المهندس سليم البطاينه
في وقت مبكر وقبل استقلال الهند قال (المهماتا غاندي) ان هناك أسباب رئيسية لانهيار واندثار الامم وأختفائها، خصوصاً الدول التي تعاني من اضطرابات سياسية واجتماعية وهي: (سياسة من دون مبادىء، وثروة من غير عمل، ومتعة من غير ضمير، وحكمة من دون شخصية، وتجارة من دون اخلاق، وعلم من دون انسانية، وعبادة من غير تضحية!) انتهى الاقتباس، وحين التفكير نرى ان كل تلك الامراض متوفرة في الجسم العربي!
ما شدني لكتابة هذا المقال هو تصريح السفير البريطاني السابق لدى السعودية وإسرائيل وافغانستان Sherard Cowper – Coles لصحيفة Daily Mail online News أنه نَدِم كثيراً لتعلم اللغة العربية بدلاً من الصينية! لان العقل العربي فارغ إذا ما قارنته بالصينية (The Arabic mind is empty)! وباعتقادي ان السفير قال الحقيقة وإن كانت مؤلمة لنا! فنحن تركنا الحاضر والمستقبل، وبقينا أسيرون التاريخ ونعيش في الماضي.
العرب منذ أكثر من قرنين من الزمن وهم يتحدثون باللغة نفسها، ويركبون الاسئلة التي لم تعد مطروحة! فـ من يراقب ما يجري في المنطقة العربية يعيش حيرة الاسئلة، وثمة أسئلة حائرة معلقة في الفضاء لحد يُضحك ويبكي بنفس الوقت: هل سيختفي العرب؟ وهل يُفني العرب بعضهم بعضاً؟ وهل سيخرجون طوعاً من التاريخ، ام ان هناك موت وانقراض حضاري لهم!؟
ان ما يُؤسف له ان نفس الاسئلة التي طُرحت منذ بداية القرن الماضي لا تزال نفسُها تُطرح في بداية الآلفية الثالثة! أي أننا لا نزال في مفترق طرق نتلمّس طريق الخلاص في الوقت الذي قطع فيه الاخر أشواطاً يستحيل ويستحيل ان نلحق به، أو ان نقترب منه.
فـ الشيطان الابيض يرى اننا كعرب ادنى من البشر! ناقصوا عقل وفكر! نعيش على مساعدات الغير انا، نُنتج اللاشي، ونتفاخر بماضً لم نصنعه! وأننا أمة صوتية يجب ان تُتبع لا تنهض! وحكامُنا ليسو أكثر من خيالات.
قبل وفاته بأشهر قال (هنري كيسنجر) ان العرب في إغفاءة بدأت منذ زمن طويل، وأن الحرب العالمية الثالثة قادمة والعرب سيتحولون فيها الى رماد.
أما صحيفة The Times وفي مقال رأي لمحرر الشؤون الدولية David Gardner بعنوان : العالم العربي يعاني من أزمة حوكمة مُزمنة ومُستمرة، والعقل العربي فارغ ولا يَبرع إلا في انتاج الاستبداد وبناء الدولة القامعة!
وبحسب مركز الدراسات الاحصائية الامريكي pew Reserrach Center وفي دراسة له قبل خمسة اعوام قال أن البلدان العربية لا يُسمع فيها إلا صوتاً واحداً! ولهجة واحدة! ومتحدثاً واحد!! ديموقراطي بالسمع وديكتاتوري بالتنفيذ، وفردانية بالرأي! وأن حالة الوطن العربي تعاني من السلطوية واصبحت اضحوكة الامم والشعوب.
اما معهد Gallup الامريكي في دراسة حديثة له يعتبرنا أكثر الشعوب تظاهراً بالتدين على وجه الارض، وفي الوقت نفسه فإننا نحتل مركزا متقدما في الفساد والرشوة! والتحرش الجنسي! والغش والنصب والتزوير! ونعاني من انفصال العقيدة عن السلوك، وانفصال التدين عن الاخلاق!
وفي عام 2003 اصدر مركز (ديان لابحاث الشرق الاوسط وأفريقيا) دراسة مهمة للعميد متقاعد من الموساد (موشيه فرجي) قال: ان المنطقة العربية لا تشكل وحدة ثقافية وحضارية واحدة! فالخرائط السكانية غير متماسكة أجتماعياً وغير منسجمة ثقافياً! وهي خليط متنوع من الثقافات والتعدد اللغوي والديني والاثني! إذ عاش فيها العرب والفُرس والترك والارمن واليهود والاكراد، والدروز، والبهائيين، والشيعة والسنة،، والشركس والشيشان، والاشوريين والكلدانيين، وان تصور وجود وحدة بينهما يعدو ضرباً من الخيال! والنتيجة المنطقية تعني ان يكون لكل قومية في المنطقة كيانها الخاص بها!
في كتابه (الرواية المفقودة) يقول وزير الخارجية السوري السابق فاروق الشرع : سافرت في احدى المرات من مسقط الى الدار البيضاء في المغرب، واستغرقت الرحلة من دون توقف اكثر من تسع ساعات، وكانت بكاملها فوق أجزاء وأراضٍ عربية! وكان طبيعياً ان يتركز الحديث في الطائرة على الثروات العربية التي يجري استنزافها وكأننا (نموت غداً!)، ومواردنا البشرية لا نستثمرها كما يجب وكأننا (نعيش أبدا!).
انها لوحة سوداء لواقعنا العربي، وهي مرشحة ان تزداد سواداً عبر تمزق الكيانات القائمة، فـ النظام الاقليمي العربي فاقد المناعة! وغالبية انظمته تفتقر لاستقلال الارادة والقرار! ولا يعرفون من اين يبدأ الامن القومي؟ وأين ينتهي؟ ومن أين يبدأ الامن القُطري! ومتى ينتهي؟
والعلة الكبرى في الوطن العربي: ان من يحس بالمصاب لا يملك منعه! ومن يملك منعه لا يحس بالمصاب، وهذه جملة بليغة قالها الكاتب العربي المصري يوسف السباعي في روايته أرض النفاق.
لا يزال العالم العربي يغرق في وحل مشكلاته وازماته التي لا تنتهي! واكتفي هنا باقتباس ما كتبه عالم السياسة الامريكي، وهو الاكثر تأثيراً في النصف الثاني من القرن العشرين Samuel .P. Huntington في كتابه صراع الحضارات: من الخطأ القول ان الاصولية الاسلامية هي المشكلة الكبرى التي تواجه الغرب بل العرب ككُل!
المهندس البطاينة نائب سابق في البرلمان الاردني