يبدو أن كلاً من واشنطن وموسكو قد أنهيا صياغة الأفكار حول مشروع دستور جديد لسوريا بالتنسيق مع مجلس الأمن الدولي. ووفقاً لما تم الحصول عليه من مصادر أميركية مطلعة فإن التعديلات الجديدة تشمل عدة أمور منها صلاحيات الرئيس التشريعية وديانته بحيث يكون وسيطاً نزيها بين كافة السلطات مع إعطاء صلاحيات كبيرة للمراكز الإدارية ولمجلس الوزراء وهيئة الحكم الانتقالي.
ولعل المفاوضات بين الجانب الروسي والأميركي والتي عقدت في صيغ مائدة مستديرة في لبنان وأوروبا وموسكو وواشنطن خلال العام الماضي قد أسفرت عن ولادة مشروع دستور تجري مناقشته مع الحكومة السورية الحالية وهذا ما يفسر سبب زيارة مسؤولين من الاتحاد الأوروبي وروسيا والولايات المتحدة عبر وسطائها إلى دمشق في الآونة الأخيرة.
ويبدو أن هناك ضجيجاً حول ماهية “هيئة الحكم الانتقالي” ولعل ما تحدث به وزير الخارجي الأميركي السابق جون كيري في موسكو في 25 من مارس الماضي أن الولايات المتحدة الأميركية وروسيا اتفقتا على جدول زمني لتأسيس إطار عمل للانتقال السياسي دون الحديث عن الرئيس ومستقبله يعني ضمناً بقاءه في الحكم حتى يرى الشعب السوري عبر صناديق الاقتراع غير ذلك ناهيك بمسودة الدستور الجديد الذي من المتوقع الإعلان عن الانتهاء منه في نهاية العام الحالي بعد الاتفاق على بنوده مع الحكومة السورية. وهذا ما أكد عليه بعض المسؤولين الخليجيين الذي التقوا مؤخراً في موسكو مع عدد من الصحفيين إذ قالوا بأن لا اعتراض لديهم على بقاء الرئيس بشار الأسد في سدة الحكم لكن شريطة ان تكون هناك انتخابات نزيهة. فإذا فاز بها الرئيس الأسد فإن ذاك سيكون هو خيار الشعب السوري وحده وأن الدول الخليجية ستحترم هذا الخيار.
ونظراً لأن روسيا أمام استحقاق رئاسي مهم في أبريل 2018 ولا أحد يعرف أين تسير الأمور باتت روسيا تسرع من نفوذها العسكري والسياسي في سوريا. ووفقاً لمصادر روسية، فإنه لا يحق لاي شخص الترشح لرئاسة الجمهورية في سوريا ما لم يبلغ من العمر 40 عاماً وأن يكون متمتعاً بالجنسية السورية وهذا يعني أنه تم شطب عبارة “أن يكون المرشح من أبوين سوريين بالولادة” أو “لا يكون متزوجاً من غير سورية”. وهذا يعني فتح الباب أمام السوريين للترشح. ووفقاً لمصادر أميركية فإن الرئيس ينتخب لمدة 7 سنوات ولا يمكن اعادة انتخابه إلا لولاية واحدة تالية.
وجاء في البند الأول والثاني من المادة (49): “ينتخب رئيس الجمهورية لمدة 7 أعوام ميلادية من المواطنين السوريين في انتخابات عامة ومتساوية ومباشرة وسرية، ولا يجوز إعادة انتخاب نفس الشخص إلى منصب رئيس الجمهورية إلا لولاية واحدة تالية”.
كما سيحد الدستور الجديد من سلطة الرئيس المنتخب إذ ستقتصر مهامه على الوساطة بين السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية أي أنه لا توجد صلاحيات تشريعية للرئيس. أما القوات المسلحة فتخضع للرئيس مباشرة ويكون هو القائد الأعلى لها. ويحق لرئيس الجمهورية تحديد التوجه العام لمجلس الوزراء وتكون مهمة المجلس سياسية بالإضافة إلى باقي أعماله ومنها تنفيذ القوانين. كما أن تعيين مساعدي رئيس الوزراء ونوابه يكون وفق التمثيل الطائفي لسوريا. وهذا كله مختلف عن الدستور السوري الذي عدل في عام 2012.
كما أن اللغة الرسمية في الدول ستكون هي العربية مع إعطاء الأكراد صيغة حكم ثقافي كردي بالتحدث باللغتين العربية والكردية كلغتين متساويتين في المعاملات.
وينص البند الثاني من المادة (4) على أن “تستخدم أجهزة الحكم الذاتي الثقافي الكردي ومنظماته اللغتين العربية والكردية كلغتين متساويتين”.
وجاء في البند الثالث من المادة )54( للمسودة: “يكون التعيين لمناصب نواب رئيس مجلس الوزراء والوزراء تمسكاً بالتمثيل النسبي لجميع الأطياف الطائفية والقومية لسكان سوريا، وتحجز بعض المناصب للأقليات القومية والطائفية، ويحق لرئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء التشاور في هذا الخصوص مع ممثلي جمعية الشعب والمناطق”.
ووفقاُ لمشروع الدستور السوري الجديد فإنه من الممكن تغيير حدود الدولة عبر الاستفتاء العام حسب البند الثاني من المادة (9) لمسودة الدستور: “أراضي سوريا غير قابلة للمساس، ولا يجوز تغيير حدود الدولة إلا عن طريق الاستفتاء العام الذي يتم تنظيمه بين كافة مواطني سوريا وعلى أساس إرادة الشعب السوري”.
وحسب مصادر أميركية وروسية مطلعة على المباحثات المتعلقة بصيغة الدستور الجديد، فإن القوات المسلحة السورية “سوف لا تتدخل في المجال السياسي ولا تؤدي دوراً في عملية انتقال السلطة وفي هذا تغيير للمادة (11) من الدستور.
ولعل التغيير الحقيقي في الدستور هو أن مجلس الشعب أو البرلمان يتمتع بصلاحيات كبيرة منها إعلان الحرب وتنحية الرئيس وتعيين محافظ البنك المركزي وقاضي المحكمة الدستورية العليا. وهذا ما نصت عليه المادة (44) من الدستور المقترح إذ
“يتولى مجلس الشعب الاختصاصات الآتية: إقرار مسائل الحرب والسلام، تنحية رئيس الجمهورية من المنصب، تعيين أعضاء المحكمة الدستورية العليا، تعيين رئيس البنك الوطني السوري وإقالته من المنصب”، وفي الوقت الحالي فإن مجلس الشعب لا يتمتع بهذه الصلاحية. ولكن ووفقاً لمشروع الدستور الجديد فإن لرئيس الجمهورية صلاحية إعلان الاستفتاء حول المصالح العليا للبلاد.
وجاء في المادة (59) لمشروع الدستور : “يحق لرئيس الجمهورية إعلان الاستفتاء العام حول المواضيع المهمة والتي تخص المصالح العليا للبلاد، وتعد نتائج الاستفتاء إلزامية وتدخل حيز التنفيذ اعتباراً من تاريخ إعلانها من قبل رئيس الجمهورية”.
كل ذلك يشير إلى أن الأزمة السورية باتت في خواتيمها وأن القوى الإقليمية قد أعادت التفكير في مواقفها لإعادة الأمن والاستقرار إلى ربوع سوريا ووقف حمام الدم وهدر الموارد الاقتصادية التي خلفتها 7 سنين عجاف مرت على هذا البلد.
المصدر: Alawalnews