الرئيسية / أخبار / تطور العلاقات التركية – الروسية.. هل يكون على حساب عضوية أنقرة  في الناتو؟

تطور العلاقات التركية – الروسية.. هل يكون على حساب عضوية أنقرة  في الناتو؟

المتابع للعلاقات “التركية – الروسية”، بعد تجاوز حادثة إسقاط الطائرة الحربية الروسية عند الحدود مع سوريا العام الماضي، التي تسببت في تدهور العلاقات بين البلدين، يلحظ حرص كل من أنقرة وموسكو على تطوير العلاقات بينهما، على مستوى القمة بلقاءات واتصالات متتالية ومتعددة بين الرئيسين التركي رجب طيب إردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، حتى بعد تصريحات “إردوغان” الأخيرة بشأن مصير رئيس النظام السوري بشار الأسد، والاحتجاج الروسي عليها، وتخفيف أنقرة من لهجة كلام إردوغان، وتأكيد على أن دورها في سوريا يتركز على محاربة التنظيمات الإرهابية.

تصدع العلاقات التركية – الأوربية

الزيارة التي يجريها رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، إلى موسكو على مدار يومين، تؤكد على التحولات في الموقف التركي نحو روسيا، على حساب موقفها من الدول الأوربية والولايات المتحدة، خصوصا بعد فشل المحاولة الانقلابية التي شنها عدد من الجنرالات في الجيش التركي، كذلك الانتقادات التي توجه من الدول الأوربية لتركيا، بخصوص سوء معاملة المسجونين على ذمة تلك المحاولة، وقرار البرلمان الأوروبي إغلاق ملف مناقشة عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي.

التطورات الإقليمية والدولية

المكتب الإعلامي لرئاسة الوزراء التركية، أعلن تفاصيل الزيارة الرسمية التي يجريها رئيس الوزراء بن علي يلدريم إلى روسيا لمدة يومين، لافتا إلى أنها تبحث الوضع العام للعلاقات الثنائية، إضافة إلى التطورات الإقليمية والدولية.

وقال البيان الصادر عن المكتب، إن يلدريم يجري خلال الزيارة مباحثات ثنائية مع نظيره الروسي ديميتري ميدفيدف، ومباحثات أخرى بين الوفود من البلدين، فضلًا عن لقاء سيجمعه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما يلتقي يلدريم رئيسة المجلس الاتحادي الروسي، فالنتينا ماتفيينكو، ويلقي محاضرة في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية.

 تقييم المبادرات

البيان، أشار إلى أنه “سيتم خلال الزيارة تقييم المبادرات، التي من شأنها تعميق التعاون الاقتصادي بين البلدين، وبحث الوضع العام للعلاقات الثنائية، على رأسها المشاريع المشتركة في مجالات الطاقة والزراعة والسياحة والصناعة والمواصلات، إضافة إلى التطورات الإقليمية والدولية”.

الخطوة الملموسة الأولى

ونوه البيان إلى أن يلدريم يخطط لزيارة مدينة قازان، عاصمة جمهورية تتارستان (التابعة لروسيا الاتحادية)؛ حيث يلتقي رئيس تتارستان، رستم مينيخانوف، فضلًا عن إلقاء كلمة في منتدى العمل التركي – التتاري، وأضاف أن  رئيس الوزراء سيتخذ خلال زيارته إلى روسيا الخطوة الملموسة الأولى، عقب تصريحات الرئيس رجب طيب إردوغان بخصوص إجراء التعاملات التجارية بين البلدين بالليرة التركية والروبل الروسي؛ حيث ستسدد كافة تكاليف السكن والنفقات الأخرى للوفد التركي بأسره، طوال مدة الزيارة بالروبل الروسي، بناءً على تعليمات رئيس الوزراء.

زيارة يلدريم لموسكو

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أكد أن زيارة يلدريم إلى روسيا، “سنتخذ خطوات من أجل إجراء تجارتنا مع روسيا بالعملة المحلية؛ أي أننا في حال اشترينا شيئا من هناك سنتعامل بعملتهم، وإن اشتروا منا شيئا سيدفعون بعملتنا”، وقال “إردوغان”: “ستفشل المكائد (ضد الاقتصاد التركي)، وسنواجهها بخطوات مماثلة (التعامل بالعملات المحلية) مع إيران والصين”، ودعا المواطنين الأتراك إلى إدّخار أموالهم بالعملة المحلية والذهب؛ للمساهمة في رفع قيمة الليرة التركية أمام الدولار، وإفشال مؤامرات بعض الأطراف ضد بلاده، لكن لم يشر بيان مكتب رئيس الوزراء التركي إلى الوضع في سوريا، والمحرقة التي تتعرض لها حلب الشرقية، والمأساة الإنسانية في شطر المدينة المنكوبة.

لغة المصالح المشتركة

العلاقات التركية الروسية، شهدت خلال الـ16 عاماً الماضية تطورات لافتة، وشابها الكثير من التوترات من حين لآخر، لكن سرعان ما تخبو لتعلو لغة المصالح المشتركة، فقد اكتسبت العلاقات بين الجانبين زخمًا كبيرًا خلال الفترة الأخيرة، عبر الزيارات الرسمية المتبادلة بين مسؤولي البلدين، لتذيب “جبل الجليد”، الذي شهدته العلاقة بين الجانبين.

الأزمة السورية المستمرة

بخصوص الأزمة السورية المستمرة منذ العام 2011، فقد شكّلت أيضًا ساحة توتر سياسي بين أنقرة وموسكو، خصوصًا عقب إسقاط المقاتلة الحربية الروسية، في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2015، والتي تم تجاوزها بعد تغليب المصالح بين البلدين، والتي بدأت في العام (2000) بعد انتهاء الحرب الشيشانية الثانية، وانتخاب فلاديمير بوتين رئيسًا لروسيا، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين تركيا وروسيا 4.5 مليار دولار.

وفي العام (2002) فاز حزب “العدالة والتنمية” بالسلطة في تركيا، وأكد على تطور العلاقات بين البلدين، وفي العام (2003) تم البدء بشحن الغاز الطبيعي من روسيا إلى تركيا، في إطار مشروع السيل الأزرق (أنبوب كبير لنقل الغاز الروسي إلى تركيا عبر البحر الأسود).

 الحرب الباردة

وفي العام 2004، أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زيارة رسمية إلى تركيا، هي الأولى على المستوى الرئاسي الروسي منذ الحرب الباردة، وفي العام 2005،  أجرى رئيس الوزراء التركي آنذاك، رجب طيب إردوغان، في ديسمبر/كانون الأول 2005، زيارة إلى روسيا، والتقى بوتين بعد شهر واحد من زيارة الأخير لتركيا.

العزلة الاقتصادية

وأسفر اللقاء عن وضع أول خطة لرفع حكم التبادل التجاري بين البلدين، وتغيير بوتين موقفه من خطة الأمين العام السابق للأمم المتحدة، كوفي عنان، وأعلن دعمه لها، وقال إن العزلة الاقتصادية المفروضة على جمهورية شمال قبرص التركية “غير عادلة”، أجرى إردوغان زيارتين إلى روسيا خلال العام 2006، وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 15 مليار دولار.

وفي العام (2007) أجرى بوتين زيارة إلى مدينة إسطنبول للمشاركة في اجتماع منظمة التعاون الاقتصادي للبحر الأسود، التي كانت تركيا وقتها رئيستها الدورية، والتقى على هامشها كلا من إردوغان، والرئيس التركي آنذاك، أحمد نجدت سيزار، وبلغ حجم التبادل التجاري بين تركيا وروسيا 28 مليار دولار، وفي العام التالي قفز حجم التبادل التجاري بين البلدين ليصل إلى 37 مليار دولار.

التدخل في أوسيتيا الجنوبية

وتدخلت روسيا عسكريا في أوسيتيا الجنوبية التابعة لجورجيا، الأمر الذي أدى إلى توتر في العلاقات السياسية التركية الروسية، دون أن تؤثر على الاقتصاد، وأجرى إردوغان زيارة إلى العاصمة الروسية في أغسطس/آب، والتقى على هامشها الرئيس الروسي آنذاك، دميتري ميدفيديف، وبحث معه أزمة أوسيتيا الجنوبية، إلى جانب العلاقات الثنائية.

 محطة “أق قويو” النووية

في (2009)، إردوغان يجري زيارتين إلى روسيا، الأولى في مايو/ أيار إلى سوتشي، والثانية في ديسمبر/ كانون أول إلى موسكو، وفي 2010 زار إردوغان روسيا في يناير/ كانون الثاني، والتقى رئيس الوزراء آنذاك، فلاديمير بوتين، ونظيره فلاديمير ميدفيديف.

وقام الرئيس الروسي بزيارة الى  تركيا في مايو/ أيار، وشارك في الاجتماع الأول لمجلس التعاون رفيع المستوى، الذي تمخض عن توقيع اتفاقية إنشاء محطة أق قويو النووية في ولاية مرسين جنوبي تركيا، واستمرت  الاجتماعات سنوياً بشكل منتظم، بمشاركة زعيمي البلدين حتى أزمة إسقاط المقاتلة عام 2015.

رفع التأشيرة بشكل متبادل

في (2011) تم رفع التأشيرة بشكل متبادل عن مواطني البلدين، وفي (2012)، مع تطور الأزمة السورية، أجبرت السلطات التركية طائرة ركاب روسية متجهة إلى دمشق على الهبوط، في العاصمة أنقرة، وصادرت أجهزة اتصال عسكرية للاشتباه، بأنها كانت ستُسلم للنظام السوري، ثم سمحت للطائرة بمواصلة رحلتها.

ولم يؤثر هذا التطور على العلاقات الثنائية، وانعقد الاجتماع الثالث لمجلس التعاون رفيع المستوى في ديسمبر/ كانون الأول، وفي (2013) التقى إردوغان بوتين في روسيا سبتمبر/ أيلول، على هامش قمة مجموعة العشرين، ومرة ثانية في نوفمبر/ تشرين الثاني، خلال اجتماع مجلس التعاون رفيع المستوى.

المشكلة الأوكرانية

وفي العام (2014) نشبت الأزمة الأوكرانية، وأدانت تركيا ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، واضطهادها تتار القرم، غير أنها لم تشارك مع حلف شمال الأطلسي في العقوبات التي فرضها على روسيا، وزار بوتين أنقرة للمشاركة في الاجتماع الخامس لمجلس التعاون رفيع المستوى، رغم الخلاف في وجهات نظر البلدين بشأن الأزمتين السورية والأوكرانية، وأعلن بوتين إلغاء مشروع السيل الجنوبي لنقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا، ردًّا على العقوبات الأوروبية، واستبداله بمشروع السيل التركي، الذي يهدف إلى نقل الغاز الروسي، عبر البحر إلى تركيا ومنها إلى أوروبا.

تراجع حجم التجارة البينية

في العام 2015، تراجع حجم التجارة البينية إلى 23.3 مليار دولار، بتأثير انخفاض أسعار النفط وركود الاقتصاد الروسي، وزار إردوغان موسكو في سبتمبر/ أيلول، واجتمع بنظيره بوتين، حيث تناولا قضايا الطاقة والأزمة السوري.

، وبدأ التدخل العسكري الروسي في الأزمة السورية عقب فترة قصيرة من اللقاء، واستمرت العلاقات الوثيقة بين البلدين، على الرغم من أن التوتر كان يشوبها من حين لآخر، وعقب التدخل العسكري الروسي في سوريا، اتخذت العلاقات منحى جديدًا، مع انتهاك المقاتلات الروسية، خلال قصفها سوريا، الأجواء التركية.

أزمة وتوتر في العلاقات

وفي (2016)، فرضت روسيا على الأتراك تأشيرة دخول لأراضيها اعتبارًا من يناير/ كانون الثاني، فيما تراجع حجم التجارة البينية، وتقلصت الصادرات التركية إلى روسيا بنسبة 60.5%، لتقف عند 737 مليون دولار، وبلغ حجم التجارة في الفترة بين يناير/كانون الثاني وسبتمبر/أيلول 12 مليار دولار.

وانتهت الأزمة بين البلدين، مع رسالة بعثها أردوغان إلى بوتين، أعرب فيها عن أسفه لحادثة المقاتلة الروسية، وقدم تعازيه لمصرع الطيار، وعقب الرسالة اتصل بوتين بإردوغان، واتفق الزعيمان على تطبيع العلاقات، وأعلن بوتين أنه كلف الحكومة الروسية بتطبيع العلاقت مع تركيا، وتم رفع الحظر على سفر المواطنين الروس إليها، واكتسبت العلاقات زخمًا بين البلدين في الأشهر الأربعة الأخيرة.

لا يتعارض مع الالتزامات

لكن هذا التسارع في العلاقات التركية – الروسية، هل يكون على حساب عضوية تركيا في حلف الناتو؟  ينس ستولتنبرغ، الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، نفى ذلك، وأكد أن تركيا حليفٌ مهم، مشيرًا إلى أن التقارب بين موسكو وأنقرة، لا يتعارض مع التزامات الأخيرة تجاه الـ”ناتو”.

الانقلاب الفاشل

أضاف أمين عام الـ”ناتو”، أن “تركيا، حليفٌ مهم لحلف شمال الأطلسي، ليس فقط نظرًا لموقعها الاستراتيجي والجغرافي، بل لأسباب عديدة أخرى”، وشدد على أن لتركيا الحق في البحث والتقصي، ومحاكمة من هم وراء محاولة الانقلاب الفاشلة، “إلا أننا نرى أنه ينبغي القيام بذلك في إطار مبدأ سيادة القانون”.

حليف رئيسي للناتو

وحول العلاقات التركية الروسية، تابع ستولتنبرغ: “من الواضح أن المحادثات الجارية بين تركيا وروسيا، لا تتعارض في الواقع مع كون أنقرة حليفًا رئيسيًا للناتو ومع التزاماتها تجاه الحلف، كما أن إجراء محادثات وحوار مع روسيا هو في الحقيقة جزءٌ من نهجنا”.

عبداللطيف التركي