حالة من الترقب لبدء ولاية الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، في 20 يناير 2017، بعد 17 يوما من بدء ولاية الكونغرس الجديد، المقررة في 3 يناير، وتساؤلات عما سيفعله “ترامب” في مواجهة الدب الروسي، وجنوح الرئيس فلاديمير بوتين، ونشوة الانتصار التي يعيشها وحلفاؤه الايرانيون، والدعم اللامحدود الذي قدموه لتثبيت حكم بشار الأسد، وإعادة سيطرته على أكبر مساحة من الأراضي السورية، بعد أن فقد نصف الأراضي منذ اندلاع الحرب الأهلية.
الصحة والهجرة والتوظيف
“ترامب”، مستمر في خطاباته وتصريحاته، التي يدغدغ بها مشاعر من انتخبوه، وهو -مثل أي رئيس أمريكي يولي القضايا الداخلية جل الاهتمام، وآخر ما يشغله قضايا الشرق الأوسط، أعلن خلال لقائه زعيمي مجلسي النواب والشيوخ في مبنى الكونغرس (الكابيتول) بواشنطن، أن أولويات العهد الجديد هي إصلاح القوانين المتعلقة بالصحة والهجرة والتوظيف، وقال “لدينا الكثير من العمل للقيام به. علينا أن نعمل بكدّ على ملفات الهجرة والصحة، ونحن نفكر بالتوظيف، خصوصا التوظيف”، وأضاف “سنقوم بأشياء مذهلة بالنسبة للأمريكيين، أنا أتطلع للعمل بسرعة. وبصراحة في أقرب وقت ممكن”، مضيفا “سواء تعلق الأمر بالصحة أو الهجرة أو أمور عديدة أخرى. سنخفض الضرائب وسنجعل الرعاية الصحية أقل كلفة. سنقوم بعمل ممتاز فعلا فيما يخص الصحة”.
نسخة مكررة
أما عن موقفه من سوريا وبشار الأسد وروسيا وإيران والحرس الثوري، وحزب الله اللبناني، والميليشيات الشيعية، التي صار لها الآن اليد الطولى في سوريا، فما يزال موقفه غامضًا، وهناك من يرون أنه لن يكون إلا نسخة مكررة من موقف الرئيس المنتهي ولايته، باراك أوباما، الذي أطلق مرارا وتكرارا تصريحات بأن بشار الأسد انتهى، ليغادر البيت الابيض وبشار أكثر قوة.
أوراق “ترامب”
الإدارة الأمريكية الجديدة -بلاشك- سيكون لديها أوراق “تلعب” بها في سوريا، وستحاول أن تعيد هيبة واشنطن، لكن كيف؟ هذا هو السؤال، لكن السؤال الأهم منه كيف يواجه “ترامب” التهديد الروسي، وخطر المد الإيراني في سوريا والعراق، وتهديدات بالانتقال من حلب إلى البحرين واليمن؟
نقاط ضعف الرئيس الروسي
واشنطن تدرك تماما نقاط ضعف الرئيس الروسي، وهي الاقتصاد، وتحاول أن تلعب على وتر العقوبات المفروضة على روسيا، التي تم تمديدها، وبوتين يعرف أن التحديات الاقتصادية، التي تواجهها بلاه، ستكون حاضرة بقوة في الشارع الروسي، الذي لن يهتم كثيرا بانتصارات الجنرال بوتين في سوريا.
أمة ليست مهووسة
صحيفة “التايمز” البريطانية، تناولت التحديات التي تواجه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في السنوات المقبلة، وقالت إن “بوتين” حاول، في مؤتمر صحفي بعد سيطرة قوات بشار الأسد على حلب، أن يظهر بمظهر القائد الذي سيخرج بلاده من أزمتها، عندما قال إن “هدفي هو رفاهية روسيا”، ليطمئن أمة ليست مهووسة بالإنجازات العسكرية، لكنها ستتأثر مستقبلا بما يفعله في سوريا، وتضيف الصحيفة أن الواقع يثبت أن روسيا تتقهقر عن الدول الأخرى، بينما بوتين يجعل العالم أكثر خطورة بتدخله في الشرق الأوسط وأوكرانيا.
مقياس الإنجازات العسكرية
“التايمز”، تقول إن بوتين يقيس قوة روسيا العالمية بمقياس الإنجازات العسكرية، لذلك فإنه سيبقي على برنامجه الباهظ التكاليف، المتعلق بنشر القوات، وسيفعل ذلك بينما يتوقع انكماش اقتصاد البلاد بنسبة 0.6% هذا العام، بعد تراجعه عام 2015 بنسبة 3.8%.
الاقتصاد وليس القضايا الدولية
الرئيس الروسي، بدأ مؤتمره الصحفي بالاقتصاد وليس القضايا الدولية، حسب الصحيفة، لأن العام المقبل مهم جدا في علاقة الحكومة الروسية بالشعب، لأنه يصادف ذكرى الثورة البلشفية عام 1917، وعلى الحكومة في هذه المناسبة أن تثبت أن روسيا أمامها مستقبل مزدهر، وليس فقط نشر الدبابات، وسيواجه بوتين عام 2018 انتخابات رئاسية أخرى، وعليه فإن المطلوب ليس تجميل صورة الاقتصاد، بل لا بد أن يشعر الناخبون بالنمو الاقتصادي الفعلي، ودعت “التايمز” الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، إلى الإبقاء على العقوبات ضد روسيا، التي ستحتاج إلى تمويل غربي لمصارفها، ورفع القيود على شركاتها النفطية.
ترامب في مواجهة بوتين
سؤال “التايمز”: بشأن ما الذي يجب أن يفعله ترامب في مواجهة بوتين في سوريا؟ طرحه “أندرو تابلر” الباحث المتخصص في السياسة العربية بمعهد واشنطن، وحدد مجموعة من البدائل أمام “ترامب” وإدارته الجديدة في البيت الإبيض، حيث قال إن بشار الأسد لا يملك القوى البشرية الكافية لاستعادة ثلثي الأراضي السورية خارج نطاق سيطرته في أي وقت قريب، ولن يحرز الأسد تقدمًا حقيقيًا في غياب تدخل عسكري واسع من قبل الولايات المتحدة والغرب، وهذا في الأساس إعادة للخطوات التي اتخذها صدام حسين في العراق في تسعينيات القرن الماضي، عندما كانت البلاد مقسّمة وغير مستقرة. ومع ذلك، فإن جيش الأسد هو أضعف بكثير من جيش صدام، الأمر الذي أدى إلى إرسال إيران المزيد من الميليشيات الشيعية، لمساعدة الأسد على شق طريق عودته إلى السلطة.
سوريا المقسّمة وغير المستقرة
“أندرو تابلر”، قال ن الرئيس المنتخب ترامب، يواجه سوريا مقسّمة وغير مستقرة، وتؤدي فيها الجماعات المدرجة على لائحة الولايات المتحدة للإرهاب، دورًا كبيرًا من جميع النواحي، ومن أجل أن تتعامل إدارة ترامب مع هذا الوضع، وتعيد الأمور إلى نصابها في سوريا، فعليها القبول بأن سوريا مقسّمة، بحكم الأمر الواقع، وعلى الإدارة القادمة إقامة مناطق آمنة، والتعامل مع الأجزاء المكوّنة لسوريا، من أجل تخفيف المعاناة الإنسانية، ووقف تدفق اللاجئين، ومكافحة الإرهاب. وسيكون إنشاء مناطق آمنة للسوريين في مختلف الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة على الحدود مع تركيا والأردن، أفضل وسيلة لبناء المناطق التي يقول الرئيس المنتخب ترامب إن بإمكانها أن تساعد السوريين في “الحصول على فرصة”.
منطقة آمنة
ويرى “تابلر” إنشاء تركيا منطقة آمنة شمال حلب، بحكم الأمر الواقع، مع التوصل إلى تفاهم من روسيا، فرصة جديدة وقوية، كما يُحتمل، لحماية السوريين، وبمثابة أساس عسكري وسياسي للقضاء على «تنظيم الدولة» عبر وادي الفرات.
اختبار التزام موسكو
أما الخيار الثاني أمام “ترامب” في سوريا، فيتمثل في إجراء مفاوضات مُضنية مع موسكو، واختبار التزام روسيا بمكافحة الإرهاب في سوريا، والتضييق على نظام الأسد، وتحقيق تسوية سياسية قابلة للتطبيق، من خلال إعادة التفاوض على اتفاق “مجموعة التنفيذ المشتركة”، الذي تم التوصل إليه مع موسكو في الخريف الماضي.
انقسام بين إيران وروسيا
الخيار الثالث وهو المهم -كما يقول “تابلر”- إحداث انقسام بين إيران وروسيا بشأن سوريا، فيجب على الولايات المتحدة التفاوض مع روسيا بشأن التوصل إلى تسوية مستدامة في سوريا، التي من شأنها أن تُبقي «حزب الله» وغيره من الميليشيات الشيعية، التي تدعمها إيران خارج سوريا.
حلفاء واشنطن القدامى
“ترامب”، الذي اختار التصعيد مبكرا مع إيران، معلنًا عزمه إلغاء الاتفاق الموقع في فيينا، بخصوص البرنامج النووي الإيراني، سيواجه بدور إيراني في مناطق كانت تعتبر مناطق نفوذ أمريكية، بل إن حلفاء واشنطن القدامى -دول الخليج- بدأت تبحث عن قوة أوربية تعوضها مواقف الإدارة الأمريكية المترددة، ولعل دعوة رئيسة وزراء بريطانيا، تيريزا ماي، لقمة دول مجلس التعاون الخليجي في العاصمة البحرينية المنامة، كانت إشارة قوية من دول الخليج لواشنطن، وجاءت تصريحات “ماي” في ثناء وجودها في البحرين، لتؤكد على دور أكبر لبريطانيا في المنطقة، والحفاظ على استقرارها في مواجهة التوسع الإيراني.