الرئيسية / أخبار / لماذا يُسيسون ويُفبركون هيكلة الجيش الأردني؟

لماذا يُسيسون ويُفبركون هيكلة الجيش الأردني؟

د. شهاب المكاحله – واشنطن-

في الأيام الماضية وفي خضم أحداث جسام تمر بها المنطقة شاع بين الأردنيين أخبار تتعلق بأزمة سياسية أو حتى بعبارة أدق إعادة الهيكلة للجيش لدرء أية زعزعة سياسية وفي هذا الأمر مغالطات كثيرة لأسباب نعرفها جميعا كأردنيين نحب وطننا وقيادتنا وجيشنا الباسل. من كل بيت من بيوت الأردنيين هناك فرد أو أكثر ممن يخدمون في سلك القوات المسلحة والأمن العام وغيرها من الأجهزة الأمنية فهذه الأجهزة من الوطن وللوطن. وثانياً وعند حديث البعض عبر وسائل التواصل الاجتماعي من الخارج عن زعزعة سياسية في الأردن لمواقفه من قضية القدس ينبغي على الجميع الحرص على مصداقية الخبر ومآرب مسربي هكذا أخبار لأنها لا تخدم إلا أجندات أعداء الوطن والمروجين للفتنه الداخلية واللحمة الوطنية والمواقف الرجولية للقيادة الهاشمية الحكيمة.

في يومين فقط واجهت الحكومة الأردنية ميدانياً تجربة عملية على تأثير الإعلام المغرض وكيفية تعامل الشعب وتعاطيه مع هكذا أخبار لما لها من أثر سلبي نظراً لأن البعض من المتلقين بات يربط قرار إعادة الهيكلة للقوات المسلحة بأزمة سياسية في هرم السلطة علماً أن ما حدث ليس سوى إجراء إداري بحت لا بعد سياسي له.

إن مؤسسة الجيش الأردني قد مرت بعدة مراحل من إعادة الهيكلة النوعية وقد شملت في الماضي أمراء واليوم كذلك وشمولهم في الهيكلة لا يعني مثلما روجت له وسائل إعلام مغرضة تبث السم فيما تبث وتنفث رسائل يعمل عليها أعداه الأردن وقيادته وشعبه. وإذا ما عدنا إلى ملف الهيكلة لأمراء هاشميين ممن يحبهم جلالة الملك عبدالله الثاني فإن ذلك رسالة إلى كل من يهمه الأمر في الوطن أن الملك قد بدأ بعائلته التي تخدم الوطن بكل مؤسساته ومن ضمنها المؤسسة العسكرية في إشارة واضحة للجميع بأن ما يهم في المرحلة القادمة هو الإنجاز لا الانحيازوالنوع لا الكم. فالزحام يعيق الحركة.

ففكرة هيكلة الجيش تعود لسنوات ماضية تزامنت مع الهجمات الإرهابية في سوريا والعراق. فكانت رؤية القيادة الهاشمية جيش نوعي سريع الحركة لمواجهة التهديات الإرهابية حتى لو اقتضى الأمر تحركاً خارج حدوده لدرء الخطر وهو ما كان عندما أمًن الأردن الطريق الدولي بين العراق والأردن من هجمات “داعش”. لدى الأجهزة الأمنية الأردنية القدرة على قراءة ما يجهز للمنطقة من أخطار إرهابية جديدة وهذا الأمر استدعى القيام بتلك الهيكلة.

فما جرى في الأردن في الأيام الماضية كان شفافاً للغاية وعبَر بعمق عن رغبة ملكية في  إحداث تغيير كبير في سياسة الاردن وتهيئة  المناخ العام لذلك قبيل نهاية العام .إن محاولة مجموعة من المعارضين في الخارج تسييس ما جرى على أنه خلاف وشرخ ليس له أساس من الصحة وما يثبت ذلك أن الأمراء الثلاثة علي وفيصل بن الحسين وطلال بن محمد بمجرد إحالتهم إلى التقاعد بعد تفانيهم في خدمة القوات المسلحة والأردن أعربوا عن ارتياح كبير كما أنهم – أي الأمراء-  قد  حظيوا بالتكريم الملكي وخضعوا للتوجيهات الملكية والأمير علي بن الحسين تحديداً نشر رسالة عامة لتوديع رفاقه في الجيش ممن خدم معهم ونال معهم شرف العمل في الميدان العسكري ناهيك بأن الأمير علي يدير المجلس الوطني للأمن وإدارة الأزمات وهو مؤسسة سيادية مؤثرة في المملكة كما أن الأمير فيصل بن الحسين يعمل مستشاراً لجلالة الملك/ رئيس مجلس السياسات الوطني أما الأمير طلال  بن محمد فهو من اقرب المستشارين للملك عبدالله الثاني. لذلك فأي حديث عن إقصاء لا أساس له من الصحة على الإطلاق لأن الملك يريد منهم التفرغ لملفات أكثر أهمية بين أيديهم والتخفيف من زحام الرتب العليا لأنه كما ترى القيادة تريد أن يكون هناك 4 رتب لواء في الجيش.

إن هذا التوقيت للهيكلة نابع من عدة عوامل هامة:

أولاً: بعد قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وتهديده للدول التي تقف ضد هذا القرار بوقف المساعدات المالية والعسكرية عنها فإن ذلك قد ينطبق على كل الدول في العالم إلا الأردن الذي يعبتر بالنسبة للولايات المتحدة صمام أمان المنطقة ولو تعرض أمن الأردن أو وجوده للخطر فإن المصالح الأميركية وغيرها ستنهار وخصوصاً في إسرائيل لأن الأردن ومنذ نشأته صديق بل حليف أساس لواشنطن لا طمعاً بأموال يودعها في بنوك أجنبية ولا طمعاً في صناديقه السيادية بل لمواقف الثابته والصادقة والجريئة والتي كسبها على مر العقود. فبات الدولة التي لديها جيش يفتخر به كل عربي وبها قيادة حكيمة تتطلع لحماية المصالح الوطنية بلا مساومة على مبادئ الثورة العربية الكبرى.

ثانياً: عقب قرار ترامب، بدا واضحاً أن الأردن بات وحيداً يدافع عن القضية الفلسطينية لانشغال كل دولة في المنطق بمصائبها وفي مصالحها الفردية ما أدى إلى انفراط حلقة الاتصال والتعاون والتنسيق بين عدد من  الدول ممن كانت تشكل تحالفاً ولو كان اسمياً.

ثالثاً: على الرغم من أن الأردن تربطه معاهدة سلام مع إسرائيل إلا أن تل أبيب لا يؤمن لها جانب اليوم لأنها لا زالت تلعب بعامل الوقت عقب أحداث السفارة الإسرائيلية في عمان منذ يوليو الماضي ناهيك باستضافتها اجتماعاً لما سمي “المعارضة الأردنية في الخارج”. كل ذلك يعكس ما هو متوقع من حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

رابعاً: لما تناهي للأردن معلومات عن نية عدد من الدول الكبرى استئناف دعم المعارضة السورية بسلاح نوعي في العام 2018 فإن ذلك سيشكل خطراً كبيراً على أمن الأردن مع تفكك التنظيمات الإرهابية في سوريا وتشكيل أخرى.

كل تلك المعطيات والتحولات الاقليمية والدولية دفعت الملك عبدالله الثاني إلى البحث عن تموضع جديد للأردن دون التخلي عن ثوابته وحلفائه السابقين وخصوصاً الولايات المتحدة وكانت مصارحته منذ أيام للشعب بأنه لن يساوم على ثوابت وسياسات الأردن مهما كانت الدولة التي ستقدم المساعدة المالية للمملكة.

خامساً: لعلم المناورة التي شارك بها الملك بنفسه مع رجال المهام الخاصة بالذخيرة الحية تعكس أن الأردن بصدد تغييره نهجه الاحترافي ليكون بعدد قليل فاعل أكثر على الساحة الإقليمية.

والخلاصة أن الأردن عصي على كل المؤامرات بوعي أبنائه التفاهم حول القيادة الهاشمية ووقوفهم صفاً واحداً ضد كل ما يحاك لبلدهم من مؤامرات بفاعلين أقليميين ودوليين. ما جرى في الايام الماضية يزيد من رص الصف الوطني ووقوفهم في خندق واحد مع القيادة الهاشمية الحكيمة.

الأول نيوز