الرئيسية / أخبار / لاءات نتنياهو إطلالة على التاريخ

لاءات نتنياهو إطلالة على التاريخ

لا يمكن لإنسان أن يُبقي مشاعرَه ملتهبة طوال الوقت حيال ما يجري في غزة دون أن يعرف طريقة تفكير حكام إسرائيل واللاءات القديمة الجديدة لهم. وللتذكير بها وهي: لا لعودة اللاجئين، لا للقدس عاصمة للفلسطينيين ولا العودة لحدود 67.

هذا الموقف المتصلب لكل الحكومات التي تولت زمام القيادة في إسرائيل بكل أطيافها اليمينية واليسارية، ترفض دولة فلسطينية على حدود السابع من يونيو – حزيران، فإقامة المستوطنات على رؤوس الجبال وفوق التلال هو خير دليل على تفتيت حلم الدولة الفلسطينية، وعدم التفاوض للحصول عليها، وهذا من شأنه أن يعيق حتى طرق تفكيك المستوطنات التي يسكنها اليوم ما يقارب من مليون مستوطن.

ليس من السهل التفكير في المعاني الكبرى التي تُمكِّن العقل من النفاذ إلى صورة واقع آخر غير واقع التفاصيل اليومية الدامية، وأعداد الضحايا الأبرياء الذين يسقطون على مدار الساعة في غزة. وليس غريبا أن تتجدد اللاءات الإسرائيلية بين الحين والآخر، فهنالك متحوّر يعيد تشكيل الفكر الإسرائيلي بما يخدم إطالة أمد المفاوضات، بحيث تكون فارغة من محتواها.

وجاءت الحرب الأخيرة على غزة لتحمل في طياتها لاءات بنكهة مغايرة، لكن كلها تصب في نهر واحد، وهو التفكير في التخلص من الجديد، وأما القديم فيبقى مركونا حتى حين، هذا هو الفكر الصهيوني المتحول دائما بما يخدم سياسة التفاوض حسب ما يرتئيه، وهو فن المراوغة إذا جاز لنا التعبير.

رئيس وزراء إسرائيل الحالي يكسب المزيد من الوقت، لا يريد أن يوقف الحرب إلا حسب شروطه هو؛ القضاء على حماس وبنيتها العسكرية والصاروخية وتحرير الرهائن وعدم الخروج من غزة والسيطرة على محور فيلادلفيا. وهذا الشرط أساسي. إذن نحن أمام لاءات جديدة، فهذه اللاءات عادت بالقضية الفلسطينية إلى عصر ما بعد النكسة.

التكلم عمّا بعد الحرب سابق لأوانه، فرغم وجود الكثير من الخبراء والمحللين الذين ملأوا الدنيا ضجيجا حول اليوم التالي من الحرب، إلا أننا ما زلنا نعيش في الدائرة الرمادية. فبعيدا عن التحليل الذي لا يستند للمنهج العلمي، ثمة ثقوب في الثوب تحول دون استشراف مستقبل غزة بعد الحرب.

المجتمع الإسرائيلي مقسوم على نفسه، هنالك اليمين الديني المتطرف الذي لا يعتق أيّ شخص من شره، حتى الولايات المتحدة حليفتهم الرئيسية، أصابها بعض الرذاذ من غلاة المتطرفين أمثال بن غفير وغيره.

بالمختصر، القضية الفلسطينية اليوم على مفترق طرق، ولم تتحدد معالمها في ظل عدم وجود حسم بمعنى عدم وضوح وضع غزة. هل ستكون بصورتها قبل 7 أكتوبر أم ستبقى على حالها كما نشاهد اليوم؟

كل السيناريوهات على طاولة الولايات المتحدة وإسرائيل مطروحة. ومدى جدية أميركا في الضغط على بنيامين نتنياهو للعودة إلى ما قبل 7 أكتوبر أيضا، هذا مشهد ضبابي إلى حد بعيد، والأمور على ما يبدو لا تسير في الاتجاه الصحيح.

نخلص من هذا إلى نتيجة فحواها أن هناك هدفا من عدة أهداف مشتركة بين إسرائيل والولايات المتحدة، وهو إبقاء الجزء الغربي من غزة أي البحر حيث مخزون الغاز تحت السيطرة الأمنية والسياسية الإسرائيلية. فضلا عمّا يرشح من حديث المسؤولين الإسرائيليين أنفسهم، حيث ما فتئوا يرددون، منذ “هرتزل” إلى اليوم، أن دولتهم ستقف حصنًا منيعًا ضد التوحش والظلامية؛ خدمة للحضارة والتنوير وهذا جانب مهم من الدعم الغربي غير المحدود لإسرائيل، وهنا تكمن الخطورة. صحيح هنالك ضغط أميركي على إسرائيل لكي تخفف من ضرباتها تمهيدا لصفقة وهدنة 4 شهور، ولكن في المحصلة النهائية الكل يجمع على القضاء على حماس، وهذا ما صرّح به الرئيس الأميركي جو بايدن وأفراد من طاقمه السياسي والعسكري.

مع ذلك، السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف يبدو المفاوض الفلسطيني اليوم بعد 7أكتوبر؟ بمعنى، من أين يبدأ؟ هل يبدأ من حيث وصلت إليه غزة اليوم، أم يعود إلى نقطة الصفر؟

أسئلة كثيرة تجول في عقولنا، لكن دون إجابة. في الوضع الطبيعي أي قبل طوفان الأقصى، كانت إسرائيل ترى في المفاوضات مع الجانب الفلسطيني الجانب الاقتصادي فقط. وهو تجسيد لنظرة شمعون بيريز للسلام الاقتصادي الذي تغنّى به ردحا من الوقت، ورسم معالم الطريق لمن بعده. أي يبقى الحال كما هو دون تغير، حكم معمق لا يرتقي إلى دولة. لكن جاء 7 أكتوبر ليخلط الأوراق ولم نستطع أن نبني توقعاتنا على طبيعة الوضع القادم وما تؤول إليه النتائج في الأيام القادمة.

وعلى هذا الأساس، لا شك أن إسرائيل تُدرك جيدا أن هزيمتها وعدم تحقيق أيّ من الأهداف التي تتطلع لتحقيقها في هذه الحرب يضع قدراتها العسكرية في دائرة الشك. لهذا يصر نتنياهو على المضي في تحقيق أهدافه على الصعيد الشخصي، وهذا جانب مهم بالنسبة إليه، وعلى صعيد تطلعه إلى الخارج وخصوصا في رحلة التطبيع مع السعودية.

الحرب لن تدوم إلى ما لا نهاية، ولكن المتغيرات وتبعات الحرب هي ما سيحدد مستقبل المنتصر. وفي هذا الصدد، الويل للجهة التي يكتب تاريخها المنتصر.