حلف الناتو عليه ان يزيل كافة قواعده من المناطق المحاذية لروسيا. فهل يتم لبوتين ما يسعى له؟ وهل ينجح ترامب في احتواء الدب الروسي؟

 

https://bit.ly/2KZ2yL6