شهدت روسيا وإيران تراجعاً في مكانتهما الدولية في السنوات الأخيرة. ومع سعيهما إلى إيجاد وسيلة لتعزيز نفوذهما العسكري والدبلوماسي، تبدو أفريقيا وكأنها أرض الفرص. ولا توجد أيّ دلائل تشير إلى أن موسكو وطهران، اللتين أصبحت علاقاتهما الثنائية أوثق في محاولة لمواجهة العقوبات الدولية العقابية، تعملان في خطى متناغمة في أفريقيا. ولكن أهدافهما في القارة غالباً ما تتوافق. ويرى محللون أن كلاّ منهما يحاول الاستفادة من مواقف مماثلة، بما في ذلك عدم الاستقرار السياسي والحرب واللامبالاة تجاه نفوذ القوى الغربية.
وقال كاميرون هدسون، زميل مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن “إن ما تراه إيران وروسيا في أفريقيا هو فرصة لكسر عزلتهما الدبلوماسية”.وأضاف هدسون “لقد تم عزلهما من قبل الغرب، مالياً وسياسياً، ووصفهما في الأساس بأنهما دولتان منبوذتان. وعلى هذا، ففي أفريقيا، تريان فرصة لكسر هذا الوضع”.
وكثفت روسيا وإيران من مشاركتهما مع الدول الأفريقية، إذ أن بعضها حذر من الغرب ومنفتح على إيجاد شركاء تجاريين واستثماريين جدد. وتنشط طهران وموسكو بشكل ملحوظ في أماكن الصراع، مثل غرب أفريقيا ومنطقة الساحل، حيث أوضحت المجالس العسكرية أن القوات الغربية غير مرحب بها. ويعتقد هدسون أن تورط موسكو وطهران في أفريقيا له أيضًا “فائدة إضافية تتمثل في تجاهل” الدول الغربية التي تقف وراء العقوبات الدولية المفروضة عليهما.
ومن خلال فتح طرق جديدة للتجارة والنفوذ في أفريقيا، يمكن لموسكو وطهران أن تظهرا أن محاولات عزلهما ومعاقبتهما “ناجحة بشكل هامشي فقط، وأنهما يمكنهما بناء تحالفات من الدول التي تدعم مصالحهما.
ويرى ليام كار، المحلل في مشروع التهديدات الحرجة التابع لمعهد أميركان إنتربرايز، أن موسكو وطهران تريان أن بلدان أفريقيا “ساحة معركة حيث يمكنهما أن يحلا محل الغرب ويضعا نفسيهما في وضع أفضل اقتصاديًا وسياسيًا وحتى عسكريًا”. وأشار كار إلى أن بوركينا فاسو ومالي والنيجر ــ المستعمرات الفرنسية السابقة في منطقة الساحل الوسطى حيث تولت المجالس العسكرية المناهضة للغرب السلطة ــ “زادت من تعاونها مع إيران وروسيا في الوقت الذي ابتعدت فيه عن فرنسا”.
وقد أدى الموقف بالفعل إلى طرد القوات الفرنسية من النيجر ومالي. كما انسحبت القوات الأميركية التي تقاتل المتمردين الإسلاميين في المنطقة من العاصمة النيجرية نيامي، وسوف تغادر البلاد بالكامل بحلول سبتمبر.
وقد أدى المشهد المتغير بسرعة إلى بعض المواقف غير المريحة، مثلا عندما تم نشر القوات الروسية ( فاغنر) التي تدعم المجلس العسكري في النيجر في مايو في قاعدة جوية تضم جنوداً أميركيين. وأوضح كار أن إيران وروسيا “تستخدمان المشاركة العسكرية لـ’وضع قدميهما في الباب’ مع الدول غير المستقرة أو المعزولة الأخرى لمتابعة المزيد من التعاون الاقتصادي والسياسي”.
وأضاف أن مثل هذا الانخراط العسكري “يسمح لهما أيضاً باستخدام الموارد المحدودة لتهديد الممرات المائية الحيوية، مثل البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر”. ويتميز نفوذ موسكو بالمشاركة السياسية رفيعة المستوى، والمعاملات التجارية بما في ذلك مبيعات الأسلحة، والوجود الشامل للمرتزقة المؤيدين للكرملين في مناطق الصراع.
وقال هدسون “تجد روسيا الفرصة في الفوضى. وبالتالي، عندما يكون هناك عدم استقرار سياسي في بلد ما، وعندما يكون هناك نوع من الرفض العضوي للغرب، وهو ما رأيناه في الكثير من الدول في أفريقيا التي تنظر إلى الغرب باعتباره نوعًا من الجهات الفاعلة الاستعمارية الجديدة، فإن هذا يخلق فرصًا لروسيا لتتدخل بروايتها”.
وكما يتضح من مقتل العشرات من مرتزقة فاغنر الروس في القتال ضد الانفصاليين الطوارق في مالي المرتبطين بشبكة القاعدة الإرهابية في مالي الشهر الماضي فإن البصمة العسكرية الروسية هي الأكثر خطورة. وتحاول إيران اللحاق بحليفتها روسيا، من خلال العمل على توسيع نفوذها في القارة من خلال العلاقات التجارية، ومبيعات الأسلحة، واستخدام الوكلاء والشركاء المتشددين كجزء من “محور المقاومة” ضد إسرائيل والغرب بشكل عام.
وفي غرب أفريقيا، تواصلت إيران مع الثلاثي العسكري في بوركينا فاسو ومالي والنيجر. وفي نيجيريا، أنشأت طهران مجموعة بالوكالة تسمى الحركة الإسلامية النيجيرية، والتي تعمل مثل الوكلاء والشركاء الآخرين. كما استخدمت طهران الوكلاء لجعل وجودها محسوسًا عبر منطقة الساحل إلى القرن الأفريقي، مما يسمح لها بممارسة المزيد من الضغط على الخصوم الإقليميين، وفي المقام الأول إسرائيل. ويتداخل اهتمام إيران وروسيا بأفريقيا أحيانًا، كما هو الحال في النيجر والسودان، حيث يلعبان دورًا في الحرب الأهلية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
وقال كار إن “لإيران وروسيا مصالح عسكرية. لقد عرضت إيران وروسيا الدعم العسكري للقوات المسلحة السودانية على أمل تأمين قاعدة عسكرية على ساحل البحر الأحمر السوداني من شأنها أن تمكنها من تحسين وضعها العسكري في المنطقة في مواجهة الغرب”. وأضاف كار “لقد عرضت إيران طائرات دون طيار”، في حين عرضت روسيا “مساعدات عسكرية نوعية غير مقيدة”. وفي الوقت نفسه، تتطلع المجالس العسكرية التي تولت السلطة في مالي والنيجر إلى موسكو وطهران لتعزيز مواقفها.
وقال هدسون “إنهم يفتقرون بالتأكيد إلى الشرعية في الغرب وبين المؤسسات الدولية، وبالتالي فإن بناء العلاقات مع إيران أو روسيا يساعدهم في بناء الشرعية، لأنهم فجأة يبدون وكأنهم جهات فاعلة تابعة للدولة… يبدو الأمر كما لو أنهم يقومون بالتجارة والدبلوماسية التي من شأنها أن تقوم بها حكومة شرعية”. ويقول كار وهدسون إنه لا توجد علامات واضحة على أن روسيا وإيران تنسقان إستراتيجياتهما في أفريقيا.
وقال كار إن “الأهداف والأساليب المتشابهة تعني أن معظم جهودهم تعزز بعضها البعض”، في حين أشار هدسون إلى “مجموعة من المصالح المتوافقة، ولكن ليست المصالح التي يتم تنسيقها بشكل صريح”.