• شهاب المكاحلة – نيويورك
عقب انتهاء قمة عمان واستعادة القضية الفلسطينية أهميتها على الساحة السياسية العربية بعد أن همشت لسنوات إثر ما سمي بـ”الربيع العربي”، يبدو أن ما يحمله القادة العرب إلى واشنطن هو رسالة من ثلاثة محاور. فالمحور الأول هو المحور السياسي، والذي سيتحدث به جلالة الملك عبدالله الثاني مع الإدارة الأميركية، فيما يتعلق بحل القضايا العالقة في منطقة الشرق الأوسط. تلك القضايا غدت أساساً لحالة عدم الاستقرار وبؤرة للتطرف، بما فيها القضية الفلسطينية التي كلما طال عليها الزمن ولم يتم حلها وفق خطة السلام العربية التي اقترحت في مؤتمر بيروت 2002 وفق مبدأ الأرض مقابل السلام العادل والشامل مع إسرائيل، فإنها ستبقى ذريعة لكل من يريد التطرف ما يهدد السلم والتعايش بين الشعوب.
الأردن اليوم يقود الجامعة العربية لمدة عام وسيقوم بكل ما يستطيع من أجل وضع القضية الفلسطينية على الساحة الدولية من جديد مع التأكيد على المواقف العربية الثابتة تجاه الحل العادل والدائم والشامل للصراع العربي الإسرائيلي وفق قرارات مجلس الأمن الدولي 242 و 338.
أما المحور الثاني، فهو الإرهاب كتهديد عالمي حيث يحمل القادة العرب وخصوصاً الملك عبدالله والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في جعبتهم الكثير نظراً لما تعانيه المنطقة من عمليات إرهابية باتت اليوم تطال الجميع.
أما المحور الثالث فهو المتعلق بقضايا مصيرية منها الأزمة السورية والعراقية والليبية واليمنية التي أثرت على المنطقة بشكل سلبي. فزيارة ثلاثة قادة عرب مباشرة عقب انتهاء أعمال القمة العربية التي عقدت في البحر الميت في 29 من آذار (مارس) تعني أنهم قد حصلوا على الضوء الأخضر من الرؤساء والملوك والزعماء العرب في مهمة اقناع الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإدارته بوجهة النظر العربية فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي ومسألة حل الدولتين وقضية القدس حسبما يرجحه مركز الدراسات الجيوستراتيجية.
إذ إنه من المعروف أن الملك عبدالله هو من أكثر القادة العرب دعماً للقضية الفلسطينية وأنه أول من تحرك حين همّت إدارة ترامب بنقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس حيث تمكن من إقناع تلك الإدارة بأن هذا الأمر له عواقب وخيمة على المنطقة وعلى المصالح الأميركية.
ونظراً لأن الملك عبدالله الثاني سيرأس القمة العربية لسنة قبل أن تعقد القمة القادمة في الرياض بعد اعتذار دولة الإمارات العربية المتحدة عن استضافتها، فإننا نرى من خطاب جلالته في افتتاح القمة أو في جلستها الختامية أنه يحاول التوصل إلى حلول تاريخية لتحديات جسام تواجه الأمة العربية ما يجنبها أي تدخلات خارجية.
الأولوية الأولى للملك عبدالله هي الإرهاب الذي يهدد الدول العربية مثلما يهدد غيرها من الدول بل إن الدول العربية والاسلامية هي المهددة بهذا الداء أكثر من غيرها. وسيحاول جلالته أن يدفع من خلال نهج شمولي لمواجهة هذا الخطر الداهم الذي لا يهدد بلداً واحداً بعينه بل إنه يتربض بكل الدول.
ويرى “مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية” أن من ضمن أولويات الملك عبدالله كقائد لمسيرة القمة أن يتوصل والإدارة الأميركية إلى اتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين للتوصل إلى حل عادل وشامل. وهناك قضايا مثل الوضع السوري والعراقي والليبي واليمني والتي باتت تشكل كابوساً لكل عربي مع التأكيد على وحدة الدول العربية. ويعد ملف اللاجئين من أكثر الملفات المعقدة التي تشكل ضغطاً كبيراً على دول الجوار السوري ومنها الأردن ولبنان. كل هذه الملفات ستكون في حقيبة جلالة الملك في زيارته لواشنطن. ولعل أولويات السيسي في واشنطن ستؤكد ما يسعى الملك عبدالله والرئيس عباس للتوصل اليه مع الإدارة الأميركية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. فزيارة الرئيسين المصري عبدالفتاح السيسي والفلسطيني محمود عباس رسالة موحدة عربياً للإدارة الأميركية بأن القضية المركزية هي قضية فلسطين رغم انشغال الدول العربية بقضايا أخرى منها الإرهاب والمشاكل الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها دول المنطقة جراء الصراع في كل من سورية والعراق واليمن وليبيا. فقد أشارت صحيفة الـ”واشنطن بوست” إلى أن الاتفاق بين القادة العرب وتلك الزيارة في الأسبوع الأول من شهر نيسان (أبريل) للبيت الابيض تأتي بعد أسابيع من تراجع إدارة ترامب عن التزام أميركي منذ عقود بإقامة دولة فلسطينية في نهاية المطاف حين قال إنه مع أي حل مناسب للفلسطينيين والإسرائيليين. وأكدت صحيفة “نيويورك تايمز” أن زيارة القادة العرب إلى واشنطن تشكل مسعى لتجديد الانتباه بشأن الصراع الذي طغت عليه ما تعرف بثورات “الربيع العربي” في 2011، والحروب التي تبعتها في عدد من الدول.
كلنا نعلم اليوم أن للأردن الفضل في عودة القضية الفلسطينية إلى طاولة البحث بين العرب وواشنطن مع تزايد آمال الشعوب العربية في أن تغير الولايات المتحدة سياستها التي انتهجتها في الماضي في ظل انسحاب واشنطن غير المبرر من المنطقة أو تقليل نفوذها وتركها فراغاً كبيراً لم يستطع أن يملأه أحد.
فقمة عمان التي سميت قمة “الوفاق والاتفاق” احتوت الخلافات العربية البينية بلقاء خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ولقاء الملك سلمان مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي. كل ذلك عكس تحسناً في العلاقات بين دول لها أهمية محورية في قضايا المنطقة: السعودية والعراق ومصر. كما أنها قمة توجت بالوساطة لإنهاء الخلافات وتقريب وجهات النظر بين الدول العربية المحورية لأنها ستفتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية بين تلك الدول ما يسهل على القادة العرب في زيارتهم إلى واشنطن طرح قضاياهم بقوة.
الغد*