د. شهاب المكاحله — واشنطن –
يبدو أن زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي لواشنطن وترؤسه مؤتمرا سياسيا سنويا للجنة العلاقات العامة الاميركية الاسرائيلية (إيباك) أو ما يعرف في الولايات المتحدة بـ “اللوبي الداعم لإسرائيل” تحمل رسالة موجهة للأردن والسلطة الفلسطينية. وتأتي أهمية المؤتمر هذا العام لأن كبار الساسة الأميركيين تنافسوا على المشاركة فيه وسط حضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
بالتزامن مع تلك الزيارة نشرت صحيفة “هآرتس” مقالا للكاتبة تسفي برئيل عن الاوضاع الاقتصادية في الأردن. وأضافت برئيل أن “الأردن يعتبر دولة مستقرة والملك فيها محبوب، لكن يتم إسماع انتقادات شديدة على مسامع مقربيه. هذه نخبة تضم وزراء ومستشارين وأبناء عشائر وأصحاب رؤوس أموال، ممن يعتبرهم الشعب مستنقعا للفساد، ومنفصلين عن الواقع والمجتمع”. واكدت: “ولكن الاستقرار السياسي لا يعني الهدوء، والغضب العام على الغلاء والمعيشة هو عامل محرك يهدد عدة أنظمة في الشرق الأوسط. ولا توجد أي ضمانة بأنه لن ينفجر أيضا في الأردن”. لماذا هذا التوقيت للمقالة؟
لقد نُشرت هذه المقال وتحمل في طياتها أن “الدين العام للحكومة الاردنية يبلغ 40 مليار دولار، أي ما يعادل 95 %من الناتج الإجمالي المحلي مقارنة بـ 71% في العام 2011 مع عجز متوقع في الميزانية هذا العام قد يصل إلى قرابة 1.7 مليار دولار مع ارتفاع معدلات البطالة”.
وبالعودة للإيباك، فإن هذا العام كان مهما جدا للمؤتمر إذ رُسم مستقبل القدس وفلسطين والمنطقة بشكل عام. وما يهمنا هو ما وضع الاردن وفلسطين في ذلك المخطط.فقد حدًد المؤتمرون مستقبل مدينة القدس والعاصمة الاسرائيلية الجديدة التي تعني السيطرة على 60% من القدس. وبذلك تكون صفقة القرن قد تمت حتى دون الموافقة عليها من بعض الدول العربية التي لا تزال لديها توجهات عروبوية واسلامية مع تراجع هذا النهج لدى العديد من الدول في المنطقة لصالح التقارب مع إسرائيل لتوفير غطاء سياسي واعلامي وأمني واستخباراتي لها في مواجهة إيران.
باختصار تم إخراج القدس من طاولة المفاوضات على حساب الأردن والسلطة الفلسطينية. في نهاية يناير 2018، أصدر مركز الابحاث الأمن القومي الاسرئيلي ملخصا لدراسة أعدها عن صفقة القرن وخطة الرئيس الاميركي لانهاء الصراع الفلسطيني الاسرائيلي (بالطبع أصبح الصراع ما بين الفلسطينين والاسرائيليين بعد أن كان الصراع عربيا- اسرائيليا). وتنص الخطة على توفيرتوفير ظروف اقليمية تسهم في تحقيق أهداف استراتيجية الأمن القومي الاسرائيلي والأميركي في آن معا.
طبعا ما كان ذلك كله ليتم دون الاستعانة بأنظمة عربية تعمل بشكل سري وعلني أحيانا لاقناع القيادتين الفلسطينية والاردنية للقبول بصفقة القرن والحصول على المزيد من التنازلات من الطرفين عبر الضغوط المالية لإجبارهما على التنازل عن الكثير ومنها مصير القدس.
وما يدعم هذه الفرضية هو ما نشرته “نيويورك تايمز”بعزم الادارة الاميركية نقل سفارتها إلى المنطقة المتنازع عليها (والمنزوعة السلاح) بما يشمل تبادل أراض بين الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني وهو يعني أن الحسم لن يكون لصالح الاردن وفلسطين لأن اسرائيل تريد التحكم بحدودها مع الدول العربية مثل الاردن ولبنان وسوريا ومصر ولن تسمح للفلسطينيين بالتحكم بمصيرها مستقبلا.
إن اختيار واشنطن لنقل السفارة إلى المنطقة منزوعة السلاح وهي المنطقة المتنازع عليها ما بين الاردن وإسرائيل إداريا وسياسيا رغم أن تلك الأراضي تم تصنيفها كذلك بناء على قرار من الامم المتحدة يعني أحراج والسلطة الفلسطينة. ونظرا لما يعانية الاردن من ضغوط اقتصادية واجتماعية وسياسية داخلية ناهيك بالضغوط الخارجية فإن الأردن في موقف لا يحسد عليه. لذا عليه أن يختار دون أن يخسر الكثير في تلك اللعبة الأممية التي تتعدى حدودها الشرق الاوسط.
والسؤال هنا: هل تتم صفقة القرن أم ستحبطها الشعوب بربيع عربي من نوع آخر؟ المتابع للموقف الرسمي الاردني بما في ذلك تصريحات جلالة الملك عبدالله الثاني في عدة مناسبات يرى أن هناك ضغوطا كبيرة تمارس على الاردن لتغيير نهجه تجاه القضية الفلسطينية والقدس والمقدسات. فعلى الرغم من كل تلك الضغوط لم تستدر عمًان استدارت كاملة نحو صفقة القرن بل لجأت إلى التهدئة القسرية التي اجبرتها على التريث في انفعالاتها تجاه المخطط الكبيرللشرق الأوسط وخصوصا وأن هناك مخططا لبلقنة سوريا ما يتبعه بلقنة دول عربية أخرى واقامة دولة مسيحية على غرار الدولة اليهودية وبذلك يتحقق المخطط الذي رسم في القرن الماضي اليوم بعد أكثر من 100 عام: دولة مسيحية ودولة يهودية وقد يتبعها وفق البلقنة دولة درزية وأخرى علوية مع كرهي الشديد لكل تلك المسميات لأنه لكل دولة قوامها ومواطنون لهم معتقداتهم التي على الجميع احترامها.