فوجئت مثلما فوجئ الاردنيون، صانعو رئيس الحكومة الجديد، بعد ان حصد دعمهم وحصوله على ثقة ملكية وفرصة ذهبية من جلالته في التريث في العشر الاواخر من شهر رمضان لطبخ وصفة تليق بالمواطن الاردني بعد صيامه دهرا. لا اعتراض على ما آلت اليه الحكومة الجديدة لأن ردة فعل الشارع باردة جدا وكأن الحراك الذي كان ما كان. لقد فوض الشعب الاردني رئيس حكومته الجديد بفرز وزرائه (من مع الوطن ومن هم مع الآخر)، والجواب في صيف لاهب هذا العام وشتاء قارس كسهوب سيبيريا.
هنا اريد التذكير ببعض الامور التي قد تغيب عن اذهان الكثير منا. كيف تم تعيين 5 وزراء دفع بهم شخص واحد نافذ لأنهم أصدقاؤه لا غير منهم زملاء دراسة مقعد مدرسي، يتساءل الاردنيون؟! اليس اليوم اشبه بالامس؟
نحن في الاردن، هذا البلد الصغير، يمكن ان نكون عاصمة الشرق الاوسط مثلما صارت سنغافوة وماليزيا جوهرتي شرق آسيا بل نمري آسيا. فالمساحة وفقر الموارد ليسا عائقين امام التنمية والتطور اذا ما كان هناك رجالات على قدر من الثقة. فسنغافورة لم تكن شيئا قبل 40 عاما، لكنها نحجت في تحقيق قفزة تنموية شاملة. فمساحتها لا تتعدى ٧٠٠ كم مربع، أي اقل من مساحة الاردن بعشرات المرات.
المهم في الامر أن عدد سكانها اليوم بلغ 6 مليون، وفي العام 2016 احتفلت الدولة بعيد تأسيسها الخمسين. أي أن عمرها اليوم 52 عاما. قبل أعوام عديدة كان متوسط دخل الفرد في سنغافورة 500 دولار اميركي. وبحرص حكومته التي تمثل أبناء جلدته تقدمت الدولة وارتفع التحصيل العلمي فيها وتضاعف متوسط الدخل الى 70 الف دولار، اي اكثر من 140 ضعفا في خمسة عقود. وهذا هو المستحيل بعينه: بلد مستنقع من البعوض الى ناطحات سحاب وواحة للأمن والامان والاقتصاد والتعليم. بها 21 وزيرا من بينهم رئيس الوزراء.
إنها دولة لا موارد طبيعية فيها: فلا بها بترول ولا معادن، ولكن بحرص حكومتها تحولت الى مركز مالي عالمي ولوجيستي منافس للكثير من الدول المحيطة مع التركيز على التنمية والتكنولوجيا. وباتت تنافس كوريا الجنوبية والصين وتايوان وغيرها.
أما ماليزيا، فلنا فيها تجربة أكبر. فقد خرجت من طوق التبعية والتخلف الى الاعتماد على الذات؛ فتحولت من مُصدر للمواد الاولية الى مُصدر للسلع والتكنولوجيا والصناعات الدقيقة. وخرجت من الازمة الاقتصادية التي اجتاحت شرق اسيا في 1997 ورفضت الخضوع لاملاءات البنك الدولي ولصندوق النقد الدولي لمعالجة ازمتها الاقتصادية من خلال برامج تصحيح اقتصادي لأن مسوؤليها يعرفون تماما نهاية مسلسل الاعتماد على المساعدات الخارجية المسيسة واستعانت بعقول ابنائها في الخارج. فلم ترضخ لشروط تلك الصناديق واملاءات مموليها بل سارعت الى فرض قيود مشددة على تنفيذ برنامج التصحيح الاقتصادي وليس بالاعتماد على الاخرين. ارتفع متوسط دخل الفرد من 235 دولار اميركيا في الستينيات من القرن الماضي الى 12 الف دولار في العام 2017 ، اي ما يقارب 51 ضعفا. وليس هذا هو المهم لأن الأهم هو أن في ماليزيا التي يقطنها 32 مليونا، يخدمها 14 وزيرا من بينهم رئيس الوزراء!
وفي الولايات المتحدة التي نعتبرها في العالم العربي ايقونة التقدم والازدهار هناك 14 حقيبة وزارية لا غير كما أن في بريطانيا 23 وفي روسيا 23 أما في الاردن 29 وزارة. في الاردن وحتى التغيير الحكومي الاخير هناك ما يقارب من 450 وزيرا، ومثلهم مستشارين ونقول إن الاردن يواجه مشكلات صعبة تزيدها الأيام تعقيدا وصعوبة لا ينفع معها مساعدات خارجية أو غيرها. فالوجوه نفس الوجوه، تختلف بالاسم الاول فقط. في العام 2017، كانت الايرادات الضريبية قرابة 2.5 مليار دينار وايرادات الجمارك تقريبا فاقت المليار دينار ناهيك بفروقات اسعار النفط والمحروقات. أين كان مجلس النواب من تلك الحكومة. وأين سيكون من الحكومة الجديدة؟
أن يكرر 15 وزيرا من الحكومة السابقة وأن يعين آخرون منهم انسباء وأقارب وحشم للمسوؤلين السابقين، فإن في ذلك تأويل ما بعده تأويل. ابتدأ شهر رمضان وانتهى بعيد وما بعد العيد تنجلي الامور أكثر ولسان حال الاردنيين يقول:
عيد بأية حال عدت يا عيد
بما مضى أم لأمر فيك تجديد
نعم إنه عيد بطعم جديد على الشعب وعلى الحكومة، يحتفل فيه الوزراء ومن احتفظ منهم بمنصبه بتهاني العيد والحسرة على من خرج منها. والتساؤلات في القادم من الايام كثيرة من الشعب الاردني عن هذه التشكيلة الوزارية وكيف تم طبخها!.