د. شهاب المكاحله
تشير التقارير الأخيرة المتعلقة بقرار واشنطن مواجهة أنصار الله الحوثيين في اليمن إلى تصعيد مقلق قد تكون له عواقب بعيدة المدى. وتشير خطط البنتاغون بشن غارات تستهدف مواقع الحوثيين في الحديدة وحجة، كما أوردت صحيفة «وول ستريت جورنال»، إلى أن الوضع من المرجح أن يتصاعد أكثر في الأيام والأسابيع القادمة.
وفي حين أن نية واشنطن قد تكون إرسال رسائل بدلاً من الانخراط في مواجهة كبرى، إلا أن المخاطر كبيرة، خاصة بالنظر إلى قرار الحوثيين بمنع السفن الإسرائيلية من عبور البحر الأحمر حتى يتوقف العدوان على غزة. وقد يتطور الأمر إذا ما فكر الحوثيون في مواجهة محتملة مع الأساطيل الأميركية في المنطقة.
وفي حديث سابق مع عدد من الخبراء الاستراتيجيين والأمنيين والعسكريين، اتفق الجميع على أن تحركات الشطرنج المحتملة فوق رقعة الشطرنج الشرق أوسطية قد تصب في مصلحة روسيا والصين إن حصل ما لا تُحمد عقباه.
ومن خلال التفكير في احتمال نشوب مواجهة عسكرية كبرى في الشرق الأوسط، يصبح من الواضح أن مثل هذا الحدث من شأنه أن يخدم روسيا والصين استراتيجيا. ويكمن محور هذا السيناريو في دفع أسعار الغاز والنفط إلى الارتفاع، وهذا في مصلحة روسيا لأنه يعزز بشكل كبير خزائن موسكو المالية، ما يزيد الضغوط على دول الاتحاد الأوروبي ويضعف سلاسل التوريد.
الصراع في الشرق الأوسط لن يؤدي فقط إلى تحويل انتباه واشنطن من الشرق الأقصى فقط بل وسيشتت موارد البنتاغون، ما يجبرها على توزيع الأسلحة المتاحة بين أوكرانيا وحلفائها في الشرق الأوسط. وهنا يصب الأمر في مصلحة الصين لأن ذلك سيقلب الموازين في مضيق تايوان لصالح الصين بسبب تحويل تركيز واشنطن من الباسيفيك الى الشرق الأوسط والمضائق المائية: هرمز، وباب المندب وقناة السويس. ومن الممكن أن تؤدي هذه النتيجة متعددة الأوجه إلى إعادة تشكيل الديناميكيات الجيوسياسية بطريقة تتماشى مع المصالح الروسية والصينية.
وفي ظل الظروف الحالية، فإن روسيا قد تعارض سعي إيران إلى امتلاك القدرات النووية. ومع ذلك، فإن الأزمة المستمرة في أوكرانيا وحاجة موسكو الملحة إلى طهران للتصدي للخطط الأميركية، قد يزيد من طموحات طهران النووية. فتمكين طهران من تعزيز قدراتها العسكرية إلى مستوى يمكن من خلاله مواجهة الضربات الإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية بشكل فعال سيكون كافياً. ومن الممكن أن تجبر هذه الخطوة الاستراتيجية إسرائيل على توجيه ضربة استباقية ضد إيران، ما يؤدي بالتالي إلى اندلاع حرب إقليمية.
إن سياسة واشنطن اليوم هي سياسة ردع تهدف إلى منع طهران وحلفائها من التحكم بالاقتصاد العالمي عبر السيطرة على الممرات المائية لذلك بتنا نرى عودة الولايات المتحدة بأساطيلها الى البحار الدافئة والبقاء في المياه الجيوسياسية المحفوفة بالمخاطر.
القرار الذي أصدره مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لا يغير الديناميكيات الأساسية الموجودة. وما يزال المجتمع الدولي ينظر إلى الوضع في البحر الأحمر باعتباره نتيجة لاستخدام واشنطن حق النقض (الفيتو) لمنع التوصل إلى قرار لوقف إطلاق النار في غزة. وبدون قرار يلزم إسرائيل بوقف عدوانها، فمن غير المعقول مطالبة الحوثيين بالتوقف عن أساليب الضغط لتحقيق وقف إطلاق النار المنشود حسب ما يراه بعض السياسيين.
ولم تقلل قرارات مجلس الأمن السابقة ضد الحوثيين من مواقفهم المعارضة للسياسة الأميركية إذ يرون أن سعي واشنطن نحو المواجهة ينطلق من موقع الضعف من خلال اصطفافها مع تل أبيب التي لا تملك ترف الوقوع في هزيمة استراتيجية تهدد وجودها.
إن الدعم الساحق لوقف إطلاق النار في غزة، والذي صوتت له 153 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة وأيدته 13 دولة في مجلس الأمن، يسلط الضوء على الضرورة الإنسانية العالمية. لكن الفيتو الأميركي حال دون تبني القرار في مجلس الأمن، كما أن عدم توفر الأدوات الفعالة أعاق تنفيذه في الجمعية العامة التي هي بمثابة هيئة تشريعية بينما السلطة التنفيذية تتمثل بمجلس الأمن وهو ما دفع جنوب أفريقيا لتقديم دعوى ضد إسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية، الذراع القضائية للأمم المتحدة.
علاوة على ذلك، فإن دخول إيران مؤخراً إلى البحر الأحمر، والذي تجسد في السيطرة على ناقلة نفط أميركية، يفتح الباب أمام تصعيد موازٍ. ومع صعوبة تهدئة الأجواء دون وقف العدوان على غزة، والصراعات المستمرة على حدود إسرائيل من الشمال وعلى حدود لبنان، وركود الأفق السياسي، فإن المنطقة على برميل بارود.
وفي الختام، فإن قرار واشنطن بمواجهة الحوثيين في اليمن هو مسار خطير يهدد بتفاقم الوضع أكثر. ومن الضروري إعطاء الأولوية للجهود الدبلوماسية، ووقف العدوان على غزة، والسعي إلى حل سلمي يدعم السيادة الوطنية والكرامة لجميع الأطراف المعنية. التصعيد لا يؤدي إلا إلى المزيد من العنف وعدم الاستقرار، لا يكون فيه رابح لأن الجميع خاسرون في النهاية في أي مواجهة عسكرية يدفع ثمنها الشعوب.