منذ توليه منصبه، بدأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب مهامه باستدارة كبيرة نحو الشرق الأوسط، مرسلاً إشارات بتغير في نهج الولايات المتحدة تجاه المنطقة، عبر تصعيد لهجة واشنطن بشأن طهران والاتفاق النووي المبرم معها، بالتزامن مع تصريحات قوية من المسؤولين في إدارة ترامب عن مواجهة مع إيران، حسبما يرى محللون سياسيون في الولايات المتحدة وبريطانيا.
فوفقاً لما يراه أنتوني كوردزمان من “مركز الدراسات الدولية الاستراتيجية” في واشنطن، فإن الإدارة الأميركية بدأت انقلاباً على سياسات الرئيس السابق باراك أوباما التي كانت تخدم الطموحات الإيرانية كافة؛ أكانت نووية أم إقليمية أم اقتصادية. ويرى كوردزمان أن إيران تشكل تهديداً حقيقياً لمصالح الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، ما يفسر استدارة واشنطن وتحولها في نقلة نوعية نحو حلفائها التقليديين في المنطقة.
ويرى كوردزمان أن ابتعاد واشنطن عن الشرق الأوسط في السنوات الثماني الماضية ألحق ضرراً بمصالح الولايات المتحدة، وأنها اليوم تعمل على استعادة وصياغة عهد جديد مبني على تقوية دول الاعتدال العربي ضد أي تهديدات إقليمية أو إرهابية، معبراً عن عدم تأييد الإدارة الجديدة لأي إملاءات إيرانية في مستقبل الشرق الأوسط. وليس أدل على التوتر الحاصل بين واشنطن وطهران سوى عدد المواجهات البحرية بين القوات الإيرانية والأميركية في مياه الخليج العربي، والتي بلغت في العام 2016 أكثر من 35 صداماً، مقابل 23 في العام 2015.
وقبيل أيام فقط، اشتدت وتيرة التهديدات المتبادلة بين طهران وواشنطن، فهدد المسؤولون الإيرانيون بضرب تل أبيب والأسطول الأميركي الخامس في البحرين، في الوقت الذي حذر نائب الرئيس الأميركي مايك بنس، إيران من اختبار حزم الرئيس الأميركي.
لكن المعضلة هنا تكمن في التحالف الناشئ بين إيران وروسيا التي زودت الجيش الإيراني، منذ مدة، بمنظومة “أس- 300” المضادة للطائرات، والتي تشكل خطورة كبيرة على الطائرات الأميركية في حال نفذت أي عمليات حربية ضد القوات الإيرانية في مياه الخليج.
وقد أشارت مجلة “فورين بوليسي” في تقرير أن التوتر بين طهران وواشنطن في ازدياد، وأن الحرب بينهما بدأت في اليمن منذ أيام. وقالت صحف أميركية، منها “نيويورك تايمز”، إن إطلاق ايران صاروخاً قبل أيام ما هو إلا اختبار لتعهدات ترامب.
وسط كل هذه التغيرات، وحسب ما يرى عدد من الخبراء السياسيين، لم يتضح بعد كيف ترى إدارة ترامب دورها في الشرق الأوسط، وكيف ستتعامل مع إيران وباقي دول المنطقة.
فوفقا للكاتب والمحلل السياسي ديفيد أغناتيوس، هناك أربعة سيناريوهات أمام الإدارة الأميركية للتعامل مع إيران، هي: التراجع عن الاتفاق النووي؛ أو السعي إلى إيجاد اتفاق جديد يناسب المصالح الأميركية؛ أو تطبيق الاتفاق الحالي بشكل لا هوادة فيه؛ أو القبول بالاتفاق مع طهران إذا ما تم منح الشركات الأميركية حصة الأسد في السوق الإيرانية. ويرى أغناتيوس أن ايران حليف فعلي للولايات المتحدة في الحرب ضد تنظيم “داعش”، لأن الجنود الأميركيين في العراق تحت نيران الاستهداف من “داعش” ومن المليشيات الموالية لإيران في حال غيرت واشنطن موقفها من طهران، ما يعني تعقيد العملية العسكرية ضد التنظيم وإطالة عمره في العراق وسورية. وبالتالي ستجد واشنطن نفسها مضطرة للتعامل مباشرة مع إيران وروسيا وتركيا كمحور جديد تشكل بعد تراجع دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
كما يرى الكاتب البريطاني باتريك كوكبيرن أنه في حال انجر ترامب إلى حرب شاملة مع إيران، فسيشكل ذلك فشلاً ذريعاً لإدارته. بينما يرى المحلل السياسي البريطاني سايمون تيسدال أن المواجهة بين ترامب وإيران ستكون بفرض المزيد من العقوبات المصرفية والمالية الشاملة، وزيادة مبيعات السلاح والدعم العسكري لحلفاء واشنطن في منطقة الشرق الأوسط، مع زيادة الوجود العسكري البحري الأميركي في الخليج العربي.
فيما يرى الكاتب روبرت فيسك أن أوروبا لديها عدد من الأدوات للحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران، منها العمل مع الصين وروسيا في هذا المجال. ولكنه يردف أن سياسة واشنطن الجديدة تجاه الشرق الأوسط ستصيب بعض الدول الإقليمية بالقلق الشديد.
شهاب المكاحلة
مصدر: الغد