ينقل “المركز العربي واشنطن دي سي” تحليلا تفصيليا للمشهد الانتخابي المحتمل في دولة الاحتلال الإسرائيلي، وهو المشهد الذي يتوقع مراقبون أن يشهد تغيرات دراماتيكية تحت ضغط الحرب في غزة، والتي منحت نتنياهو فشلا لم يكن يتوقعه في أسوأ كوابيسه، بداية من فشله في منع هجوم “حماس” في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وانتهاء بعدم تمكنه من تحقيق أهداف عدوانه على القطاع المستمر منذ 4 أشهر.
التحليل الذي كتبه مهند مصطفى، المدير العام لمركز “مدى الكرمل” البحثي في حيفا المحتلة، يرى أن إجماع الجمهور الإسرائيلي الذي كان متوحدا خلف نتنياهو عقب هجمات 7 أكتوبر والرافض لإجراء انتخابات قد تفجر وباتت المطالب ترتفع الآن بعد شهور من الحرب العبثية في غزة لتتهم نتنياهو بالتقصير وتطالب بإجراء انتخابات مبكرة.
انتهاء الاصطفاف خلف نتنياهو
وفي بداية الحرب، عارضت أحزاب المعارضة، وخاصة تلك التي شكلت الحكومة قبل نتنياهو، إجراء الانتخابات وبدأت المناقشات لتشكيل حكومة وحدة وطنية، وبالفعل تشكلت حكومة طوارئ مع حزب الوحدة الوطنية بزعامة بيني غانتس، وظلت المطالبات بإجراء انتخابات مبكرة هامشية بسبب الحرب والوضع الأمني الخطير.
وحتى يائير لابيد، رئيس المعارضة، عارض الانتخابات في بداية الحرب؛ لكنه سرعان ما غيّر موقفه بعد شهر، مطالباً بتنحي نتنياهو لصالح حكومة بديلة، لكن من دون انتخابات.
لكن سلسلة من الإخفاقات والأخطاء ساهمت في توليد حركة احتجاجية اجتماعية وسياسية طالبت بإجراء انتخابات مبكرة لاختيار قيادة جديدة للمرحلة المقبلة.
لقد استمرت الحرب في غزة طويلاً، دون أي مؤشر على أنها تحقق أهدافها، وأصبح الفشل الاقتصادي للحكومة واضحا في خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل إلى جانب تصنيف خمسة بنوك إسرائيلية، وارتفاع تكاليف المعيشة، وإقرار ميزانية الدولة لعام 2023 التي أظهرت أن النهج الفصائلي للحكومة مستمر.
بالإضافة إلى ذلك، لم تعالج ميزانية 2024 المقترحة الأزمة الاقتصادية، بل انحرفت نحو تمويل القطاعات الاجتماعية التي تدعم الحكومة، مثل الطوائف الدينية والمستوطنين، على حساب الأولويات الاجتماعية والخدمية الأخرى.
تأييد الانتخابات المبكرة
وينقل الكاتب نتائج استطلاع للرأي أجراه معهد الديمقراطية الإسرائيلي، وأظهر أن 71% من الإسرائيليين يؤيدون إجراء انتخابات مبكرة؛ 38% يريدونها بعد انتهاء الحرب و33% يفضلون إجراءها مباشرة بعد حل الكنيست والسماح بالثلاثة أشهر التي ينص عليها القانون.
لكن نتنياهو يرفض ذلك الأمر، ويصر على أنه لن تكون هناك انتخابات قبل أبريل/نيسان 2025.
وحتى لو غادر حزب الوحدة الوطنية بزعامة جانتس حكومة الطوارئ، فإن نتنياهو سيتشبث بالسلطة ويواجه ضغوطا داخلية لإجراء الانتخابات. كما لن يقوم شركاؤه بإسقاط الحكومة لأنهم يدركون أنه إذا أجريت الانتخابات، فسيتم تشكيل حكومة جديدة في إسرائيل ستبقيهم في المعارضة.
المشهد المرتقب
وينتقل الكاتب للحديث عن المشهد المرتقب، وفقا لتلك المعطيات التي تشير إلى ذهاب الكيان الإسرائيلي إلى انتخابات مبكرة، رغما عن نتنياهو.
ويشير المشهد المرتقب إلى التوقعات الآتية، وفقا لاستطلاعات قياس تفضيلات الناخبين الإسرائيليين:
- من المتوقع أن يحصل حزب “الوحدة الوطنية” بزعامة بيني جانتس على تمثيل برلماني يصل إلى 40 مقعدًا. وهذه نتيجة غير مسبوقة لقائمة انتخابية منذ انتخابات 1992.
- في المقابل، سيتقلص عدد مقاعد حزب “الليكود” برئاسة بنيامين نتنياهو انتخابيا إلى 17 مقعدا فقط.
- بشكل عام، تشير نتائج الاستطلاعات إلى أن ائتلاف الحكومة الحالية سيحصل على 45 مقعدا، فيما سيحصل شركاء الحكومة السابقة التي كان يرأسها يائير لابيد على 71 مقعدا.
الائتلاف الحالي لن يتكرر
- وتظهر التوقعات أيضا أن شركاء الائتلاف الحكومي الحالي لن يتمكنوا من تشكيل حكومة في حال إجراء انتخابات مبكرة، حيث من المتوقع أن يفوزوا بـ 45 مقعدا. أي أقل بحوالي 19 مقعداً من النتائج التي حصلوا عليها في انتخابات 2022.
- في المقابل، سيحصل شركاء لابيد في الحكومة الائتلافية (باستثناء الجبهة العربية للتغيير والقائمة العربية الموحدة) على نحو 70 مقعداً، مما يمنحه القدرة على تشكيل حكومة برئاسة بيني جانتس بسهولة.
- وحتى لو قرر جانتس عدم ضم القائمة العربية الموحدة التي يرأسها منصور عباس، فإنه سيكون قادرا على تشكيل حكومة تضم 65 نائبا في الكنيست، وهذا يلغي الأهمية السياسية الانتخابية لقائمة عباس التي سمحت لنفتالي بينيت ويائير لابيد بتشكيل :”حكومة التغيير في عام 2021″.
صعود بن غفير
- تشير استطلاعات الرأي إلى أن حزب “الصهيونية الدينية”، برئاسة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، لن يتجاوز العتبة الانتخابية.
- لكن حزب القوة اليهودية (عوتسما يهوديت)، برئاسة إيتمار بن غفير، قد يكون الحزب الوحيد بين شركاء الائتلاف الحكومي الحالي الذي قد يحقق مفاجأة
وينبع ذلك بالدرجة الأولى من حملة بن جفير لتوزيع الأسلحة خلال الحرب وخطاباته وسلوكه ضد الحكومة وكأنه في المعارضة حيث يدعي النجاحات لنفسه ويلوم الآخرين على الفشل بحجة أنهم لا يستمعون إليه.
- كما تشير نتائج الاستطلاعات إلى انهيار حزب “العمل” وفشله في تجاوز العتبة الانتخابية اللازمة لدخول الكنيست.
وهكذا يختفي الحزب الذي أسس دولة الاحتلال من المشهد السياسي الإسرائيلي، يقول الكاتب.
- بالإضافة إلى ذلك، لن يتمكن حزب لابيد “هناك مستقبل” (يش عتيد)، الذي كان أكبر حزب في المعارضة، من تشكيل الحكومة.
مستقبل نتنياهو السياسي
ويخلص التحليل إلى أن مستقبل نتنياهو السياسي بات محكوما بالفشل، بشكل شبه نهائي، بسبب ما تم ذكره سلفا من فشله في التعامل مع 7 أكتوبر وما بعدها.
ولا يزال نتنياهو مصرا على عدم تحمل فشله في هذا الأمر، ويلقي بالكرة في ملعب الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، ما فاقم غضب الجمهور ضده.
وكشفت سلسلة من الاستطلاعات التي أجرتها صحيفة “معاريف” عن تراجع مكانة نتنياهو السياسية بين الإسرائيليين.
حيث أظهر استطلاع للرأي أجري في 13 أكتوبر/تشرين الأول أن 48% من الإسرائيليين يفضلون بيني جانتس رئيسا للوزراء، وأن 29% فقط يفضلون نتنياهو، وأن 21% فقط يريدون نتنياهو رئيسا للوزراء بعد الحرب.
وفي استطلاع أجري في 27 أكتوبر/تشرين الأول، أشار 49% إلى أنهم يفضلون جانتس، مقابل 28% لنتنياهو.
ولم تتغير هذه النسب في الاستطلاع الذي أجري في نوفمبر/ تشرين الثاني.
وتظهر هذه المعطيات أن نتنياهو لم ينجح في تحسين مكانته بعد الفشل في 7 أكتوبر، وبعد أربعة أشهر من العمليات العسكرية، لم يتمكن من تحسين مكانته.
وبالفعل فإن المطالبات باستقالته تتزايد، وتحولت إلى مظاهرات حاشدة في المدن الإسرائيلية.
إضافة إلى ذلك، هناك انعدام ثقة بينه وبين المؤسسة العسكرية بدأ يظهر أيضاً للعلن، وارتباك واضح بين وزرائه، وخاصة وزير المالية بتسلئيل سموتريش، في صياغة خطة اقتصادية تساعد المتضررين من الأزمة.
التمسك باستمرار الحرب
ويختم التحليل بالقول: تشير نتائج الاستطلاعات إلى أنه إذا أجريت انتخابات مبكرة في إسرائيل، فلن يتمكن نتنياهو من تشكيل حكومة جديدة، وقد يكون ذلك أيضًا نهاية مسيرته السياسية. ولذلك فإن نتنياهو يتمسك بحكومته الحالية ويرفض الاستقالة، وهذا ما يفسر، إلى حد كبير، إصراره على إطالة أمد الحرب أو تحقيق انتصار ساحق فيها من أجل استعادة شعبيته أو منح نفسه الشرعية اللازمة للانتخابات.