د. شهاب المكاحله
نوقشت ورقة عمل في إحدى عواصم صنع القرار العالمي حول أثر حرب في الشرق الأوسط على مستقبل الإسلام السياسي. فقد كان الشرق الأوسط منذ فترة طويلة مركزاً للصراعات والتوترات الجيوسياسية. في الوقت الذي تتعرض المنطقة لصراعات معقدة، فإنه من الأهمية بمكان أن ننظر إلى العواقب المحتملة لحرب يشارك فيها الغرب، وخاصة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، ضد الحوثيين وإيران أو ما يسمى بـ”محور المقاومة”. وينطوي مثل هذا السيناريو على مخاطر كبيرة، بما في ذلك عودة الإسلام السياسي والتطرف، وهو ما قد يعيد تشكيل المشهد الإقليمي بشكل جذري بما يشي بعواقب بعيدة المدى.
لقد وفرت الصراعات في الشرق الأوسط تاريخياً أرضاً خصبة لصعود الإسلام السياسي. وكثيراً ما أدى قمع الأصوات المعتدلة، والمظالم الاجتماعية والاقتصادية، وغياب الحكم الشامل، إلى تشجيع حركات الإسلام السياسي لدى من يسعون إلى التغيير والتمكين. فرغم أن الجماعة واجهت انتكاسات في الأعوام الأخيرة، فإن صراعاً واسع النطاق يشمل الغرب وإيران قد يخلق بيئة مواتية لعودة الإسلام السياسي إلى الظهور كقوة شعبية مؤثرة بسبب زعزعة الاستقرار وفراغ السلطة وتداعيات حرب إسرائيل على غزة.
إن حرباً كبرى في الشرق الأوسط ستؤدي حتماً إلى زعزعة الاستقرار على نطاق واسع، وإضعاف مؤسسات الدولة وخلق فراغ في السلطة. وتوفر مثل هذه الظروف أرضاً خصبة للجماعات المتطرفة لاستغلال الفوضى وتأكيد نفوذها. فما هي تلك الديناميكيات؟
الصراع الذي يشمل الغرب وإيران من شأنه أن يخلف تأثير الدومينو “Domino Effect ” على التحالفات والديناميكيات الإقليمية. وقد يسعى الغرب في سبيل ذلك إلى دعم الإسلام السياسي لمواجهة نفوذ إيران. وهذا من شأنه أن يزيد من تمكين هذه الجماعات وإضفاء الشرعية عليها، وإعادة تشكيل المشهد السياسي الإقليمي. لذلك فإن عودة ظهور الإسلام السياسي من شأنه أن يشكل تحديات كبيرة للمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان لأن هذه المجموعات تعطي الأولوية لأجنداتها الأيديولوجية على حساب التعددية وحقوق الأقليات والمساواة بين الجنسين. فالتقدم الذي تم تحقيقه بشق الأنفس نحو الإصلاحات الديمقراطية في المنطقة يمكن أن يتم تقويضه.
من الناحية السياسة الخارجية للولايات المتحدة، كان الإسلام السياسي عاملاً معقدا، إذ تبنت إدارة ترامب بشكل ملحوظ موقفا تصادميا خلال فترة ولايته. وقد أدت التحديات التي تفرضها الجماعات الإسلامية إلى اتخاذ تدابير مثل فرض قيود على السفر، والخطاب السلبي، والتركيز القوي على مكافحة الإرهاب. من المهم أن ندرك أن تأثير الإدارات الاميركية المستقبلية على الإسلام السياسي سيكون متعدد الأوجه ويتوقف على مجموعة من الاعتبارات الإقليمية والدولية والمحلية.
خلال رئاسة ترامب، ظهر نهج أكثر تصادمية تجاه بعض الجماعات والأفراد الإسلاميين كسمة مميزة. وعكس التركيز على تدابير مكافحة الإرهاب تصميم الإدارة على معالجة التهديدات المرتبطة بالإسلام السياسي. ومع ذلك، فإن فهم مسار الإسلام السياسي يتطلب الاعتراف بالديناميكيات الجيوسياسية الأوسع والصراعات الإقليمية التي تشكل معالمه. إن تصرفات واستراتيجيات الحركات الإسلامية نفسها تساهم بشكل كبير في هذه الظاهرة المتطورة. الإسلام السياسي يستجيب للعديد من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ما يجعله قوة ديناميكية تتكيف مع الظروف المتغيرة.
ومع مضي الولايات المتحدة قُدماً نحو الانتخابات الرئاسية، فإن النهج الذي ستتبعه أي إدارة أميركية في التعامل مع الإسلام السياسي سوف يتشكل من خلال تفاعل دقيق بين الأولويات الداخلية وأهداف السياسة الخارجية. الشرق الأوسط، إلى جانب مناطق أخرى، يقدمان مشهداً معقداً يتطلب فهماً شاملاً للتعقيدات التي ينطوي عليها اتخاذ أية قرارات سياسية أميركية فيما بعد مع مراعاة تبدل التحالفات.
ومن الضروري أن ندرك أن الإسلام السياسي ليس كياناً متجانساً، بل هو طيف متنوع من الأيديولوجيات والحركات. قد تختلف النهج المستقبلية بناءً على الطبيعة المتطورة للمشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي على الصعيدين المحلي والدولي.
إن التعقيدات المحيطة بالإسلام السياسي تتطلب اتباع نهج دبلوماسي واستراتيجي يوازن بين المخاوف الأمنية الوطنية وضرورة التعامل مع المجتمعات المختلفة بما يخدم المصالح دون الاضرار بمصالح الحلفاء التقليديين لواشنطن. ويتعين على الإدارات المستقبلية أن تنظر في تأثير الإسلام السياسي في سياق الديناميكيات العالمية المتطورة، مع الاعتراف بأن سياسة مقاس واحد يناسب الجميع قد لا تكون فعالة أو مستدامة.
في الختام، يتطلب التنقل في تضاريس الإسلام السياسي فهماً دقيقاً لطبيعته المتعددة الأوجه. ويجب على الإدارات المستقبلية أن تزن بعناية الأولويات المحلية، وأهداف السياسة الخارجية، والديناميكيات المتطورة للمناطق المتأثرة بالإسلام السياسي. وسيكون اتباع نهج شامل وقابل للتكيف أمراً حيوياً لمواجهة التحديات والفرص التي توفرها هذه الظاهرة المعقدة والمتطورة. فعودة الإسلام السياسي كجهة فاعلة مؤثرة سيكون لها تداعيات تتجاوز منطقة الشرق الأوسط. ومن الممكن أن يؤدي ذلك إلى تفاقم التوترات بين الغرب وعدد من الدول الشرق أوسطية، وربما يؤدي إلى تغذية التطرف وزيادة خطر الإرهاب العالمي في عصر أصبح الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط هشاً. ومن هنا، فمن الضروري أن ندرك العواقب المحتملة لأي تصعيد للصراعات بين الغرب والحوثيين وإيران لأن ذلك من شأنه عودة الإسلام السياسي بقوة بما يشكل تحديات هائلة للاستقرار الإقليمي، والديمقراطية، وحقوق الإنسان. وبدلاً من ذلك، ينبغي أن تركز الجهود على الحلول الدبلوماسية، والحكم الشامل، ودعم الأصوات المعتدلة لتعزيز الاستقرار والترويج لشرق أوسط أكثر ازدهاراً وسلاماً لا يكون عبر “حارس الازدهار”.