د. شهاب المكاحله
بينما يقف الشرق الأوسط على حافة ما قد يكون إعادة تشكيل كبرى للمنطقة، تتسارع الحسابات المعقدة بين إيران، وإسرائيل، والولايات المتحدة، وبعض القوى الأوروبية. ويبدو أن المنطقة تقترب من لحظة قد تعيد رسم خريطة التحالفات، وربما تفتح الباب أمام مواجهة واسعة النطاق.
إيران تراهن على استدراج إسرائيل إلى حرب استنزاف
تبدو إيران واثقة من قدرتها على جر إسرائيل إلى حرب استنزاف طويلة الأمد، تقوم على إنهاك خصمها اقتصادياً وعسكرياً ونفسياً. غير أن طهران لا تتحرك في فراغ، فالدوائر الأمنية والعسكرية في إسرائيل والولايات المتحدة وحتى أوروبا، تتابع هذه الحسابات عن كثب.
في هذا المشهد المعقد، تبدو نظرية الردع المتبادل هي الإطار الناظم، غير أن كل طرف يفسرها وفقاً لفلسفته وأهدافه الاستراتيجية. وفي قلب هذه اللعبة، تقف الولايات المتحدة، التي لا تزال تمسك بخيوط اللعبة في المنطقة، وتحرّك بيادق الشطرنج بطريقة تضمن لها الهيمنة، سواء بالتدخل المباشر أو عبر إدارة الصراع عن بعد.
مهلة ترامب: توقف تكتيكي أم إعداد لضربة استراتيجية؟
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وفي مبادرته الأخيرة لوقف إطلاق النار في غزة، قدّم مهلة زمنية محددة بثلاثة إلى أربعة أيام. لم تكن تلك المهلة عشوائية أو دبلوماسية، بل جاءت وفق حسابات عسكرية دقيقة.
فمنذ لحظة الإعلان عن المبادرة، لوحظ نشاط غير مسبوق في التحركات العسكرية واللوجستية الأمريكية، لا سيما حول إسرائيل. وبدأ تدفق منظومات تسليحية وموارد قتالية باتجاه الشرق الأوسط، مع تعزيزات في القواعد الأمريكية داخل الأراضي الإسرائيلية، إضافة إلى إنشاء قواعد جديدة متقدمة تشكّل ما يعرف بـ”أحزمة النار”، لحماية الجبهة الداخلية الإسرائيلية.
دروس الحرب الأخيرة: 12 يوماً وكلفة 800 مليون دولار
تُدرك إيران أن أي حرب استنزاف مكلفة للجانب الآخر، وقد قرأت جيداً الحرب السابقة التي استمرت 12 يوماً، والتي أنفقت فيها الولايات المتحدة وحدها أكثر من 800 مليون دولار دعماً لإسرائيل، معظمها على أنظمة الدفاع الصاروخي.
وبناءً على هذه المعادلة، باتت الولايات المتحدة تميل إلى خيار الضربة الاستباقية والإجهاضية، التي تهدف إلى تدمير القدرات الإيرانية أو شلها مبكراً، ومنع طهران من استخدام الميدان كورقة استنزاف طويلة المدى.
الجبهة الداخلية في إيران: السلاح الجديد في حرب الجيل الخامس
في حين أن العقوبات السابقة استهدفت أفراداً ومؤسسات ومنظومات نووية وعسكرية، فإن ما بات يُعرف بـ “عقوبات السناب باك“ يتجه هذه المرة إلى ضرب الجبهة الداخلية الإيرانية. التوجه الجديد يركز على الاقتصاد، والبازارات، والضغط الشعبي من الداخل.
هذه الاستراتيجية تستند إلى مفهوم حروب الجيل الخامس، حيث يُستخدم الغضب الشعبي والنقمة الداخلية كأداة مساعدة للضربات الخارجية. فبعد أربعة عقود من الأزمات والعقوبات، يبدو أن الولايات المتحدة وإسرائيل تراهنان على إشعال فتيل الغضب الداخلي، ليتزامن مع عمليات عسكرية جوية من الخارج تؤدي إلى إنهاك النظام.
نحو حرب متعددة الجبهات؟
في حال اندلاع مواجهة عسكرية، من غير المرجح أن تقتصر على إيران وحدها. فطهران تمتلك شبكة حلفاء إقليميين في اليمن، ولبنان، والعراق، وسوريا، وجميعهم قد يُستدرجون إلى المعركة.
وهنا تدخل الترويكا الأوروبية على الخط (فرنسا، ألمانيا، بريطانيا). قد لا تكون مشاركة أوروبا مباشرة، لكن من المرجح أن تقدم دعماً استخباراتياً أو سياسياً، وربما تكون ألمانيا حاضرة بشكل غير مباشر، رغم موقفها التقليدي الحذر.
السيناريو الأكثر ترجيحاً، في حال قررت الولايات المتحدة وإسرائيل توجيه الضربة، هو ضربة استباقية تستهدف منظومة القيادة والسيطرةداخل إيران، بهدف إرباك صناعة القرار السياسي والعسكري قبل أن تبدأ طهران بالرد.
هل اقتربت لحظة الصفر؟
كل المؤشرات العسكرية والسياسية المتسارعة توحي بأن المنطقة تقف على أعتاب لحظة فارقة. هل ستكون تسوية؟ أم حرب شاملة؟ لا أحد يمكنه الجزم.
لكن المؤكد هو أن إيران تدرك أن المواجهة القادمة – إن وقعت – لن تكون كسابقاتها. فهي ستكون أوسع، وأقسى، وأعلى كلفة.
وفيما تتحرك إسرائيل وحلفاؤها لتثبيت قواعد الاشتباك، وتوازنات الردع، تبقى المنطقة بأسرها بين حدّين: السلام المؤجل أو الانفجار الكبير.