حديث المرشح الجمهوري في انتخابات الرئاسة الأمريكية، مليادير العقارات، المثير للجدل، “دونالد ترامب”، عن تزوير الانتخابات أشبه بالزلزال، الذي هز الأوساط السياسية الأمريكية، بمن فيهم أقطاب الحزب الذي ينتمي إليه “ترامب” – الحزب الجمهوري-، ما دفع عددًا منهم لسحب تأييدهم له، عقب تصريحاته المسيئة عن النساء، وتزوير الانتخابات.
الحديث عن تزوير الانتخابات الأمريكية، الذي لم يقل به أحد قبل “ترامب”، و كرره أكثر من مرة، خصوصا في مناظراته التليفزيونية، مع منافسته عن الحزب الديمقراطي “هيلاري كلينتون”، لكن “ترامب” لم يقدم شاهدا أو دليلا على كلامه بـ”تزوير الانتخابات”، لكنه هدد إذا لم يفز في الانتخابات، فإنه لن يعترف بالنتيجة، في تهديد واضح بإثارة القلاقل والفوضى، إذا لم تعلن النتيجة بفوزه رئيسا.
المناظرة التليفزيونية الثالثة
في المناظرة الرئاسية الثالثة والأخيرة، التي استمرت ساعتين، في حرم جامعة نيفادا في مدينة لاس فيغاس، صباح الخميس، التي تمحورت حول قضايا:الديون، والمستحقات، والهجرة، والاقتصاد، والمحكمة العليا، والقضايا الساخنة الأجنبية واللياقة للرئاسة، تجدد حديث “ترامب” بخصوص “تزوير الانتخابات”.
مقدم المناظرة، كريس واليس، سأل المرشح الجمهوري، “دونالد ترامب”، ما إذا كان سيقبل بنتائج الانتخابات النهائية، ليرد الأخير: سأخبركم عندما يحين الوقت، فعاد “كريس” سؤاله هل ستقبل بنتائج هذه الانتخابات؟
الإعلام مخادع وفاسد جدا
“دونالد ترامب”، أجاب قائلا “سأنظر في الأمر حينها، لن أقرر أي شيء الآن، ما رأيته هو أن الإعلام مخادع وفاسد جدًا، وتراكم الاتهامات مذهل حقًا، حتى جريدة “نيويورك تايمز” كتبت عن ذلك، الإعلام تلاعب بعقول المنتخبين، لكن لسوء حظهم استطاع بعض الناخبين اكتشاف لعبتهم.”
ليعيد “كريس” السؤال بشكل آخر : “أحد الأمور التي نفخر بها في هذه البلاد، هي أننا نسلم السلطة للقائد التالي بسلام، وبصرف النظر عن عداوة الحملات الرئاسية، في النهاية، الخاسر يتنازل للرابح، ويجتمع كل من في البلاد لمصلحتها. هل تقول إنك لست مستعدًا للالتزام بهذا المبدأ؟ “،ل يجيب “ترامب” بالقول “ما أقوله هو إنني سأجاوبكم في وقتها، لأحافظ على الإثارة والتشويق”.
أمر مرعب
“هيلاري كلنتون”، تدخلت بقولها:”دعني أتدخل لأن ذلك مرعب، في كل مرة يظن فيها دونالد أن الأمور لا تسير كما يريد، يدعي أن هناك مؤامرة ضده، أجرى مكتب التحقيقات الفدرالي (FBI) تحقيقًا بشأن قضية بريدي الإلكتروني لمدة عام، واستنتجوا أنه ليس هناك قضية، فقال إن التحقيقات الفدرالية مزورة، خسر ترامب في مجالس أيوا الانتخابية، وانتخابات ويسكونسن، فقال إن الحزب الجمهوري يتآمر ضده، ثم تقاضت جامعة ترامب بتهمة احتيال وابتزاز، فادعى أن نظام المحكمة يتآمر ضده، وهناك وقت لم يحصل برنامجه التلفزيوني على جائزة إمي (Emmy)، فبدأ بالتغريد بأن منظمة الجوائز تتآمر ضده”، وأضافت “هذه طريقة تفكير دونالد، وهو أمر مضحك، لكنه مقلق.”
“كلينتون”، قالت “هذا أمر مخيف”، مستطردةً “إنه يشوه السمعة ويقلل من شأن ديمقراطيتنا، وأنا من ناحيتي مشمئزة من أن يتخذ شخص ما، هو مرشح أحد حزبينا الكبيرين، هذا الموقف.”
أطلق النار على نفس
وأثار رد ترامب انتقادات حادة من قبل السناتور الجمهوري، ليندسي غريام، الذي قال في بيان إن ترامب “يسيء للحزب والبلاد بالاستمرار في القول إن نتيجة الانتخابات، خارجة عن سيطرته وبأنها مزورة ضده”، وقال نيكول ولاس، المحلل في محطة سي بي إس الإخبارية، ومستشار السيناتور جون ماكين خلال حملته الانتخابية في 2008، “قد يكون (ترامب بذلك) دق مسمارا في نعشه، وأطلق النار على نفسه.”
أمر “غير مسبوق”
الرئيس الأمريكي باراك أوباما، طالب المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأمريكية، دونالد ترامب “بالتوقف عن النحيب”، ورفض مزاعم الأخير بأن الانتخابات التي ستُجرى الشهر المقبل سيجري تزويرها، مشرًا إلى أن محاولة ترامب تشويه الانتخابات الرئاسية، حتى قبل أن تبدأ، هي أمر “غير مسبوق” لمرشح رئاسي أمريكي.
توقف عن النحيب
وقال أوباما إن تصريحات ترامب بشأن تزوير الانتخابات “لا تستند إلى حقائق”، وأضاف: “أود أن أنصح ترامب بالتوقف عن النحيب، والسعي لتقديم رؤيته للحصول على أصوات” الناخبين، وتابع: “وبالمناسبة، فإن ذلك لا يظهر نوع القيادة والصرامة التي تسعى إليها في شخصية الرئيس، إذا بدأت النحيب قبل أن تنتهي حتى اللعبة، إذا ساءت الأمر بالنسبة لك في أي وقت وخسرت، فإنك تبدأ إلقاء اللوم على شخص آخر، لذا فإنك لا تتمتع بالمواصفات الضرورية المطلوبة لهذا المنصب.”
ألفاظ مسيئة عن النساء
وكان ترامب واجه آثارا مدمرة، عقب ظهور فيديو له وهو يتفوه بألفاظ مسيئة عن النساء، وتخلى عنه بسبب ذلك عدد من أعضاء مجلس الشيوخ من الجمهوريين، وقال ترامب -عندما اشتد الضغط عليه بشأن ادعاءات الاعتداء الجنسي من قبل عدة نساء بعد ظهور الفيديو- إن الادعاءات “مزيفة بطريقة مفضوحة”، وعندما سئلت كلينتون عن هذه الاتهامات قالت: “دونالد يعتقد أن تقليل شأن المرأة يجعله أكبر.”
أتعاب الدفاع
وفي المناظرة الثالثة، جدد “ترامب”، إثارة قضية ما وصفه بدفع الدول “أتعاب الدفاع” أو “الخوة” لتلقيها الحماية من الولايات المتحدة من جديد، مضيفا هذه المرة، اتهامًا للمملكة العربية السعودية وقطر، بأنهما دولتان “تسيئان معاملة النساء”، وقال ترامب مهاجما نظيرته كلينتون ومؤسستها الخيرية: “مؤسسة كلينتون هي مؤسسة إجرامية، مدعومة من السعودية وقطر وغيرهما من الدول، التي تسيء معاملة النساء”
حالة التعصب
حديث “ترامب” عن “تزوير الانتخابات الأمريكية”، يحمل أكثر من مغزى، خصوصا في ظل حالة التعصب التي أوجدها خطاب المرشح الجمهوري، وإثارة قضايا منع دخول المسلمين الولايات المتحدة، وهجومه على اللاجئين ومنعهم من الدخول، وبناء سور على الحدود مع كندا، وإثارة اليمين المحافظ، وتأجيج خطاب الكراهية، في وقت تتصاعد فيه أعمال العنف بين البيض والسود، إثر حوادث اعتداءات من الشرطة على السود.
انتخابات 2000 وأصوات فلوريدا
في العام 2000، في أثناء فرز انتخابات الرئاسة في ولاية فلوريدا، حدث لغط شديد بين معسكر المرشح الجمهوري جورج بوش الابن، ومعسكر المرشح الديمقراطي آل جور، بشأن الفرز اليدوي وتوقف قرار حسم نتائج الانتخابات الرئاسية، لحين سماع رأي المحكمة العليا في فلوريدا، للفصل في الخلافات بين المعسكرين، بشأن استمرار أو وقف الفرز اليدوي في بعض مقاطعات الولاية، بعد أن قررت المحكمة وقف إعلان النتائج الرسمية لفلوريدا، بالتالي للانتخابات ككل.
وكانت أظهرت النتائج غير الرسمية، بعد حصر أغلبية أصوات المغتربين من سكان فلوريدا المقيمين بالخارج، تقدم بوش علي آل جور بـ927 صوتا، وطبقا للنتائج غير الرسمية، فقد زادت أصوات الأمريكيين المغتربين والعسكريين، بعد فرز 66 مقاطعة، من67 هي إجمالي مقاطعات فلوريدا، من الفارق الذي يتمتع به بوش على آل جور بــ927 صوتا.
أصوات المدنيين والعسكريين
ووقعت عدة مشكلات خلال عملية فرز أصوات الأمريكيين المدنيين والعسكريين، دفعت بالصراع الانتخابي إلى حلقة جديدة من الانتقادات والنزاع القانوني، وذكر مسؤولو الانتخابات في الولاية، أنه تم التخلص من نحو ألف صوت؛ نظرا لوجود مخالفات إجرائية في أسلوب التصويت عليها، من بينها وضع طوابع محلية، بدلا من الطوابع الخارجية على المظاريف، أو عدم وجود توقيع لشاهد، يثبت فيه أن التصويت تم بصورة قانونية.
وجرى اعتبار نصف أصوات المغتربين في بعض الولايات غير صالحة، خصوصًا بين الناخبين من العسكريين، ما آثار انتقادات لاذعة بين أعضاء الحزب الجمهوري، الذين اتهموا مسؤولي الانتخابات المحليين، بالتنسيق مع الديمقراطيين، لرفض تلك الأصوات.
فهل تتكرر مثل هذه الحوادث على نطاق أكبر في ظل الانتخابات القادمة، في ظل مرشح رئاسي يدلي بتصريحات بأن “الانتخابات ستزور”، وأنه “لن يعترف بالنتيجة إذا لم يفز؟
عبداللطيف التركي