د. شهاب المكاحله
قضايا العالم العربي المصيرية كفلسطين واليمن والعراق وسوريا وليبيا ما عادت مهمة وأن الاهم هو الحديث عن لقاءات تجمع بعض المسؤولين الامنيين العرب مع نظرائهم الاسرائيليين طريقة للتخلص من آخر معاقل المقاومة بعد أن دمروا سوريا والعراق وليببا واليمن. فقبل أيام قام عدد من مدراء الاستخبارات العرب بالاتصال بجاريد كوشنر المسوؤل عن ملف “صفقة القرن” وطلبوا منه تعديل الاتفاق خاصة بعد ما حدث مؤخرا في الضفة الغربية وغزة من مظاهرات ضد اسرائيل والتي اسفرت عن استشهاد العشرات من الفلسطينيين.
ويبدو أن تلك التعديلات المقترحة تهدف الى التسهيل على عدد من قادة الدول العربية الموافقة على تلك الصفقة أمام شعوبهم من أجل إيجاد مبرر قانوني وسائغ للتوقيع عليها خصوصا وأن الصراع السوري قد أشرف على الانتهاء. ومن ضمن التعديلات هي أن قرار الاعتراف الذي صدر مؤخراً بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة واشنطن إليها لا يعني عدم اعتراف الولايات المتحدة الاميركية بحقوق الفلسطينيين والمسلمين في الأماكن المقدسة في المدينة، وكذلك حقوق الفلسطينيين في العيش بأمان داخلها. وهذا بالعرف السياسي يعني تسليم الضفة بما فيها لإسرائيل مع الطلب من تل أبيب أن ترأف بحال المسلمين والمسيحيين إن أحبوا الصلاة أو زيارة الاماكن المقدسة. بل سيصار إلى أن يتقدم أي منهم، ممن يرغب في زيارة الاماكن المقدسة، بطلب يخضع للتمحيص الأمني. كل ذلك لترضى تل أبيب عن بعض الدول العربية في محاولة لإسترضاء حكومتها تمهيدا للتطبيع او “للتقبيل”.
وشملت المقترحات كذلك تعديلات على بعض النقاط الخاصة بحقوق اللاجئين ضمن خطة التسوية وهو ما لا تريده إسرائيل حاليا لأنه يعطي الفلسطينيين تعويضات مالية كبيرة دون الحديث عن حق العودة. أي أن اللاجئين سيبقون حيث هم حاليا ولا يحق لهم المطالبة في اي حال من الأحوال بالعودة إلى مسقط رأسهم.
وتناهى الى مسامعي أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس يرفض الفكرة المقترحة أو حتى الحديث عما يسمى بصفقة القرن ويتمسك بعدم التوقيع عليها أو المشاركة فيها رغم الضغوط السياسة والاقتصادية التي تمارس عليه والشبيهة بالتي تمارس على الاردن لقبول “صفعة القرن” والتي تعني تصفية القضية الفلسطينية وتصفية التنظيمات الفلسطينية مثل “الجهاد الاسلامي” و”حماس” وغيرها وتسليم سلاحها.
يبدو أن هناك من يحاول اللعب على وتر الحاجة المالية المُلحة للفلسطينيين والتي تتضمن “إغراءات” يسيل لها اللعاب بمساعدات مالية واقتصادية كبيرة للسلطة الفلسطينية في حال وافقت على تلك الصفقة مع إعطائها السيادة على كامل قطاع غزة.
كنت أسمع بالسقوط الحر، واليوم بت أراه أمامي. لقد سقطنا اليوم بشكل واضح وجلي ونحن نعيش اليوم ذكرى سقوط العراق (ابريل 2003). ففي أقل من 15 عاما سقط العرب بفعل الجاذبية الغربية بأسرع من سرعة الصاروخ في شباك إسرائيل وما عادوا يميزون العدو من الصديق أو ما الذي يريدوه أعداؤهم من شعوبهم وأقطارهم. فسوريا تتفتت والعراق يتمزق واليمن يتهدم وليبيا تتشرذم والقادم – والله أعلم – أعظم.
أثاروا ربيعا عربيا ليغطوا على جرائهم في المنطقة وللتعمية على مخططاتهم نحو فلسطين عبر تمزيق العمق الحقيقي للقضية: سوريا والعراق. وها هم يضغطون الآن على الاردن وعلى فلسطين للقبول بسياسة الامر الواقع: إما القبول بما هو مقترح أو لا شئ.
نعم بعنا العراق وبعنا سوريا وبعنا ليبيا واليمن وغيرها واليوم نبيع فلسطين. وبعد سنوات قليلة لن نجد ما نبيعه سوى أنفسنا وسنقول: ألا إني أكلت يوم أكل الثور الأبيض.