د. شهاب المكاحله
قبل 4 سنوات على استعادة روسيا لشبه جزيرة القرم، بات سكان شبه الجزيرة يشعرون بالفرحة من استعادة الوحدة مع الوطن الأم. ففي مارس 2014، صوتت نسبة 96.77% من الناخبين في جمهورية القرم ونسبة 95.6 من سكان مدينة “سيفاستوبول” لصالح الانضمام إلى روسيا.
وكان هذا بحق قرارا تاريخيا لسكان القرم باستفتاء ديمقراطي حقيقي أعادوا من خلاله هويتهم وأنفسهم وأرضهم، سيفاستوبول وشبه جزيرة القرم، كجزء من روسيا، وقاموا بتصحيح العدالة التاريخية بعد أن وقعوا تحت حكم اوكرانيا في العام 1954 في عهد الاتحاد السوفيتي.
ومن خلال زيارة للاقليم ولمنطقة يالطا يرى الزائر طيبة الشعب وأن ما ينشر في الاعلام الغربي ليس له اسس من الصحة. فقد توقعنا أن نرى دبابات وجنودا وعساكر مرابضين في كل مكان في القرم، ولكن الحقيقة هي غير ذلك. فيمكنك التجول دونما وجل أو خوف وتتمتع بحسن الضيافة فسكان الاقليم شرقيون بطابعهم كريمون في استضافتهم للزوار.
ففي العام 2014، وعقب الاستفتاء، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: “في قلوب وعقول الناس، القرم كانت وتبقى جزءا لا يتجزأ من روسيا”، مؤكدا ان روسيا “تخون” سكان شبه الجزيرة لو لم تستجب نداءاتهم لحمايتهم من الاحتجاجات في كييف التي ادت الى اقالة الرئيس فيكتور يانوكوفيتش.
وكان الزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشيف وهب أوكرانيا في 1954 القرم التي كانت تنتمي الى روسيا في اطار الاتحاد السوفياتي، ووصف بوتين ذاك القرار بأنه كان “انتهاكا للمعايير الدستورية” في تلك الفترة.
وأكد بوتين أيضا أن “الغرب تجاوزوا الخط الأحمر وتصرفوا بشكل غير مسؤول” منددا بشدة بالغرب الذين اتهمهم باعتماد “شريعة الاقوى وتجاهل القانون الدولي”. وأضاف ان القرم كانت وستبقى جزءا لا يتجزأ من روسيا”.
وفي سؤالي لسيرغي أكسيونوف رئيس جمهورية القرم عن رؤيته للشراكة بين القرم والعالم العربي والاسلامي، توجه برسالة لكل العالم لأن لا يصغوا الى ما تنشره وسائل الاعلام الغربية المسيسة والموجهة ضد روسيا ومصالحها. وقال: “نحن نسعى دوما الى نشر السلام والتسامح بيننا وبين كافة شعوب العالم. ونسعى الى أن يأتي الزوار من كافة بقاع الكون للتمتع بالطبيعة الخلابة وبكرم الشعب الروسي من محتلف المنابت والاصول.”
وفي حديث خاص للنائب رسلان بالبيك، النائب الحالي في مجلس الدوما، قال: ”إن السلام والهدوء هو الشئ الرئيس ليس بالنسبة لنا هنا في شبه جزيرة القرم. فكما شاهدتم فنحن نقوم بعملية إعادة بناء الاقليم بعد اعوام من تهميشه. لا يوجد حرب على أرضنا، نحن نعيش في وفاق، والجميع يساعدون ويحترمون بعضهم البعض ؛ فبالنسبة لنا العيش في سلام داخل وطننا”.
من جانبه قال مفتي القرمأميرال حجي أبلايوف أنه مقتنع تماما بأن مسلمي القرم على استعداد تام لجعل وطنهم من أفضل الأوطان، وأنهم على استعداد للتعايش مع جميع الأجناس والأديان المختلفة. واشار إلى أن الإدارة الروحية لمسلمي القرم ومجلس شورى المسلمين سيبذلون جهودا كبيرة من أجل مصلحة “القرم” وأنهم يتطلعون الى المزيد من التعاون مع الدول العربية والاسلامية نظرا لأن هناك عددا من الطلبة ممن يريدون اتباع التعليم الديني. كما أن المسجد الكبير الذي يجري بناؤه الآن يعد بحق من أكبر المساجد ويتسع لأكثر من 5000 مصلِ وبه عدة قبب ويشبه الى حد كبير المسجد الازرق في تركيا.
تبلغ مساحة شبه جزيرة القرم 27 الف كيلومتر مربع ويبلغ عدد سكانها حوالى مليوني نسمة منهم 58% من أصل روسي و28% أوكراني و12% مسلمون تتار، والباقون من الأقليات البولونية، والآذرية، والروس البيض، وغيرهم. إن شبه جزيرة القرم غنية بالمعادن، والنفط والغاز، والفحم الحجري والنحاس، ويقع فيها أهم مرفأ على البحر الأسود وهو مرفأ مدينة سيفاستوبول الذي يتموضع فيه الأسطول الروسي. وتقع فيها يالطا إحدى المدن التاريخية التي جرى فيها توقيع المعاهدة الشهيرة بين جوزيف ستالين وثيودور روزفلت ووينستون تشرتشل في شباط من العام 1945.
وختاما، فإن للقرم أهميتها الجيوسياسية والجيواستراتيجية بصفتها رأس الجسر المؤدي إلى آسيا والشرق الأوسط ونظرا لتعدد القوميات التي تقطنها فإنها أصبحا ايقونة وانموذجا على التعايش بين كافة القوميات في الدولة الروسية الحديثة التي تسعى الى نبذ الخلافات فيما بين ابنائها إن وجدت وتغليب لغة الحوار والتفاهم على باقي الخيارات.
إنه اقليم يحق للجميع زيارته. فهو جنة الله على الارض. وسيسمح الجسر الذي سيبلغ طوله 19 كيلومتراً، بقطع المسافة بين إقليم كراسنودار جنوب روسيا والقرم على متن سيارة خلال 15 دقيقة فقط دون استخدام العبَارة كما هو الحال الآن، ومن المقرر ان يتم الانتهاء من اعمال الجسر في نهاية 2018 ومن المتوقع أيضا أن يتم فتح الجسر أمام حركات القطارات بحلول عام 2019. كما أنه يجري حاليا بناء مطار جديد بمواصفات عالية يسمح باستقبال اعداد كبيرة من الزوار سنويا ممن يريدون قضاء أوقات جميلة على سواحل البحر الاسود والتمتع بالطبيعة الخلابة التي تتخللها منتجعات قل وجودها في دول متقدمة.