د. شهاب المكاحله
كنت قبل أكثر من عامين قد التقيت بالجنرال الأميركي ديفيد بترايوس، رئيس مجلس إدارة معهد KKR العالمي، المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية، والقائد السابق للقيادة المركزية للقوات المسلحة الأميركية، وسألته عن الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى، فأجاب: “لقد خيم الحزن والأسى على دول الشرق الاوسط عقب ذلك الاتفاق وسادت حالة من خيبة الأمل”. ولكنه أردف قائلا: “تتمتع واشنطن والدول العربية وخصوصا الخليجية منها بعلاقات استراتيجية”. واعتبر أن الاتفاق النووي مع إيران كان حلا دبلوماسيا وسياسيا للأميركيين والإيرانيين على حد سواء لتجنيب المنطقة الخيار العسكري إذ لا أحد يعرف عواقب تصاعد التهديد والوعيد وهدير المعارك وأثرها على دول قريبة من إيران جفرافيا.
وكانت الولايات المتحدة تقول حينها:“على الدول العربية عدم إساءة فهم الاتفاق أو التصريحات الأميركية تجاه الاتفاق النووي مع إيران”. واليوم وبعد مضي سنوات على الاتفاق وتهديد الرئيس الاميركي دونالد ترامب بالانسحاب منه ما لم تتخل طهران بالكامل عن برنامجها النووي وعن التكنولوجيا العسكرية الخاصة بانتاج الصواريخ الباليستية المتوسطة والبعيدة المدى (5 صمامات فأكثر) التي تؤثر على أمن واستقرار المنطقة فإن ما يحدث أو سيحدث من سيناريوهات كان معدا لها مسبقا إلا أن عامل الوقت كان هو الفيصل في تحديد خروج واشنطن من الاتفاق لإعادة منطقة الشرق الاوسط الى المربع الاول وهو السباق نحو التسلح التقليدي واللاتقليدي.
وفي نفس الفترة التي تم فيها توقيع الاتفاق مع إيران كنت قد التقيت بعدد من الخبراء الاستراتيجيين في الإدارة الاميركية وفي مركز صناعة القرار فما كان منهم إلا أن نبهوا من مغبة أن تقوم العواصم العربية بالتقارب مع طهران. فقدنصح ديفيد أجناتيوس، كاتب عمود الشؤون الدولية في صحيفة الـ”واشنطن بوست”الدول العربية بعدم التسرع في التقارب مع طهران وأن لا تعقد محادثات معها بشكل فوري لأن الملف النووي الإيراني لا يزال في يد الولايات المتحدة الأميركية. بل أنه أكد أن ردة فعل الدول العربية عامة والخليجية خاصة يجب أن تكون مبينة على تصرفات إيران من باب ردة الفعل. وأضاف: “يجب أن تضمن هذه الدول أنها لن تتعرض للخطر الإيراني من حيث التهديد كما يجب أن تضمن عدم تدخل طهران بشؤونها الداخلية”.
وعلًق أجناتيوس على الاتفاق لأنه كان مفاجئا للجميع وأنه كان ينبغي على واشنطن أن تشرك حلفائها وأصدقائها في الشرق الاوسط بما فيهم إسرائيل والدول العربية في هذا الأمر لأنه لا يمس الولايات المتحدة فقط بل يؤثر على دول المنطقةكافة.
في الواقع إن لكل دولة الحق في امتلاك برنامج نووي سلمي لغايات توليد الطاقة الكهربائية. وكان الرئيس الاميركي السابق باراك اوباما يعتبر أن صفقة إيران النووية مكسب توج سنوات من الدبلوماسية السرية التي كان يؤيدها هينري كيسنجر وزير الخارجية الأسبق. كما كانت تلك العملية التفاوضية بين واشنطن وطهران في سلطنة عُمان بمثابة خداع بصري. ففي الوقت الذي كانت فيه المفاوضات تجري بين ايران ومجموعة (5+1) إلا أن المفاوضات الأهم كانت في مسقط بعيدا عن الضوضاء الاعلامية وعدسات الكاميرا. وبعد أشهر من المفاوضات في السلطنة تم التوصل الى الاتفاق الذي قُدم على طبق من فضة لوزراء خارجية روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا قبيل الاعلان النهائي عن التوصل الى الاتفاق في جنيف.
واليوم يهدد الرئيس الأميركي دومالد ترامب بالغاء الاتفاق مع إيران والعودة الى المربع الأول. وفي هذه الحالة ستعود المنطقة الى سباق التسلح غير التقليدي بسعي كل دولة للحصول على سلاح الردع النووي الذي يحمي مكتسباتها الاقتصادية والسياسية. نحن امام تحول كبير في المنطقة بموافقة دولية على البدء بالتسلح من جديد وتكديس السلاح التقليدي وغير التقليدي تمهيدا لحرب ما إن تبدأ ستخرج المنطقة عن مسارها لأعوام قادمات تعبد المنطقة الى مرحلة الثمانينات إبان الحرب العراقية الإيرانية.