د. شهاب المكاحله –
تأتي زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وهي الأولى له منذ توليه منصب الرئاسة، إلى الأردن وسط تكهنات تتزامن مع زيارة وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس إلى عمان للقاء جلالة الملك عبدالله الثاني وعدد من المسؤولين الأردنيين ما يعني أن ما يجمع بين تركيا والأردن والولايات المتحدة هو هم مشترك يتمحور حول الجارة سوريا وأبعاد المسألة الأمنية والعسكرية في هذا البلد الذي انهكته الحرب بعد سبع سنوات عجاف أكلت الأخضر واليابس ولم تبق ولم تذر.
تبدو الزيارة الرئاسية للوهلة الأولى أنها ذات طابع روتيني من طراز رفيع لرئيس تحاربه كثير من دول العالم نظراً لكون بلده مركز عبور للمهاجرين إلى أوروبا. فأهمية الزيارة تتمحور حول ثلاث نقاط رئيسة. أولاها هي مناقشة البعد الأمني والعسكري في الجنوب والشمال السوريين وخصوصاً بعد زيارة وفد ضم رئيس الأركان العامة في القوات المسلحة الإيرانية، اللواء محمد باقري، إلى أنقرة قبيل أيام وهو ما يعد هاجساً أمنياً أردنياً كبيراً. ولما كان الأردن يرفض أي وجود لقوات حزبية أو ميليشيوية على حدوده، تأتي تلك الزيارة للرئيس التركي عقب لقاء مسوؤولي الدفاع بين تركيا وإيران حيث يناقش الجانب التركي هماً مشتركاً تشكله الجماعات المسلحة على الحدود الأردنية وهو ذات الهم الذي تشكله الجماعات المسلحة على الحدود التركية في شمال سوريا في منطقة إدلب التي يتجمع فيها معظم المسلحين الذي نقلوا إليها من مناطق أخرى في سوريا.
أما المحور الثاني لأهمية الزيارة فينبع من أن تركيا والأردن مهتمان جدا بمستقبل سوريا عقب انتهاء العمليات المسلحة خشية خلق تنظيم إرهابي آخر شبيه بـ”داعش”. أما المحور الثالث، فعقب زيارة الوفد العسكري الإيراني لأنقرة وتعقيب رئيس الأركان العامة في القوات المسلحة الإيرانية على لقائه الرئيس التركي بأن لإيران وتركيا موقفاً مشتركاً معارضاً للاستفتاء على استقلال إقليم كردستان العراق المزمع اجراؤه في سبتمبر المقبل تنبع أهمية زيارة أردوغان إلى عمان من أن هناك علاقة قوية بين الأردن وحكومة الإقليم ما يعني أن هناك طلباً تركيا بهذا الخصوص بحضور أميركي خصوصاً بعد أن صرحت تركيا وطهران أكثر من مرة بأن مثل هذا الاستفتاء لو جرى فإنه سيشكل أساساً لبدء سلسلة من التوترات والمواجهات داخل العراق وستطال تداعياتها دول الجوار ومنها سوريا.
وبتزامن زيارة الرئيس التركي إلى الأردن مع زيارة ماتيس الذي سيقوم كذلك بزيارة أنقرة بعد ذلك فإن هناك تأكيداً مزدوجاً لدعم الأردن كحليف للولايات المتحدة ضد أي تهديد لأمنه واستقراره كما أنه تأكيد من واشنطن لأنقره بأن تركيا شريكة لبلاده في حلف شمال الأطلسي وأن الولايات المتحدة تلتزم بتقديم الدعم الثابت للأردن وتركيا كشركاء وحلفاء استراتيجيين نظراً لدورهما الفاعل في تعزيز الاستقرار الإقليمي والتصدي لمخاوفهما الأمنية المشروعة.
وتأتي زيارة أردوغان إلى الأردن بعد أيام من عقد القمة الثلاثية لوزراء خارجية مصر والأردن وفلسطين لمناقشة القضية الفلسطينية وبحث سبل أحياء المفاوضات على أساس حل الدولتين. ونظرأ لأن القضية الفلسطينية هي جوهر الصراع في المنطقة فلا بد من نزع فتيل الأزمة التي قد تستغلها بعض الجماعات المسلحة. فالزيارة الرئاسية التركية تأتي بعد رسالة تأكيد تركية للأردن بالوصاية الهاشمية على المقدسات المسيحية والإسلامية في القدس.أما البعد الآخر من الزيارة فإنه يحمل طابعاً اقتصادياً لزيادة النشاط الاقتصادي بين البلدين سعياً لمزيد من الانفتاح وخصوصاً أن الأردن بات مركزاً نشطاً لمساع دبلوماسية وسلسلة تسويات نظراً لعلاقته المتوازنة مع اللاعبين الاقليميين والدوليين على كافة الأصعدة وخصوصاُ في ملف اللأجئين السوريين.
ولا يخفى على أحد أن أنقرة تتمتع بعلاقات جيوستراتيجية مع طهران وموسكو اللتان لهما وجود كبير على الساحة السورية وخصوصاً الساحة الجنوبية. وهذا يعني أن هناك بعداً عسكرياً أمنياً بمساندة تركية لا سيما وأن تركيا من الضامنين لاتفاق الأستانة المتعلق بإنشاء أربع مناطق آمنة إحداها في الجنوب الغربي لسوريا وهو ما يشكل أهمية بالنسبة للاردن في التحدث مباشرة مع تركيا حول مستقبل تلك المنطقة وأهميتها.
كما أن تحول تركيا من الداعم لـ”داعش” في بدايات الأزمة السورية إلى عدو، قربها من الجهد الأردن في محاربة الإرهاب بعد سنوات عجاف شابها من الشك والريبة ما شابها في بدايات ما سمي ب”الربيع العربي” التي عكرت صفو العلاقات بين أنقرة وعمان. قد تكون هذه الزيارة هي بداية التحول التركي تجاه قضايا عربية واقليمية الحساسة بعيداً عن مصالح سلطانية وأخوانية خصوصاً بعد أن بات الاتحاد الأوروبي يكيل الاتهامات لأردوغان بالتدخل في شؤون الاتحاد وهذا سر التوتر في علاقة تركيا بألمانيا مؤخراً. فهل تنجح أنقرة في العودة إلى الحضن الاقليمي عبر الأردن من جديد؟
فى:
المصدر: Alawalnews