إدانة الرئيس الأميركي السابق والمرشح الرئاسي دونالد ترامب سببت صدمة للناخب الأميركي والمراقبين لسير الانتخابات الرئاسية الأميركية، لما لها من تأثير على السياسة الخارجية الدولية، فهوية الحزب الساكن للبيت الأبيض تحدد مسارات التوجهات الأميركية، ولو أني مع الدول التي اتجهت لتنويع علاقاتها، وتتعامل مع الولايات المتحدة كشريك بإيجابياته وسلبياته التي تحددها هوية الحزب، أما من يعول على حزب على حساب آخر فهو بلا شك سيخسر لو خسرت الكفة التي راهن عليها إستراتيجياته السياسية والأمنية والاقتصادية.
والغريب ليس التهم الأربع والثلاثين التي قدمها الادعاء العام في ولاية نيويورك، سواء كانت ملفقة أو حقيقية! بل توقيتها المفاجئ الذي يستغله خصوم ترامب لتعطيل مسيرته الانتخابية، فالإدانة جاءت في وقت حرج للغاية، حيث يستعد ترامب لخوض معركة انتخابية حاسمة ضد الرئيس الأميركي جو بايدن، ما يثير الجدل والتساؤلات حول حظوظ ترامب في مواجهة بايدن، وإن كان تقدمه في استطلاعات الرأي سيستمر أم يتراجع بسبب الإدانة، والإجراءات القضائية المقبلة التي أثارت ردود فعل مختلفة حول إمكانية استمراره في السباق الرئاسي.
أظهر ترامب عزْما قويّا على متابعة حملته، مؤكدًا على أنه ضحية لمؤامرة سياسية تهدف إلى منعه من العودة إلى البيت الأبيض، وقد يجد الخطاب صدى واسعا بين قاعدته الانتخابية التي لا تزال ترى فيه زعيمًا قويًا ومدافعًا عن مصالحها، ما يعكس تضامن مؤيديه وتعزيز دعمهم له، مما يجعل من حملة ترامب أكثر إصرارًا وتحديًا. والحزب الجمهوري يجد نفسه في موقف معقد بسبب إدانة ترامب، فهناك انقسام واضح داخل الحزب بين من يرون في ترامب قائداً ضرورياً لمستقبل الحزب، وأن التخلي عنه سيؤدي إلى انقسام أكبر ويؤثر سلبًا على تماسك الحزب، ومَن يخشون مِن تأثير الإدانة على فرص الحزب الجمهوري في الانتخابات؛ فدعمه في هذه الظروف قد يضر بمصداقية الحزب، ما يعكس انقساما داخليا ستكون له تداعيات كبيرة على الحملة الانتخابية، ويؤثر على قدرة الجمهوريين على تقديم جبهة موحدة.
لا تزال حظوظ ترامب في مواجهة بايدن قائمة، فهو يتمتع بقاعدة جماهيرية كبيرة وولاء قوي من مؤيديه، بينما بايدن يعتمد على تحقيق استقرار سياسي واجتماعي واقتصادي خلال فترة رئاسته الأولى لتعزيز فرصه في إعادة الانتخاب، وإدانة خصمه اللدود قد تكون سلاحًا ذا حدين؛ فبينما يمكنه استغلالها لتشويه صورة الخصم، إلا أنها قد تزيد من تعاطف الناخبين مع ترامب وتدفعهم إلى دعمه بشكل أكبر.
ردة فعل الشعب الأميركي تجاه إدانة ترامب متنوعة ومعقدة، فجزء كبير من مؤيدي ترامب يرون في الإدانة هجومًا سياسيّا غير عادل، في المقابل الأميركيون المعارضون لترامب يرون في الإدانة تأكيدًا على ضرورة الحفاظ على سيادة القانون والنظام الديمقراطي، ما يعكس انقساما عميقا في المجتمع الأميركي قد يزيد من حدة الاستقطاب السياسي ويؤثر على نسبة المشاركة في الانتخابات المقبلة، وقد يكون موقف الولايات السبع المتأرجحة والناخبين المستقلين مفصليا في حسم الانتخابات، سواء من سيتعاطف مع ترامب أو العكس.
وهناك عدة سيناريوهات محتملة لتداعيات الإدانة على الانتخابات الرئاسية، أبرزها انقسام الحزب الجمهوري، وهو ما يضعف تماسكه ووحدته وقدرته على المنافسة بشكل فعال ضد بايدن، بينما تذهب بعض التحليلات إلى انسحاب ترامب بسبب الضغوط القانونية والسياسية، وهو احتمال ضعيف ولو كانت الضغوط حقيقية، كونه أول رئيس سابق وأول مرشح رئاسي مدان بجرائم، إلا أن المادة الثانية من الدستور الأميركي حددت شروط خوض الانتخابات الرئاسية، وهي أن يكون المرشح مولودا في الولايات المتحدة، ويسكن بها على مدار 14 سنة متواصلة قبل الانتخابات، وألا يقل عمره عن 35 عاما، ما يعني أن الأحكام القضائية لن تعيق ترشح ترامب ولكنها ستعيق تحركاته اللوجستية، خصوصا لو حكم عليه بالسجن أو الإقامة المنزلية. ولهذا أعتقد أن ترامب سيستمر في السباق الرئاسي، وسيعتمد بشكل كبير في حملته على مسألة تسييس القضاء.
وسيكون التحدي الأكبر في ضوء الإدانة أصوات الناخبين، وإن كانت ستتأثر بالقضايا المرتبطة بطابع تقني أو مخالفات مالية وقد لا تكون جدية، بخلاف بعض القضايا الأخرى التي قد يعتبرها البعض خطيرة، ما يعني احتمال فقدان ترامب جزءًا من ناخبيه الجمهوريين، وجزءا آخر من ناخبيه من فئة المستقلين، بنسبة تصل إلى 10 في المئة بحسب توقعات الاستطلاعات بعد صدور قرار الإدانة، ومن المهم جدا بالنسبة إلى معسكر ترامب ألّا تتأثر الولايات السبع المتأرجحة التي من المتوقع أن تحسم الانتخابات في نوفمبر المقبل، فالتجارب تؤكد أن استطلاعات الرأي المبكرة لا يعول عليها، والنوايا التصويتية تتبدل بحسب الظروف المتغيرة، ولعلنا نصل إلى تحليل أدق بعد المناظرتين المقبلتين بين بايدن وترامب.