الرئيسية / أخبار / السيناريوهات المتوقعة للشرق الأوسط ما بعد داعش

السيناريوهات المتوقعة للشرق الأوسط ما بعد داعش

د. شهاب المكاحله 

منذ عام 2011 ، دخل الشرق الأوسط حالة من عدم اليقين امتازت بكثرة المظاهرات المطالبة بتغيير الأنظمة وكثرة الصراعات في المنطقة التي طال أمدها كالصراع السوري وازدادت وتيرة التوترات العرقية والطائفية والإرهاب وانتاب الشعوب حالة من عدم الراحة مما يجري وكأن بوادر حرب عالمية تلوح في أفق الشرق الأوسط. وتؤثر التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والاستراتيجية في المنطقة على علاقتها بالجهات الفاعلة الأخرى في جميع أنحاء العالم.

ليس من الصعب فهم سياسة دول الشرق الاوسط كما يرى الكثير من الباحثين ولكن المعضلة هي إيجاد قواسم مشتركة لحل الصراعات التي تعددت وتشعبت. لقد حدثني خبير في الخارجية الأميركية عن دراسة أعدت عن الشرق الأوسط  قائلاً: لا نعرف هنا في واشنطن كيف يمكننا التعامل مع سرعة التغيرات في الشرق الأوسط. تغير معظم مستشاري الرئيس والقائمين على الأجهزة المفصلية في الإدارة الأميركية في محاولة لفهم الشرق الأوسط وقضاياه الشائكة.

نعلم أن ما يحدث في الشرق الأوسط  ومدى تأثير ذلك على الأمن العالمي والطاقة ومكافحة الإرهاب والسياسة الخارجية  والتنمية والتجارة والاستثمار في العالم لأننا نعيش في عالم مترابط حيث تؤثر سياسات منطقة مثل الشرق الأوسط على النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي الدولي بطرق لا يمكن ببساطة تجاهلها.

لقد قدًمت الدراسة الحديثة مساراً يتعلق بأن الشرق الاوسط ما بعد الإرهاب سيمر بعدة سيناريوهات:

السيناريو الأول: الدول المتشظية والممزقة

كثيرة هي الدول في العالم الثالث ومنها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ممن تعاني من ظاهرة التشظي والتمزيق. لطالما عانت دول  الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من مشاكل عدة جراء صراع القوى الكبرى والتي انتجت صعود قوى متطرفة مثل النصرة وداعش. ففي تلك الدول التي تسودها حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي والأمني والسياسي فإننا سنرى أن بقايا داعش لن تندثر بل ستزدهر ما يسمح بتدخل القوى الكبرى لاحتواء تلك المخاطر والتهديدات ما يعني صراعا فيما بينها على الغنائم.

السيناريو الثاني: تشريد الشعوب

في هذه المنطقة التي تفتقر إلى الاستقرار والاضطراب في غالب الأحيان بسبب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني والحرب على الارهاب الذي انتشر كالنار في الهشيم في عدة دول عربية بل واصبحت له حواضن في عدة  مدن وخلايا نائمة فإن ذلك أدى في عدد من الدول إلى تشريد الملايين من أبنائها في أكبر نزوح ولجوء قسري عرفته البشرية منذ الحرب العالمية الثانية. فهناك أكثر من 14 مليون مشرد في كل من سوريا والعراق وليبيا واليمن ناهيك باللاجئين. وقد يكون التشريد وإعادة توطين هؤلاء المشردين في بقاع جديدة جزءا من سيناريو إعادة توزيع ديموغرافي وفق خرائط جديدة للشرق الأوسط ليست مبينة على سايكس-بيكو بل على أساس تفريغ البلاد من سكانمها الأصليين على أساس عرقي وديني ومذهبي لخلق جيل كامل من السكان المشردين وخير مثال على ذلك هو قصة اللجوء العراقي والفلسطيني والسوري.

السيناريو الثالث: لعبة التحالفات

إن الحرب عل الإرهاب أنتجت ظاهرة تعرف بتوازن القوى عن تغيير التحالفات أو الحفاظ عليها. فبعد أن استغلت المجموعات الارهابية في العراق وسوريا واليمن وليبيا تلك المجتمعات، أجبرت بعض الدول بما فيها إيران وتركيا والسعودية وغيرها للتفكير في التحالفات. بل إن عددا من تلك الدول لعب دورا في حروب بالوكالة ضد الارهاب. وكانت النتيجة أن المنطقة بأسرها دخلت في أتون انهيار أمني فضعفت اقتصاداتها لكثرة الهدر المالي على الحرب ضد الارهاب والسباق على التسلح. فقد أظهرت دراسة نشرها معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام  تقريرا يفيد بأن الانفاق العسكري في العالم العربي للفرد الواحد سجل أعلى معدل مقارنة بالمعدل العالمي وهو 65%.

لذلك فمع كثرة الانفاق العسكري فإن المتوقع أن تشهد دول مثل العراق وسوريا ولبنان وسوريا واليمن وليبيا حروبا بالوكالة بشكل أكبر وفق تحالفات اقليمية ودولية بغض النظر من هو الفائز في تلك الجولات: ايران تركيا أم السعودية أم إسرائيل.

السيناريو الرابع: القوى العظمى والشرق الاوسط

لعبت الدول العظمى دورا مهما في بناء تحالفات ضد داعش. كما عادت روسيا بسبب الارهاب في الشرق الاوسط وخصوصا في سوريا الى المنطقة لتعلب دورا حاسما في الصراع. ولكن المسألة الملحة هي: هناك عدة مخاوف من استعداد القوى العظمى للتدخل في المنطقة بطرق أخرى. فأبسط مثال على ذلك وتاثيره على الشرق الأوسط هو اعتراف الرئيس الاميركي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل وعزمه نقل سفارة بلاده الى القدس. هذا النمط الدبلوماسي يولد حالة من عدم الاستقرار في المنطقة  بل ويضعضع الحالة الأمنية فيها ويزرع بذور التطرف.

وفي الختام علينا القول إن كل هذه السيناريوهات قد تعمل منفردة أو مجتمعة تبعا لأهواء سياسية اقليمية ودولية مع سعي الكثير من الدول لإبقاء الوضع على ما هوعليه لأنه يخدم مصالحها السياسية والأمنية والعسكرية أكثر عبر المزيد من صفقات السلاح وإبقاء المواطنين في المنطقة على حافة الهاوية

نشرت في صحيفة الرأي الأردنية

https://bit.ly/2pNBuFk