بعيداً عن التحالفات التقليدية والعلاقات التجارية والاقتصادية، يبدو أن الإدارة الأميركية اليوم باتت أمام اختبارات تشكل تحديات كبيرة لها ولسياستها كقوة عالمية: قضية حل الدولتين، التعامل مع روسيا، وكوريا الشمالية والسلاح الباليستي، النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط والاتفاق النووي، والقضاء على الإرهاب وهو ما أثار ردود افعال عدد من المفكرين والمحللين هنا في واشنطن خصوصاً بعد زيارة جلالة الملك عبدالله الثاني لموسكو وواشنطن في يناير 2017 ولقاءاته مع مسؤولين في كلا الدولتين قبيل انطلاق القمة العربية في 23-27 مارس 2017 في عمان.
حل الدولتين
يرى المحلل السياسي روجر كوهين أن ما قاله الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل ايام حول حل الدولتين يعتبر ضرباً من الإبهام والغموض حول طبيعة مستقبل الدولة الفلسطينية والعلاقة المشروطة التي تريدها إسرائيل رغم طلب الحكومة الأميركية تجميد الاستيطان عقب زيارة الملك عبدالله الثاني لواشنطن وتمكنه من اقناع الإدارة الأميركية كذلك بوقف نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس لما في ذلك من تداعيات على مستقبل المنطقة. وهنا يأتي دور واشنطن في تشجيع الدول العربية السنية “مصر والأردن والسعودية والإمارات” أو ما يسمى “اللجنة الرباعية العربية” للعب دور أكبر في تقريب وجهات نظر كل من الفلسطينيين والإسرائيليين.
وأوضح كوهين أنه لا يمكن تحقيق تقدم ما لم يتم تقديم تنازلات من الجانبين ومنها الاعتراف بدولة إسرائيل. وانتقد كوهين حديث نتنياهو عن بحث تل أبيب عن طريق جديد لتحقيق السلام ما يعني المزيد من الضغط على واشنطن وهذا ما قد يؤثر على طبيعة علاقة واشنطن وحلفائها في العالم العربي لأن اقتراح دولة واحدة يعني الذهاب إلى مستقبل مظلم للمنطقة وللصراع العربي الإسرائيلي. وأشار إلى أن أي تسويف في المفاوضات المباشرة يعني عدة سنوات من المفاوضات تضاف إلى السنوات التي مضت على توقيع اتفاق أوسلو في عام 1993 ما يضاعف التحديات الأمنية خصوصاً مع مطالبة إسرائيلية بجعل مناطق النفوذ الفلسطينية الحالية منزوعة السلاح وترك صلاحية مراقبة الحدود الشرقية مع الأردن للجيش الإسرائيلي بالكامل.
من جانب آخر، يرى مارتن إنديك، السفير الاسرائيلي السابق لدى تل أبيب، أن الصفقة النهائية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني أصبحت في يد جاريد كوشنر، صهر الرئيس ترامب، المقرب منه والذي يشكل مصدر ثقة كبير بالنسبة للرئيس كونه يتحدث بالنيابة عن ترامب وذلك للاستفادة من قدرات الدول الأربع في مواجهة النفوذ الإيراني المتنامي في الشرق الأوسط وهو من صالح الدول العربية وإسرائيل على حد سواء.
العلاقات الروسية الأميركية
هناك معضلة رئيسة تواجه الإدارة الأميركية وهي كيفية التعامل مع الحكومة الروسية. وهنا يشير المحلل والكاتب السياسي ديفيد ماكوفسكي إلى أن واشنطن قد تسعى الى التوصل الى تفاهم مع موسكو حول إيران رغبة من الإدارة الأميركية في إضعاف النفوذ الإيراني في سوريا والعراق والتشديد على بنود الاتفاق النووي والتزام طهران به. وقال إن ذلك من شأنه كذلك أن يوحد جهود موسكو وواشنطن لمحاربة الإرهاب. وهنا تعارض ما بين ما يسعى ترامب لتحقيقه وبين ما يريده الكونجرس الأميركي. فيرى الكاتبان والمحللان السياسيان روزاليند هيلدرمان وتوم هامبرجر أن هناك رغبة في إيقاف ما أصطلح على تسميته “الربيع الروسي لترامب” بعدما وصف السيناتور جون ماكين، رئيس اللجنة العسكرية في الكونجرس خطة ترامب للتعاون مع موسكو في سوريا بـ”اللامقبوله”.
ولعل ما قالته كريس لابتينا، مؤسس “مجموعة فوكس الأميركية للاستشارات السياسية” عن استقالة مستشار الأمن القومي مايكل فلين بأنها شكلت ضربة قوية للرئيس ترامب، يعني أن “مسألة اختراق روسيا لحسابات الحزب الديمقراطي لصالح ترامب قد عادت للواجهة وستخلق مشكلة كبيرة وتحديات جسيمة أمامه. بعبارة أخرى، يكن القول إن ربيع ترامب مع روسيا قد تأجل حتى إشعار آخر.
كوريا الشمالية والصواريخ البالستية
أشار الخبيران الاسترتيجيان بيتر براي وبيتر هويسي من “معهد جيستون” إلى أن صحيفة نيويورك تايمز إطلاق كوريا الشمالية صاروخاً باليستياً جديداً باتجاه البحر المطل على سواحلها الشرقية قبيل أيام، كان بمثابة بالون اختبار لترامب وسياساته بل جس نبض للقوات الأميركية ومعرفة مدى جهوزيتها. وأضاف الخبيران أن كوريا الشمالية تظهر بتجاربها أنها قادرة الآن على ضرب الأراضي الأميركية وأنه آن الأوان للتعامل مع الملف الكوري الشمالي بجدية أكبر والابتعاد عن الصيغ الدبلوماسية. وأشارا إلى ما نشرته صحيفة “نيويورك تايمز في 17 فبراير 2017 من أن الاختبار الكوري الشمالي للقوة الصاروخي يشكل تهديداً حقيقياً للولايات المتحدة وأنه لا بد من وضع آلية للتصدي لهذه التهديدات.
إيران والسلاح النووي
ظهرت إيران إلى الساحة قبل عقد من الزمان بعد أن كانت تعيش عزلة اقليمية عقب تراجع أدوار عدد من اللاعبين الرئيسيين في منطقة الشرق الأوسط والعالم. واليوم بات هناك تعاون كبير بين طهران وعدة عواصم منها بكين وموسكو ضمن تحالف أوصل كلاً من الصين وروسيا إلى مياه الخليج العربي والمحيط الهندي الدافئة وكسر احتكار واشنطن لسيطرتها على تلك المنطقة. ووفقاً لتقرير مجلة “فورين أفيرز” فإن التحالف الروسي الإيراني قوي ومرن وهو ما لا تريده الإدارة الأميركية، وخصوصاً عقب الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى. وهنا لا يجد ترامب أمامه سوى استنساخ محاولات الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون في التسعينات من القرن الماضي حين عمل على استرضاء سوريا وإبعادها عن إيران وضمها إلى الحلف الغربي لواشنطن وبالتالي إضعاف النفوذ الإيراني وهو ما لم يتحقق. واليوم يعيد السيناريو نفسه مع إيران وروسيا في محاولة أميركية لسحب روسيا بعيداً عن إيران وهذا الأمر لن يتحقق لأن السياسة الروسية تجاه إيران استراتيجية وقد تمثًل ذلك في الجهود التي بذلتها روسيا في التوصل للاتفاق النووي مع إيران تمهيداً لرفع كامل العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.
محاربة الإرهاب الداعشي
يبدو أن ملف الإرهاب في كل من سوريا والعراق قد بات مهماً لدة القيادتين الروسية والأميركية ولكن قد لا يشهد تعاوناً كبيراً في القريب العاجل حسب التوقعات والتحليلات الكثيرة وخصوصاً عقب تصريحات وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس الأخيرة من أن التعاون العسكري مع موسكو في سوريا مشروط ما يعني أن العلاقات بينهما لا تسير بالاتجاه الذي كان متوقعاً أو بنفس الوتيرة التي توقعها المحللون السياسيون.
فتدمير “داعش” في العراق وسوريا مع زيادة الدور الروسي في الشرق الأوسط في ظل خلاف وجهات نظر القيادات السياسية والعسكرية ستجعل عام 2017 صعباً بالنسبة للشرق الأوسط وكثير من دوله وستجعل المصالح الحيوية للولايات المتحدة في المنطقة على المحك في سيناريوهات ما بعد تنظيم “داعش” وفق ما يراه الخبير الاستراتيجي جيمس جيفري.