وجهت إيران رسالة إلى الولايات المتحدة، عبر وسطاء، مفادها أنها إذا هاجمت الأراضي الإيرانية بشكل مباشر، فإن طهران ستلحق الضرر بالأصول الأمريكية في الشرق الأوسط، وتجر الجانبين إلى صراع مباشر.
وكشفت صحيفة “الجارديان” البريطانية، وترجمه “الخليج الجديد”، أنه تم تسليم التحذير للأمريكيين، بينما إيران في حالة تأهب قصوى، وتنتظر لترى كيف سيرد رئيس الولايات المتحدة جو بايدن على مقتل الجنود الأمريكيين الثلاثة في هجوم بطائرة بدون طيار على الحدود الأردنية السورية، شنته جماعات موالية لإيران.
وتعرضت القواعد الأمريكية في سوريا والعراق لأكثر من 160 هجومًا متفاوتة الخطورة منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركات المقاومة، في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ووسط مخاوف من انتقام أمريكي، انخفض الريال الإيراني إلى أدنى مستوى له منذ 40 عاما مقابل الدولار، حتى مع تأكيد طهران أن الضربة كانت من عمل “جماعات مقاومة” مستقلة، وهو رد إيران المعتاد على الاتهامات الأمريكية بأنها تنشر الاضطرابات العسكرية في جميع أنحاء المنطقة من خلال تسليح وتدريب الجماعات.
وانخفضت قيمة العملة الوطنية الإيرانية بنسبة 15%، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول.
ودعا المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي إلى فرض ضوابط أكثر صرامة على السيولة في اجتماع مع كبار رجال الأعمال، وهو ما يعكس مخاوفه من أن التضخم (وصل إلى 40%) يسحق مستويات المعيشة، ويخلق أجواء صعبة قبل الانتخابات البرلمانية على مستوى البلاد في نوفمبر/تشرين الثاني.
والآن، تتكهن وسائل الإعلام الإيرانية علناً بطبيعة الأعمال الانتقامية المحتملة، وتعتمد مناقشاتها إلى حد كبير على تقارير وسائل الإعلام الأمريكية.
والثلاثاء، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، أنه قرر كيفية الرد على هجوم بطائرة مسيرة شنته مجموعات عراقية متحالفة مع إيران، وأدى إلى مقتل جنود أمريكيين في الأردن، دون الخوض في التفاصيل.
وأعلن الجيش الأمريكي، الأحد، مقتل 3 من جنوده وإصابة نحو 34 آخرين، بهجوم لمسيرة استهدف قاعدة تضم قوات أمريكية في الأردن (البرج 22).
وتواجه الإدارة الأمريكية ضغوطاً داخلية للرد بشكل قوي على هذه الضربات، بما يكفي لردع حلفاء إيران عن شن مزيد من الهجمات على القوات والمصالح الأميركية في الشرق الأوسط، مع تجنب التورط في حرب أخرى.
وسبق للولايات المتحدة أن هاجمت مصالح إيرانية، عندما استهدفت إدارة الرئيس الأسبق رونالد ريجان سفناً إيرانية ومنصات النفط البحرية، لكن الجيش الأميركي لم يهاجم من قبل أهدافاً داخل الأراضي الإيرانية.
وأكد الطرفان أنهما لا يسعيان إلى حرب مفتوحة، لكن طهران تعتبر أن أي هجوم أميركي على أراضيها خط أحمر سيقابل بالرد المناسب.
وأبدى وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، ملاحظة واثقة مفادها، أن الأحداث في جميع أنحاء المنطقة لا تزال تتجه في الاتجاه الإيراني.
وقال إن البيت الأبيض يعلم جيدا أن هناك حاجة إلى “حل سياسي” لإنهاء المذبحة في قطاع غزة المحاصر والأزمة الحالية في الشرق الأوسط.
وأضاف: “الدبلوماسية تمضي قدما على هذا الطريق. بنيامين نتنياهو يقترب من نهاية حياته السياسية الإجرامية”.
من جانبه، هدد الممثل الدائم لإيران لدى الأمم المتحدة أمير سعيد إيرواني، في رسالة إلى رئيس مجلس الأمن الدولي، بالرد الحاسم على أي هجوم يستهدف أراضيها أو مصالحها أو رعاياها في الخارج.
ونفت إيرواني، وفق وكالة “إيسنا” الإيرانية، صحة ما أوردته وسائل إعلام إقليمية بشأن تلقي طهران رسائل أمريكية خلال اليومين الأخيرين، في أعقاب الهجوم على قاعدة “البرج 22″، شمال شرقي الأردن، الأحد الماضي.
وقالت إن “هذه الرسائل لم تُتبادل” بين إيران والولايات المتحدة، مؤكدة أن “السياسة المبدئية للجمهورية الإسلامية الإيرانية هي أنه إذا ما هاجم أي طرف أراضي إيران، أو مصالحها ورعاياها خارج حدودها، فسيواجَه برد حازم وقوي”.
ولفت إلى أن بلاده “ليست مسؤولة عن إجراءات أي فرد أو مجموعة في المنطقة”.
وأضاف إيرواني: “الادعاءات بضلوع إيران في هجمات ضد أفراد ومنشآت أميركية في العراق وسوريا تتضمن إشارات غير مبررة ولا أساس لها من الصحة”.
ومع اعتبار الهجوم الأمريكي على المواقع الإيرانية داخل سوريا هو الخيار الأكثر ترجيحاً، ناقش نائب وزير الداخلية الإيراني سيد مجيد ميراحمدي، في اجتماع مع نظرائه السوريين الأزمة، وأصر على أن ما يسمى بـ”محور المقاومة” كان على وشك النصر.
وفي محاولة لتهدئة رد الفعل الأمريكي، أعلنت جماعة “كتائب حزب الله العراقية”، المدعومة من إيران، أنها علقت كل عملياتها العسكرية ضد القوات الأمريكية بالمنطقة في قرار يهدف لعدم إحراج الحكومة العراقية، وأوصت عناصرها “بالدفاع السلبي مؤقتاً” في حالة تعرضهم لأي هجوم أمريكي.
من جانبه، قال وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف، إنه يعتقد أن “هالة إسرائيل التي لا تقهر” قد تصدعت.
ولفت في إحدى المقابلات إلى أن “السياسة الخارجية للنظام الإسرائيلي تقوم على محورين: القمع والمناعة”.
وأضاف ظريف، أن سياسة الحرب الإسرائيلية تقوم على ثلاث ركائز: الحرب يجب أن تكون خارج إسرائيل، ويجب أن تكون مفاجئة، ويجب أن تنتهي بسرعة.
وتابع إن محوري السياسة الخارجية لإسرائيل وأركان سياستها العسكرية الثلاثة، قد تم كسرهما بسبب هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول.
لكن إيران نفسها تواجه تحدياتها الخاصة، فقد اندلعت الاضطرابات في جميع أنحاء كردستان بعد إعدام 4 أكراد، الإثنين، اتهمهم النظام بالتعاون مع الموساد وأجهزة المخابرات الإسرائيلية.
وتظهر الصور المتداولة عبر الإنترنت شوارع مهجورة ومحلات تجارية مغلقة في سنندج وسقز ومهاباد وبوكان ودغولان ومدن أخرى.
وتم إعدام الرجال الأربعة، وجميعهم أعضاء في حزب “كومالا” اليساري، بتهمة التخطيط لتفجير في أصفهان الصيف الماضي، بالتعاون مع إسرائيل.
وقال عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان مهدي سعداتي، إن “عمليات الإعدام هذه هي درس لكل من يريد الوقوف ضد إرادة الأمة الإيرانية، لأن الأمة الإيرانية ستعاقبهم على أفعالهم”.
لكن يظل من غير الواضح ما إذا كان القمع الأخير مرتبطًا بالتوتر في إيران، بشأن درجة الدعم للسياسة الخارجية التدخلية للنظام.
وعلى الرغم من أن الدعم للفلسطينيين منتشر على نطاق واسع في المجتمع الإيراني، فإن النظام يشعر بالقلق من أن حالة الاقتصاد والسخط السياسي العام يمكن أن يؤدي إلى انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية في مارس/آذار، مما يقوض ادعاءه بالشرعية.
وفي محاولة لتعزيز المشاركة في التصويت، تضاعف عدد صناديق الاقتراع، ويُمنح المرشحون وقتاً إضافياً على شاشات التلفزيون والراديو في محاولة لخلق جو من الإثارة.
ولا يوجد “تصويت بريدي”، ولكن سيتم نشر العديد من المحطات المتنقلة.
وتم تسجيل نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية لعام 2020 بأقل من 42.5%، مع انخفاض التصويت في العاصمة طهران إلى 26.2% (أدنى الأرقام منذ ثورة 1979).
ومن المتوقع حدوث شيء مماثل هذه المرة، لكن إذا انخفضت نسبة المشاركة إلى أقل من 40%، فسيكون ذلك بمثابة ضربة لهيبة النظام، ويؤكد أن الثورة تنجو من مزيج من القمع والعزل.