الرئيسية / أخبار / دوسي أخية وامتطي ظهري واصعدي

دوسي أخية وامتطي ظهري واصعدي

د. شهاب  المكاحله –

 

بالأمس القريب مررت لزيارة صديق لي في عمًان، ولم أكن أعلم أن الحال قد وصل بنا إلى هذا الحد. فاسترجعت تلك القصيدة من ذاكرة الطفلة للشاعر المجهول ليلاً لأنها أدمت القلب وأهمت وأدمت المشاعر والضمائر ولسان حالها يقول وهي تمتطي ظهر أختها لتصل إلى حاوية القمامة للبحث عن لقمة الخبز أو ما يسد رمقها ورمق أسرتها وما أكثرهم في أيامنا هذه في ربوع وطننا العربي الغني الفقير.

ما شاهدته هو مرآة لتلك الصورة ولكن في الأردن ولفتاتين وشقيقهما ينظر من بعيد. هي طفلة لا تستحق الهدايا التكريمية ولا النياشين التي نغدق بها كعرب على الوفود الأجنبية بشيكات أصفارها كثيرة عل اليمين ولكن أصفارها كثيرة عن الشمال للمستضعفين. تلك شيكات تصرف بالملايين لحساب المفسدين والفاسدين ويحرم منها الشرفاء المخلصون في كل بقاع الوطن العربي من غربه إلى شرقه.

ولسان حال تلك الفتاة الضعيفة الفقيرة بالمال الغنية بعزتها يقول لمن تولوا أمرها وحرموها حياتها:

هيا أمتطي ظهري أخية واصعدي

دوسي برجلك كي تمزق أضلعي

فالجوع دمرني وأنهك ساعدي

دوسي فلم أضجر لأني لم أجد

مورداً ليأويني فهذا موردي

لاترحمي ظهري وهاتي وجبة

لهم الشهي الغالي فهاتي لي الردي

هيا اسرعي من قبل يَسلبَ وجبتي

كلب فيغلبُنا علينا يَعتدي

هل تسمعي هراً يُخاطب مسمعي

لاتأخذوا حقي فهذا مقعدي

ماذا ترين أخيتي؟ لاتيأسي

وهاتي ولو خبزاً بروث فاسدي

صبراً أخية كي ألملم وجبةً

من بين أقذار وشعر أسودي.

ليس ذنب الحكومة الحالية ما وصلنا إليه، هذا كلام صحيح. والأصح أنه ذنب الحكومات المتعاقبة كلها التي ركنت إلى الدعة والهدوء في خضم ربيع عربي ساهم إيجاباً في توفير غطاء شرعي لديمومة تلك الحكومات أعواماً وأعواماً. فليست حكومة الأمس بأفضل من حكومة اليوم وليس هذا دفاعاً عن أي من الحكومات ولكن في كل حكومة من يرى في نفسه بل وفي قرارة نفسه أنه باق اليوم وغداً زائل لذلك يريد الحصول على ما أمكن لضمان رزقه ورزق أولاده وأحفاده وأحفاد أحفاده ولو أدى ذلك إلى كثرة الطوابير على حاويات القمامة وكثرة من يمتطون ظهور بعضهم للحصول على قوت يومهم.

باختصار فإن ما نحن فيه لا علاقة له بما تمر به المنطقة من أزمات بل له علاقة بأزمة داخلية للحكومات والضمائر، فإن لم تستح فاصنع ما شئت. تلك المناظر اليومية على الحاويات كانت يوماً في الليل واليوم باتت في وضع النهار. إنها ملحمة الخبر والدم وصراع البقاء.  إذا كنا لا نرى ما يجري لأنه في الماضي القريب كانت الأحداث كلها تدور في الظلام الحالك واليوم باتت تدور في عز الظهيرة، فلا أعتقد أن النظارة الشمسية قد تحجب الرؤيا عما يجري لأن ما قد يحدث أسوأ في العام 2018 مع توقعات ارتفاع أسعار النفط في صيف ذلك العام إلى حدود 80 دولاراً.

الأول نيوز