الرئيسية / أخبار / استثمار الولايات المتحدة الضخم في القبة الذهبية شر لا بد منه

استثمار الولايات المتحدة الضخم في القبة الذهبية شر لا بد منه

أمام تصاعد تهديدات الصواريخ الفرط صوتية التي تطورها الصين وروسيا ودول أخرى، باتت الدفاعات الجوية الأميركية بحاجة ماسة إلى تحديث جذري. وفي هذا السياق طرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب مشروع “القبة الذهبية” كمنظومة دفاعية شاملة، تجمع بين التكنولوجيا الفضائية والصواريخ الاعتراضية، في محاولة لمجاراة التحديات الجديدة وحماية الأراضي الأميركية من تهديدات باتت أكثر تعقيدًا وتطورًا.

واشنطن – مع نجاح الصين وروسيا وربما كوريا الشمالية في تطوير صواريخ فرط صوتية بعيدة المدى تستطيع الوصول إلى الأراضي الأميركية، بات واضحا أن منظومة الدفاع الجوي الأميركية المضادة للصواريخ متخلفة بشكل متزايد عن التهديدات.

وأظهرت الحرب الروسية ضد أوكرانيا والقصف الصاروخي الإيراني لإسرائيل رداً على هجومها الجوي على الأراضي الإيرانية، ونجاح الصواريخ الفرط صوتية الإيرانية في تجاوز منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية، الحاجة الملحة إلى تطوير منظومة أميركية أحدث للدفاع الجوي.

وبعد عودته إلى البيت الأبيض في يناير الماضي كشف الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن خطة لإقامة منظومة جديدة للدفاع الجوي في الولايات المتحدة، وأطلق عليها اسم “القبة الذهبية”.

ويقول ويليام لوسون المؤرخ العسكري الأميركي في تحليل نشرته مجلة “ناشونال إنتريست” الأميركية، إن ترامب قدم مبرره لإقامة القبة الذهبية لأول مرة في خطاب ألقاه في المكتب البيضاوي في 20 مايو، والذي حدد فيه بخطوط عريضة ما ستتضمنه المنظومة الدفاعية.

ووفقا لما كشفه ترامب، ستتضمن القبة هيكلاً متعدد الطبقات يشمل صواريخ اعتراضية أرضية وفضائية، مصممة لاعتراض أو تدمير الصواريخ المعادية في أي مرحلة من مسار رحلتها.

ويمكن أن تمتد هذه القدرة حتى إلى مرحلة ما قبل إطلاق الصواريخ المعادية. وسيتم توجيه الصواريخ الاعتراضية بواسطة أجهزة استشعار منتشرة على الأرض وفي البحر والجو والفضاء.

وقال ترامب إنه يتوقع نشر القبة الذهبية ودخولها الخدمة مع انتهاء فترته الرئاسية في يناير 2029.

ويقول المحللون إن هذا الإطار الزمني غير واقعي. ويعتمد البرنامج على الاستفادة من نظام الدفاع الصاروخي القائم، لذلك هو يتمتع بأفضلية، ولكن من الممكن تنفيذ نسخة محدودة منه فقط بحلول الموعد المستهدف الذي حدده ترامب.

ويطلب ترامب مبلغاً أولياً قدره 25 مليار دولار لبدء المشروع، في حين تتفاوت تقديرات الكلفة الفعلية له؛ إذ تشير التقديرات المتفائلة إلى أنها ستكون 175 مليار دولار، بينما يحذر مكتب الميزانية التابع للكونغرس من أن كلفة الأجزاء الفضائية وحدها ستبلغ 542 مليار دولار على مدى 20 عاماً.

وقد وجه ترامب مخططي وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إلى تطوير خيارات “متوسطة وعالية وفائقة الارتفاع” وفق الكلفة.

وستتحدد الكلفة النهائية للقبة الذهبية وفقاً لعدد الأقمار الاصطناعية وأجهزة الاستشعار والصواريخ الاعتراضية الجديدة التي سيتم شراؤها لها.

وأعلن رئيس الوزراء الكندي مارك كارني انخراط بلاده في محادثات للانضمام إلى القبة الذهبية. ويقول ترامب إن كندا تستطيع الانضمام إليها إذا ساهمت بمبلغ 61 مليار دولار لدعم المشروع. ولم يتضح ما إذا كان هذا المبلغ سيكون حصة كندا بالكامل في المشروع، أم مجرد دفعة أولية.

وفي المقابل، فإن انضمام كندا إلى مشروع القبة الذهبية لا يحظى بتأييد جميع الكنديين، حيث وصف بوب راي، مندوب كندا الدائم لدى الأمم المتحدة، الاقتراح بأنه “عملية ابتزاز مقابل الحماية.”

وتصف شركة صناعة الأسلحة الأميركية لوكهيد مارتن، التي ستشارك بالتأكيد في برنامج القبة الذهبية، البرنامج بأنه “مهمة بحجم مشروع مانهاتن” -في إشارة إلى البرنامج العملاق لبناء القنبلة الذرية الأميركية خلال الحرب العالمية الثانية.

وكان مشروع مانهاتن إنفاقاً هائلاً مقارنة بعمره، ومقارنة لوكهيد لا تؤكد فقط أهمية القبة الذهبية، بل تلمّح أيضاً إلى كلفتها الباهظة.

وتتكون القبة الذهبية بشكل أساسي من أجهزة استشعار وصواريخ اعتراضية، وستحتاج إلى تحديث كبير لشبكة أجهزة الاستشعار والصواريخ الاعتراضية الموجودة حالياً، إلى جانب نشر صواريخ اعتراضية جديدة في مواقع إستراتيجية للدفاع عن الولايات المتحدة وأميركا الشمالية.

ووفقاً لخطط ترامب، ستنضم الصواريخ الاعتراضية المدارية إلى النظام الدفاعي المنتظر لأول مرة.

وتُعد هذه القدرة الأخيرة أساسية لكشف ومواجهة الصواريخ والرؤوس الحربية الفرط صوتية القادرة على المناورة. كما سيشمل النظام الجديد الدفاع ضد الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز.

ويقول لوسون، عضو المجلس الاستشاري التحريري لمجلة “سابر أند سكرول جورنال” ومجلة “ميلاتري هيستوري كرونيكلز”، وعضو جمعية التاريخ العسكري ورابطة التاريخ الأميركي، إن التهديد الذي تشكله الصين وروسيا وغيرهما حقيقي للغاية، فأحدث صواريخ هذين الخصمين الفرط صوتية مصممة خصيصاً للتغلب على الأنظمة الدفاعية الأميركية الحالية.

وتفتقر الولايات المتحدة حالياً إلى أسلحة تفوق سرعتها سرعة الصوت، والتي ستكون ضرورية لمواجهة أي هجوم من هذا القبيل من الدول التي تمتلكها. وتقول لوكهيد مارتن إن القبة الذهبية هي برنامج “عاجل وأساسي لأمن أميركا.”

وفي المقابل تعتبر الصين وروسيا القبة الذهبية “تصعيداً خطيرا” من شأنه تسليح الفضاء. ومع ذلك يُعتقد أن كلا البلدين يمتلكان بالفعل أنظمة أسلحة مضادة للأقمار الاصطناعية في المدار، كما أن توسيع القدرات وتعظيمها في هذا المجال مسألة وقت فحسب، بغض النظر عمن يبادر بذلك.

وقد تبدو كلفة القبة الذهبية باهظة للوهلة الأولى، لكن التهديدات المتغيرة التي تواجه الولايات المتحدة تتطلب أنظمة دفاعية استشرافية. كما أن العملية برمتها تحتاج تحليلاً دقيقاً، لكن كلفة التقاعس عن العمل ستكون ترك المدن وشبكات البنية التحتية الحيوية في الولايات المتحدة عرضة للتدمير، وهو ما يعني أن الاستثمار الضخم في منظومة القبة الذهبية هو في أفضل الأحوال شر لا بد منه للولايات المتحدة.