الرئيسية / أخبار / السعودية والسنوات العجاف القادمة

السعودية والسنوات العجاف القادمة

السعودية والسنوات العجاف القادمة

 

لو أخبرنا أحد قبل 15 سنة بأنه سيأتي وقت تستقطع فيه رواتب الموظفين بنسب تصل إلى 40% كي نحاول أن نحد من المصروفات الحكومية ونسد العجز المالي في ميزانية الدولة هل كان سيصدقنا وقتها أحد؟ خاصة في تلك الفترة التي تميزت بالرخاء وبارتفاع سعر البترول إلى مستويات أعلى من 100 دولار؟

لم يكن أحد يعلم أن الضرائب ووقف الدعم للماء والكهرباء والوقود ووقف البعثات الخارجية ستكون الخيارات المتاحة للحد من الاستنزاف المالي من ميزانية حكومة السعودية لأننا لم نخطط ولم نعمل لهذه السنوات العجاف القادمة.

ربما كنا بحاجة إلى رؤية في المنام لتخبرنا ماذا يخبئ المستقبل، رغم أنه كانت هناك بعض الأصوات من الحكماء ولكن لم نعرهم اهتمامًا في ذاك الوقت ظنًا منا أن الحال سيدوم إلى الأبد والنعيم النفطي لن ينضب أو قد تنزل قيمته سوقيًا.

كانت منطقة الخليج العربي منذ بداية الألفية تعيش في نعيم الأسعار المرتفعة وتسجل فائضًا في ميزانياتها في السنوات المنصرمة، ولكن تغير الحال عندما أصاب النفط ضربة كبيرة أزاحت تلك الأسعار الخيالية في السابق لتستقر حاليًا عند سقف 40 دولارًا، والتي لا تكفي لتغطية ميزانية دول الخليج النفطية التي يمثل النفط عمودها الفقري الاقتصادي ودخلها الأساسي، مما جعلها تقف عاجزة لا تدري ماذا تفعل لتغطي هذا العجز بعد سنوات من البذخ، وقرارات غير حكمية وتبذير بغير وجه حق.

السياسات التقشفية الحالية وتبعاتها الأليمة

أثرت مستويات النفط الحالية على ميزانيات دول الخليج وأجبرت الحكومات على اتخاذ سلسلة من القرارات التقشفية للحد من الإنفاق الحكومي، واضطرت الحكومة السعودية إلى اتخاذ إجراءات كرفع الدعم عن الماء والكهرباء وحاليًا استقطاع جزء من رواتب معظم موظفي الدولة ولكن بنسب متفاوتة، واستقطاع الراتب بنسبة تصل إلى 40% لموظفي الدولة من أغلبية الدخل المتوسط.

قرار مؤلم للشريحة الأكبر من الشعب السعودي كان كالمسمار الأخير في نعش الطبقة المتوسطة، فعندما تقوم الحكومة باستقطاع نسبة كبيرة من رواتب الطبقة التي تمثل القوة الشرائية والاستهلاكية للاقتصاد والذي يمثل مصدر دخلهم الوحيد، الطبقة المحركة للأنشطة التجارية والشريحة التي تمثل متانة اقتصاد الدولة ينتج عن ذلك تبعات اقتصادية تكون الحكومة في غنى عنها هذا غير أن العبء سيكون ثقيلاً جدًا على هذه الطبقة التي تحاول جاهدة الصمود ضد الغلاء المعيشي المستمر والتضخم والديون المتراكمة والالتزامات غير المنتهية، فلم يمض وقت طويل من تعافي الكثير من متوسطي الدخل من انهيار سوق الأسهم عندما خسر أغلبية من حاولوا تنويع مصادر دخلهم من هذه الطبقة بتبخر أموالهم المستثمرة في سوق الأسهم، والآن يأتي هذا القرار ليرجعهم إلى نقطة الصفر.

إننا بهذا القرار المراد منه حل مشكلة بالواقع نخلق مشكلة أكبر من الحالية، ستكلف الدولة تعطيل العجلة الاقتصادية لأنه وببساطة كل ما سيستلمه المواطن بعد تقليص الراتب سيذهب للضروريات ولسداد الديون، أما غير ذلك فلن يكون هناك صرف آخر وهذا سيسبب ركودًا اقتصاديًا الحكومة السعودية في غنى عنه، ولن يشجع أي شركات خارجية من قطاعات مختلفة على القدوم إلى السعودية ولذلك لعدم توافر القوة الشرائية الداخلية من المستهلكين أو حتى بدء مشروعات تجارية صغيرة أو متوسطة.

هي فعلا مرحلة حرجة فنحن لم نهيأ دولنا بكل ما كانت تملك من ثروات طائلة ومن أموال ومصادر لتواجه الأزمة الحالية، ومع الأسف باقتصاد بدأ منذ الثلاثينات بالاعتماد على مورد واحد متذبذب القيمة في السوق، اقتصاد ضعيف كسنبلة خفيفة تحركها الرياح كيفما تشاء، لم نخطط للمستقبل القريب أو البعيد رغم انتكاسة أسعار النفط وتهاويها في 1998، لم نأخذ أي خطط بديلة للانتقال بالاقتصاد الخليجي من نفطي إلى متنوع، المشكلة أنه لم يتم التخطيط للأزمات وخاصة عندما نكون في الرخاء، وحتى عند مواجهة الأزمة تسعى حكوماتنا فقط أن تتخطاها حتى تزول وأحيانًا بحلول تكاد تكون ترقيعية أكثر منها جذرية، يكون التأثير قصير المدى في معظم الأحوال وتترك آثارًا سلبية في المستقبل، قلة التخطيط أو عدمه هو ما أوصل الحكومات الخليج إلى هذا العجز الحالي.

كيف نخرج من هذه الأزمة؟

ولكن لا مجال الآن للتشاؤم والبكاء على اللبن المسكوب لأنه لن يساعد على مواجهة التحديات الاقتصادية القادمة، إننا وببساطة بحاجة إلى وقفة صريحة مع أنفسنا وشفافية في هذه المرحلة القادمة لضمان نجاح أي خطة وحتى نضمن اشتراك الشريحة الكبرى من الشعب في كل ما تمر به دولنا من أحداث قادمة، فسياسة دس الغبار تحت الزل والتظاهر بأن كل شيء على ما يرام لن تنفع في المرحلة القادمة.

فتح باب المصارحة والشفافية وإشراك المواطن في معرفة ما سيجري في المرحلة القادمة سيكون أفضل بكثير من تركه في العراء مع التكهنات والترقب وعدم معرفة ما سيحدث غدًا، الأخطاء التي تكررت بالأمس يجب ألا تتكرر اليوم لأنها ستكلف الدولة أكثر بكثير من الماضي من عدم رقابة أو متابعة، أو الحد من الفساد بإدارة فعالة ومحاسبة دقيقة لمدخولات الحكومة، وكيفية صرفها على المشاريع التنموية الحالية.

ما نحتاجه بكل تجرد هو نظرة واقعية للأمور وتخطيط سليم لمستقبل قادم، هناك مئات الحلول التي بإمكان المملكة ودول الخليج اتباعها فيكفي أنها تملك الطاقة الشبابية، فربما ينضب النفط يومًا لكن سواعد الشباب وطاقاتهم المتفجرة وأفكارهم لن تنضب أبدًا وهو ما يساعد على قيام دولة اقتصادية لا تقهر بسهولة ولا تهزها كثيرًا أسعار نفط أو غيرها.

تتميز دولنا بوجود طاقة شبابية هائلة ذات قدرات عالية وكفاءة ورغبة في التغيير والعمل، الاعتماد على المشاريع الشبابية ستساعد على حل مشكلة البطالة بالدرجة الأولى والاعتماد على قطاعات مختلفة منها ترفيهية، وصناعية، وزراعية وسياحية، وهنا يأتي دور التجار الذين طالما تمتعوا ببيئة مشجعة للتجارة وازدهار أعمالهم وتوسع تجاراتهم، فلا يضير أن يساهموا في الوقت الذي تحتاجهم المملكة فيه حتى وإن كان في تمويل المشاريع الشبابية وحمل العبء مع الدولة وكافة الطبقات في المجتمع.

هي ليست مسألة حسابية معقدة يصعب حلها بقدر ما تحتاج إلى وضع مصلحة الوطن فوق أي مصلحة أخرى ووعي حي لتطبيق القرارات على الجميع وضمان مشاركة جميع الطبقات والأطياف دون إلقاء العبء الأكبر على طبقة واحدة تطحن حتى الزوال، وجل ما يجب الحفاظ عليه في المرحلة القادمة هي طبقة محدودي الدخل وتوفير الدعم لهم وليس إضعاف قدرتهم المعيشية.

ما سيخرج المملكة من أزمتها الاقتصادية ليست حلولاً ونماذج مستوردة لا تكون متكيفة مع طبيعة المكان والمناخ الاقتصادي للمنطقة، كأنها تمثل مقاسًا واحدًا يطبق على جميع الدول دون استثناء، وخطط مستهلكة لم تأت بجديد ولا تتماشى مع ثقافتنا، ولكن حلولاً تتفق مع بيئتنا مستمدة من ركائز داخلية لتقوى اقتصادنا داخليًا وخارجيًا.

كثيرة تلك الأمثلة لبلدان لم تكن لديها مقومات للصناعة والنهضة ولكنها وصلت إلى حد الاكتفاء الذاتي والتصنيع والتنافس العالمي، مقومات النجاح موجودة في دولنا ولكننا بحاجة إلى إظهارها على السطح بدل وأد أصواتها، والإصلاحات الاقتصادية مع السياسية تمكن منطقتنا من الخروج من هذه الأزمة الاقتصادية بعد الغفلة التي كنا نعيش فيها.

إيمان عبدالرحيم