أ تشهد حملات الدعاية الانتخابية في ساعاتها الأخيرة خطابات نارية وتلويحا من الأحزاب الكبيرة بتحقيق النصر الكاسح، في وقت تمتلئ فيه الشوارع باليافطات والشعارات الانتخابية إلا أنها تفتقر إلى تفاعل الجمهور.
وترجح أوساط سياسية كردية أن تكون نسبة المشاركة في انتخابات يوم الأحد محدودة بالرغم من الحماس في الحملات الانتخابية.
وأكد مسعود بارزاني، رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، خلال مشاركته في تجمع انتخابي بمدينة أربيل، أن “الشعب الكردي” سيحدد يوم العشرين من أكتوبر طريقة الحكم عبر الانتخابات.
وأشار بارزاني إلى أنه كان ينبغي إجراء هذه الانتخابات قبل عامين، لكن بعض الأحزاب استمرت في خلق العقبات، متخيلة أنها ستهزم الحزب الديمقراطي الكردستاني من خلال انتخابات معدة سلفا.
ويتبني رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني خطابا ناريا في حملاته الدعائية ضد غريمه التقليدي ويرفع شعار “سننهي الحكم المتسلط للحزب الديمقراطي”.
وقال بافل طالباني في كلمة بساحة أخرى في أربيل إن “الاتحاد (الوطني) وحده يمكنه التغيير في مسار الحكم وإنهاء الحكم التسلطي وإعادة التوازن إلى العملية السياسية”، وإنه “يريد حماية أخلاقيات المجتمع”.
ويستخدم رئيس الاتحاد الوطني مستحقات الموظفين وتوطين الرواتب في البنوك الاتحادية مادة ترويجية ساخنة في حملاته الانتخابية، ويشدد على أنهم يرفضون مشروع “حسابي” الذي يعود إلى حكومة مسرور بارزاني، ويؤكد العمل على توطين رواتب الموظفين في البنوك الاتحادية.
ويشير إعلام الاتحاد الوطني إلى أنه تم توجيه جميع الدوائر والمديريات في السليمانية برفض التوقيع على استمارة المعلومات الخاصة بمشروع “حسابي”.
ويرد الحزب الديمقراطي، الذي يعد أبا الأحزاب الكردية، بالقول إن الاتحاد الوطني شريك في الحكومة نهارا لكنه في الليل يمثل دور المعارضة، واصفا سياسة خصمه بذرّ الرماد في العيون.
ويقول حزب آل بارزاني إن مشروع توطين الرواتب لدى البنوك الاتحادية يعتبر بمثابة ضربة قاضية للكيان الدستوري الذي يتمتع به إقليم كردستان منذ أكثر من عقدين.
وفي وقت سابق كشف المكتب الانتخابي للحزب الديمقراطي الكردستاني تسجيلا صوتيا مسربا لمكالمة هاتفية تعود إلى بافل طالباني وشقيقه قوباد، وقال إنها تكشف عن مؤامرة يقودها منافسه من حزب الاتحاد، وتهدف إلى التلاعب بنتائج الانتخابات.
في المقابل وصف الاتحاد الوطني تلك المزاعم بأنها تنبثق عن “مخاوف الديمقراطي الكردستاني من هزيمة نكراء مبكرة” عقب اتخاذ تدابير وإجراءات تقطع على الحزب الديمقراطي طريق ارتكاب عمليات تزوير، كما يشير الاتحاد الوطني إلى أن هذه المكالمة تمت فبركتها عبر الذكاء الاصطناعي.
وبعيدا عن المنازلة الانتخابية والحروب الإعلامية بين الحزبين الكبيرين في الإقليم، يسعى لاهور الشيخ جنكي لتقديم نفسه وحزبه جبهة الشعب كقوة انتخابية مؤثرة، مستخدما خطابا حماسيا وشديد اللهجة ضد منافسيه بهدف استمالة الناخبين.
وينزل لاهور الشيخ جنكي إلى الشوارع العامة والأسواق في منطقتي الخضراء، التي تخضع لسلطة الاتحاد الوطني، والصفراء الخاضعة لسيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني، ليحث المواطنين على المشاركة الفاعلة يوم الاقتراع لتغيير نظام الحكم والإدارة وإنهاء ما يصفه بالفساد المزمن المستشري تحت ثنائية سلطة الحزبين.
ويستخدم رئيس جبهة الشعب شعار “الديمقراطية مقابل الديمقراطية والقوة مقابل القوة” لتشجيع الناخبين المترددين على المشاركة. ويؤكد لاهور الشيخ جنكي، خلال خطاباته، أن الأوضاع الحالية في أربيل ليست نتيجة إرادة شعبية، مؤكدا أن القوة الحقيقية تكمن في إرادة الشعب وليست في السلاح أو الدعم الخارجي.
ولاهور الشيخ جنكي هو ابن الأخ غير الشقيق لجلال طالباني رئيس الجمهورية العراقية الأسبق، وأزاحه أبناء عمومته من القيادة والرئاسة المشتركة للاتحاد الوطني في يوليو عام 2021، وكان له دور محوري في الحرب ضد تنظيم داعش ودحر مسلحيه في مناطق واسعة من العراق وسوريا.
ويراهن الشيخ جنكي على مشاركة واسعة في الانتخابات التشريعية لسحب البساط من تحت أقدام خصومه والعودة إلى السلطة. ويرفع حراك الجيل الجديد هو الآخر شعار “الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني كذابان وفاسدان”، معتبرا أن اشتداد الحملات الدعائية بين الحزبين اتفقا عليها مسبقا في مسعى منهما لكسب عواطف الجمهور.
أما الأحزاب الإسلامية، التي تعيش انهيارات شعبية، فتنحصر خطاباتها في انتقاد الفساد وسوء الإدارة وانعدام الخدمات الأساسية في ظل حكم الحزبين الشريكين في الحكم.
وتمر حركة التغيير، التي كانت قطبا في المعادلات السياسية، بأزمات قيادة داخلية أفقدتها ثقة جماهيرها الواسعة، ما أرغمها على اتخاذ قرار الانسحاب من الحكومة، إلا أن بعض وزرائها وممثليها تمردوا على القرار للحصول على امتيازات ومكاسب شخصية.
ويستند قرار حركة التغيير الانسحاب من الحكومة إلى توقّعات قياداتها بتحقيق نتائج هزيلة في الاستحقاق الانتخابي لذلك بادرت بشكل استباقي إلى حجز مقعد المعارضة في البرلمان المقبل.
ويشير بعض المراقبين إلى أن القرار بمثابة محاولة متأخرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من سمعة الحركة وما تبقى من شعبيتها قُبيل الانتخابات، كما مثّل صدى لتوتّر العلاقة بين قياداتها والقوى المشاركة في الحكومة وتحديدا الحزبين الشريكين في الحكم.
وكانت حركة التغيير مرشّحة لتكون قوة سياسية ثالثة في الإقليم عندما تأسست سنة 2009 من قبل نوشيروان مصطفى القيادي المؤسس المنشق عن حزب طالباني، حيث كانت في بدايتها حركة جماهيرية وذات قاعدة شعبية هامّة وتسببت شعاراتها في حدوث اهتزازات شديدة في أركان سلطة الحزبين الحاكمين.
لكن الكشف عن توزيع نوشيروان قُبيل وفاته ممتلكات الحركة، التي تمثل ثروة طائلة وتحتوي على معامل وعقارات وشركات تقدر قيمتها بأكثر من مليار دولار، عجّل بتهاوي مصداقية الحركة في عين جماهيرها.
ولم تقتصر الصراعات الداخلية في صفوف الحركة على إرث نوشيروان مصطفى السياسي بل شملت أيضا إرثه المادي. ويعاني إقليم كردستان من أزمة اقتصادية خانقة، أثرت على حركة الأسواق وجعلتها أشبه بالمشلولة، نتيجة عدم صرف رواتب الموظفين في مواعيدها.
وتُعد أزمة تأخر الرواتب في إقليم كردستان جزءا من التحديات الاقتصادية التي يعاني منها الإقليم منذ فترة طويلة، نتيجة الخلافات المالية بين حكومة الإقليم والحكومة المركزية في بغداد.