سلطت صحيفة “فايننشال تايمز” الضوء على منطقة المثلث الحدودي بين العراق وسوريا والأردن بالتي تشهد توترات متصاعدة، خاصة منذ اندلاع الحرب بقطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، واصفة إياها بأنها برميل بارود ينذر باشتعال مواجهة عسكرية بين إيران والولايات المتحدة.
وذكرت الصحيفة البريطانية، في تقرير أن المنطقة القاحلة تنشط بها القوات الأمريكية وبقايا تنظيم الدولة، إضافة إلى الميليشيات المرتبطة بإيران، إذ يسيطر المسلحون المدعومين من طهران على نقاط التفتيش والقواعد المؤقتة على طول الطريق السريع بين بغداد ودمشق منذ فترة طويلة، وهو لمركز شبكة تهريب ذات قيمة عالية في المثلث الحدودي، الذي يستخدمه المسلحون والعصابات الإجرامية لتهريب المخدرات والأسلحة.
وأصبحت المنطقة بين الأردن وسوريا والعراق أحدث نقطة اشتعال في الأعمال العدائية الإقليمية الآخذة في الاتساع والتي أعادت الولايات المتحدة إلى القتال بالشرق الأوسط، إذ أسفر هجوم بطائرة مسيرة على قاعدة أمريكية صغيرة، شمال شرقي الأردن، تُعرف باسم “البرج 22″، إلى مقتل 3 جنود أمريكيين وإصابة العشرات، وهو أول هجوم من نوعه يقتل جنودًا أمريكيين منذ بدء الحرب في غزة.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن دبلوماسي غربي كبير قوله: “كانت تلك المنطقة لفترة طويلة بمثابة برميل بارود. لقد شعرنا دائمًا بالقلق من دخول القوات الأمريكية والإيرانية في مواجهة مباشرة هناك، سواء عن طريق الصدفة أو عن قصد”.
وضاعف من هذا القلق هجوم قاعدة “البرج 22″، الذي ألقت واشنطن باللوم فيه على “الجماعات المسلحة المتطرفة المدعومة من إيران” وتعهدت بمحاسبة المسؤولين عنه.
وأكد الهجوم على التهديد الذي تتعرض له المصالح الأمريكية من المسلحين المدعومين من إيران والتحدي الذي يواجه الرئيس، جو بايدن، في سعيه لمواجهة هجماتهم مع تجنب الانجرار إلى حرب إقليمية شاملة.
وللولايات المتحدة نحو 3 آلاف جندي في أنحاء الأردن، الحليف القديم، لكن القوات الأمريكية حاليا في أضعف حالاتها بالعراق وسوريا، حيث تحاصرها فصائل معادية، بحسب الصحيفة البريطانية.
واحتفظ الجيش الأمريكي، في إطار التحالف الذي يقوده لمحاربة تنظيم الدولة، بـ 2500 جندي في العراق و900 جندي آخرين في سوريا، معظمهم في الشمال الشرقي الذي يسيطر عليه الأكراد.
وهذان البلدان هما نقطة انطلاق الانتقام الأمريكي من هجوم “البرج 22” على الأرجح، حسبما نقلت الصحيفة البريطانية عن مصادر مطلعة، مشيرة إلى أن سوريا تبدو الأسهل في شن الهجمات الأمريكية، حيث لا تقيم الولايات المتحدة علاقات مع دمشق، حليفة إيران.
أما العراق، فتتعامل معه واشنطن بحذر أكبر، إذ يمثل لإدارة بايدن أحد أكثر التحديات خطورة في المنطقة. فبعد مرور 20 عاما على الغزو الأمريكي للعراق يتضاءل النفوذ الأمريكي فيه، بينما يتصاعد نفوذ طهران بشكل لا مثيل له على النخبة الحاكمة في بغداد.
ومنذ اغتيال قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، عام 2020، في بغداد تعهدت طهران وأقرب حلفائها بطرد الأمريكيين من العراق وتحويله إلى معقل مناهض للولايات المتحدة.
المقاومة الإسلامية
وبينما نأت إيران بنفسها علناً عن هجوم “البرج 22″، لم يكن هناك شك في أن مجموعة داخل شبكة وكلائها كانت مسؤولة عن قتل 3 جنود أمريكيين وإصابة العشرات، خاصة أن جماعة تعرف باسم “المقاومة الإسلامية في العراق” أعلنت مسؤوليتها عن أكثر من 140 هجومًا على القوات الأمريكية في العراق وسوريا منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بما في ذلك هجوم يوم الأحد الماضي على قاعدة التنف في سوريا، على بعد حوالي 20 كيلومترًا من “البرج 22”.
وظهرت هذه الميليشيات المدعومة من إيران في العراق لتصبح قوى عسكرية وسياسية قوية تضم عشرات الآلاف من المقاتلين، الذين ارتفع نفوذهم بشكل كبير بعد أن ساعدوا في هزيمة تنظيم الدولة في العراق، بالتوازي مع جهود التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، على الرغم من وقوف الجانبين بقوة على طرفي نقيض.
وجرى دمج بعض الجماعات المسلحة جزئيًا في مؤسسات الدولة العراقية، ويشغل قادتها مناصب داخل الائتلاف الحاكم، وتميل حاليا إلى أن تتمتع بأجنحة سياسية وقاعدة اجتماعية قوية.
وفي السياق، قال مدير مبادرة العراق في تشاتام هاوس، ريناد منصور، إن بعضا من هذه الجماعات لديها “أجندة محلية تحركها المصالح السياسية والاقتصادية”، أما البعض الآخر فهي أقرب إلى الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني، و”يجب فهم دورها على أنها عابرة للحدود الوطنية”.
وأوضح أن هذه الجماعات “مصممة لنوع من الحرب الإقليمية. فجماعات المقاومة هذه ليست مهتمة بالسياسة الوطنية أو الحكم، وتنظر إلى دورها باعتبارها جزء من صراع أوسع ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، ويهاجمونهما عندما تشتعل التوترات بين الولايات المتحدة وإيران”.
ولطالما عارضت هذه الجماعات وجود القوات الأمريكية في العراق، وأدى هذا الضغط مؤخرًا إلى تجديد المحادثات بين واشنطن وبغداد حول مستقبل وجود التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في البلاد.
((3))
لكن الجماعات المناهضة للولايات المتحدة في العراق منقسمة، إلى حد ما، في نهجها، فالمجموعات المشاركة في الائتلاف الحاكم تشعر بالقلق من تحويل العراق إلى دولة منبوذة أخرى مثل إيران، وهو ما من شأنه أن يقطعها عن الأسواق الدولية وإمداداتها الحيوية بالدولار الأمريكي.
بينما يتعرض هذا الخط للتحدي من قبل الجماعات الأقرب إلى إيران، التي تريد القضاء على الوجود الأمريكي في العراق، مسترشدة بالفصائل التي تسميها طهران “محور المقاومة”.
انتقام بايدن
وفي مواجهة الهجمات التي تشنها المقاومة الإسلامية في العراق، ردت القوات الأمريكية بمجموعة من الضربات الجوية، وقتل أحدها في بغداد قائدا كبيرا في ميليشيا متحالفة مع إيران هذا الشهر. وفي هذا الإطار، قالت الزميلة الاستشارية في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، ريم ممتاز، إن واشنطن تواجه تحديًا في “معايرة” ردها على هجوم “البرج 22″، سواء كان متعمدًا أم ناتج عن خطأ في التقدير، مشيرة إلى أن “انتقام إدارة بايدن لا يمكن أن يكون على غرار مبدأ العين بالعين”.
وأوضحت: “إن إدارة بايدن بحاجة الآن إلى استعادة ردع قدرة الجماعات المسلحة المدعومة من إيران في المنطقة على مهاجمة القوات الأمريكية”.
ولطالما كانت إدارة بايدن حريصة على تقليص وجود قواتها في الشرق الأوسط، لكنها مترددة في أن ينظر إليها على أنها تنسحب تحت ضغط الهجمات المسلحة، وأصرت على أن المحادثات حول وجودها في العراق لا علاقة لها بالتصعيد الأخير.
ولذا نقلت الصحيفة البريطانية عن الدبلوماسي الغربي الكبير قوله إن الهجوم على “البرج 22″ تجاوز خطًا أحمر و”قد يجبر واشنطن على إعادة التقييم. فآخر مرة قُتل فيها أمريكي عام 2019، قرر الرئيس السابق، دونالد ترامب، اغتيال قاسم سليماني”.
وشدد الدبلوماسي: “يجب أن يكون هناك رد قوي على ضربة يوم الأحد وإلا فإن بايدن سيرسل رسالة إلى إيران مفادها أن الولايات المتحدة ضعيفة وتم ردعها”.