فاجأت زيارة وفد من غرب ليبيا إلى موسكو المتابعين للشأن الليبي، فبينما يتصاعد الحديث عن تحضيرات عسكرية غربية في طرابلس ردا على النفوذ الروسي المتزايد وسط البلاد وجنوبها وشرقها، يبدو أن السلطات في المنطقة الغربية تنسق سياسيا مع روسيا حيث يرجح محللون أن يكون محور الزيارة إقناع روسيا بالحفاظ على الوضع الراهن.
وشمل الوفد الليبي ثلاث شخصيات مؤثرة في سباق صناعة القرار في طرابلس، وهي عضو المجلس الرئاسي عن المنطقة الغربية عبدالله اللافي، ورئيس أركان قوات حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها اللواء محمد الحداد، ووزير الخارجية المكلف الطاهر الباعور.
وكان لوفد غرب ليبيا لقاء الاثنين مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف تناول جملة التطورات التي تشهدها العلاقات الثنائية في ظل التحولات التي تعرفها المنطقة ككل.
وتناول اللقاء تفعيل عمل اللجنة المشتركة، وعودة الشركات الروسية إلى ليبيا، لاسيما في قطاعات النفط والغاز والبنية التحتية، وتطرق إلى دور روسيا في المنطقة، وكيفية التعاون والتشاور لإيجاد الحلول الناجعة من خلال شراكة حقيقية.
وتأتي الزيارة بالتزامن مع تزايد الحديث بشأن قرب إطلاق نائبة رئيس البعثة الأممية ستيفاني خوري لجولة من المحادثات الليبية في غدامس تهدف إلى تشكيل حكومة جديدة.
ويرجّح مراقبون أن يكون هدف الزيارة إقناع روسيا بالإبقاء على الوضع الحالي أي استمرار المجلس الرئاسي والاكتفاء بإجراء تعديلات على حكومة عبدالحميد الدبيبة المنتهية ولايتها.
ويتزايد التنافس بين الغرب وروسيا على ليبيا. وبينما تتحدث تقارير غربية عن بدء موسكو نشر قوات في شرق البلاد وجنوبها ووسطها، يتحدث نشطاء ليبيون بشكل متزايد على مواقع التواصل الاجتماعي عن الفيلق الليبي – الأوروبي الذي سيكون نظيرا للفيلق الروسي.
وبحسب النشطاء فإن الفيلق الأوروبي سيكون من عناصر ليبية خالصة على أن توكل مهمة قيادته والإشراف عليه لعناصر عسكرية أجنبية.
وتأتي هذه المعلومات بعد اجتماع غربي عقد في باريس الشهر الماضي جمع فرنسا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة وناقش توحيد قوات غرب ليبيا.
وشنت وسائل إعلام غربية حملة مكثفة ضد النفوذ الروسي المتنامي في ليبيا، حيث قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية إن موسكو تعمل على زيادة نقل القوات والمعدات إلى منطقة شمال أفريقيا بوتيرة متسارعة منذ بداية العام، ما يعزز نفوذها ويمكن أن يؤثر على تدفقات الهجرة نحو أوروبا.
واعتبر تقرير لمجلة “نيوزويك” الأميركية أن الوجود العسكر الروسي في ليبيا يثير القلق، خاصة مع تصاعد التوترات بين موسكو والغرب على وقع الحرب في أوكرانيا.
وأشار إلى نشر ما لا يقل عن 1800 من الجنود والمرتزقة الروس في ليبيا خلال الأسابيع القليلة الماضية مع نقل بعضهم إلى النيجر المجاورة، حيث تتصاعد التوترات بين موسكو وواشنطن.
وزعمت الصحيفة أنه تم «نقل مئات الجنود من وحدات القوات الخاصة الروسية، برفقة الآلاف من المرتزقة والقوات النظامية، من أوكرانيا إلى ليبيا في بداية العام الحالي»، وأن أفراداً ومعدات عسكرية روسية شوهدوا في قواعد بعشرة مواقع على الأقل في شرق ليبيا منذ مارس الماضي.
ونقلت وكالة “نوفا” الإيطالية عن أرتورو فارفيلي مدير مكتب روما للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (أكف) والخبير في شؤون ليبيا، أن لدى عائلة قائد الجيش المشير خليفة حفتر مصلحة قوية في إقامة علاقات مع الروس لأن ذلك من شأنه أن يضمن بقاءها خلال فترة انتقالية بين الأجيال.
ومن ناحية أخرى، فإن الليبيين في طرابلس يحاولون أيضًا تحسين العلاقات مع روسيا، ولذلك فإن زيارة وفد طرابلس إلى العاصمة الروسية تعمل على موازنة نفوذ عائلة حفتر.
ويرى فارفيلي أن “الجانب المثير للقلق هو التطور من قوات الميليشيات المرتبطة بمجموعة فاغنر إلى وجود روسي أكثر تنظيماً”، مشيرا إلى أن إستراتيجية اختراق روسية أكثر تطورا آخذة في الظهور.
ويعتبر فارفيلي أن ما يدور في ليبيا ليس منفصلا عن تطور الحضور الروسي في منطقة المغرب العربي.
وفي مقابلة تلفزيونية، أكد السفير الروسي لدى ليبيا أيدار أغانين أن أي وجود عسكري روسي في شرق ليبيا وجنوبها هو منسّق مع مجلس النواب وقوات حفتر، مضيفا “عليكم أن تسألوا حفتر عن ذلك”.
وأوضح أن الربط بين فاغنر والدولة الروسية هو محاولة من دول الغرب، حتى تقول إن الروس شاركوا في الحرب، مؤكدا «نحن لم نشارك في أيّ عمليات عسكرية في ليبيا، وعلى الأرض ليس هناك أي دور للدولة الروسية”.
وفي التاسع من مايو الجاري بحث الممثل الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط وأفريقيا، نائب وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف مع رئيس أركان الوحدات الأمنية بالجيش الوطني الليبي اللواء ركن خالد حفتر مسألة توحيد جميع القوى السياسية والإقليمية الوطنية الليبية، فضلا عن قضية حل الأزمة العسكرية والسياسية في ليبيا.
وقالت سفارة روسيا لدى ليبيا على حسابها الرسمي في تلغرام إن بوغدانوف استقدم اللواء خالد حفتر وتم الحديث وتبادل وجهات النظر في العديد من القضايا خلال اللقاء، وإنه “تم التركيز بشكل رئيسي على مهمة توحيد جميع القوى السياسية والإقليمية الوطنية بما يخدم ضمان وحدة ليبيا وسلامتها الإقليمية وسيادتها”.
وفي أواخر أبريل الماضي احتضن مجلس الدولة الليبي اجتماع لجنة التواصل الليبية – الروسية الذي “تطرق إلى العلاقات بين البلدين والمعاهدات المبرمة بينهما، واستعراض آليات تفعيلها وسبل توحيد الجهود من أجل العمل على تعزيز العلاقات وتطويرها مع الجانب الروسي”.
وعقدت لجنة التواصل الليبية – الروسية في مجلس الدولة اجتماعها الأول برئاسة النائب الأول لرئيس المجلس مسعود عبيد في 19 ديسمبر 2023، وجرى خلاله تقديم إحاطة عن زيارة وفد المجلس إلى روسيا.