تبدو النبرة الروسية هذه الفترة غير مثيلاتها سابقاً فيما يتعلق بالشأن السوري،وهذا ما أكدته الناطقةباسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا من أن “تغيير النظام في سورية سيؤدي إلى عواقب أسوأ بكثير مقارنة بما حصل في العراق وليبيا”؛ في إشارة إلى أن التهديدات التي توعّدت بها الإدارة الأميركية ليست محل نقاش في روسيا فحسب، بل إنه قد تم بالفعل اتخاذ قرار بهذا الخصوص فحواه ما يلي:
أولاً: الرد على أي مصادر للنيران تستهدف الجيش السوري والجيش الروسي في الأراضي التي تقع تحت سيطرة القوات السورية والروسية وحلفائهما (إيران وحزب الله)، وهذا الرد جاء باستدعاء قوات النخبة الروسية إلى قاعدة حميميم، وإرسال القاذافات التي تمّ سحبها في الأشهر الماضية، ونشْر منظومات (إس-300) ومنظومة “جالاكسي”المتطورة ضد الطائرات والصواريخ.
ثانياً: وقف التعاون الاستخباراتي مع دول التحالف،بما في ذلك الولايات المتحدة.
ثالثاً: العمل وفق مبدأ “مارشال” روسي هذه المرة؛بالإيعاز للقوات الموجودة هناك بضرورة سرعة الإنجاز، مع عدم إعطاء الأميركيين وحلفائهم أية فرصة للقيام بعمل عسكري في الأيام الأخيرة من شهر أكتوبر على وقع معركة الموصل التي تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيق إنجاز فيها بطرد “داعش” من العراق إلى سورية مع قرب انتخابات الرئاسة الأميركية، لتحميل الرئيس الأميركي الجديد تبعات ذلك بضغط من اللوبيات الأمنية والعسكرية التي تسعى إلى نشوب الحروب من أجل إنعاش تجارة السلاح الغربي، خصوصاً “لوكهيد مارتن” وشركات بريطانية منها “بي إيه إي سيستمز”.
رابعاً: قيام الولايات المتحدة وحلفها بهجوم على العراق بحجة طرد “داعش” من الموصل، بمساعدة الأكراد، يعني حشد “داعش” في المنطقة الشرقية من سورية باتجاه حلب، ما يشكّل ضغطاً وخطراً على القوات السورية والروسية والحليفة لها، والتي تقاتل هناك، إذ تشير الملعومات إلى أن حلب ستسقط قريباً، وستعود إلى حضن الوطن، ما يعني أن واشطن فقدت ثقلها في سورية.
بالعودة إلى قول زاخاروفاإنه “إذ سارت سورية في السيناريو الليبي، وفق ما تصرّ عليه قوى كثيرة، فسيكون انفجارها أقوى مما كان في ليبيا، وستبدو كافة العمليات التي بدأت في المنطقة وخرجت عن حدودها (الإرهاب وتدفقات الهجرة) مقارنة مع ما سيحصل في حال سمحنا بتنفيذ السيناريو الليبي أو العراقي في سورية”، وتساؤلها”حول الدوافع وراء المساعي لتغيير النظام في سورياً، علماًأن السيناريوهات المماثلة في المنطقة خلال العقدين الماضيين لم تؤدِّ إلى أي نهايات سعيدة وأي نتائج إيجابية للدول التي وقعت فيها الأحداث ولواضعي السيناريوهات ومنفذيها”.. هنا لا بد من تأكيد أن تعليق الولايات المتحدة الأميركية قنوات الاتصال مع روسيا حول الملف السوري،بات طلاقاً نهائياً بين القوتين العظميين،لأن سورية ليست كأي دولةبالنسبة إلى روسيا، فهي بوّابتها إلى البحر المتوسط وأفريقيا والعالم، كما أن دمشق بالنسبة إلى موسكو شريك استراتيجي هام،وبعد تلميح وزارة الخارجية الروسية في بيان رسمي بتحوُّل واشنطن عن النهج الدبلوماسي إلى العسكري في سورية في الأيام الأخيرة،خصوصاً بعد أن قالت الإدارة الأميركية إنها “مستعدة لعقد صفقة مع الشيطان من أجل إسقاط حكم الرئيس السوري بشار الأسد”، يعني أنها قد تبدّلت في أولوياتها، أو أن هناك مجموعة من الدول التي ترعى حرباً إقليمية في المشرق العربي تندلع في سورية تمتد شرارتها إلى جنوب لبنان، يشارك فيها العدو “الإسرائيلي”.
نعلم أن ما قامت به “إسرائيل” من ضربات في الأيام الماضية لغزة وسقوط طائرة مقاتلة من نوع “إف-16” يعني أنها تُعدّ الخطة مع مجموعة من الدول للمشاركة في تلك العملية العسكرية الواسعة من سوريةإلى غزة عبر جنوب لبنان، بمساعدة دول إقليمية ودولية.
واشنطن – شهاب المكاحله
مصدر: Athabat.net