د. شهاب المكاحله
ستعُقد انتخابات وطنية في أكثر من ٨٠ دولة في ٢٠٢٤ وهو رقم لن يتم الوصول إليه مرة أخرى حتى عام ٢٠٤٨. ولعل اهم تلك الانتخابات هي تلك التي ستقام في نوفمبر من هذا العام في الولايات المتحدة لما لها من أهمية وتأثيرات حول كيفية التعاطي مع الصين ووسيا وقضايا الشرق الأوسط ومنها الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
حاليا يشكل التصويت الأميركي أهمية كبرى بالنسبة للعلاقات مع الصين، وهناك انتخابات مهمة في الكثير من الدول منها الهند والمكسيك وكندا وروسيا وباكستان وعدد من دول الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وتايوان وإندونيسيا منن بين دول أخرى، في ظل خطر نشوب صراع أوسع في الشرق الأوسط.
المشهد السياسي
سيتأثر أكثر من ٢.٥ مليار شخص – أي ثلث سكان العالم – بالانتخابات في عام ٢٠٢٤، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وتايوان والهند وروسيا وكندا واندونيسيا وباكستان. بعض تلك الانتخابات سيكون لها آثار عالمية كبيرة، على الرغم من أن التأثيرات الكاملة لن تظهر في كثير منها حتى العام ٢٠٢٥.
ستُجرى انتخابات ٢٠٢٤ في وقت يشهد فيه العالم حالة اشبه بالحقبة التي سبقت الحرب العالمية الثانية تماما مع استمرار العملية الروسية في أوكرانيا وتصاعد الصراع في الشرق الأوسط ومواجهة جيوسياسية بين الصين والولايات المتحدة. ومن شأن الانتخابات في روسيا وأوكرانيا وتايوان أن ترفع درجة حرارة المواجهة العالمية.
تعد الانتخابات الرئاسية الأميركية أهم حدث سياسي في العام ٢٠٢٤. وسيخلق فوز الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قدرا كبيرا من حالة عدم اليقين على مستوى العالم إذ قد يتراجع عن إصلاحات الرئيس جو بايدن الرئيسة. وسوف تصبح السياسة الأميركية صعبة التنبؤ خاصة فيما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط وروسيا.
في يونيو ويوليو، هناك انتخابات البرلمان الأوروبي لتعيين مفوضية جديدة للاتحاد الأوروبي. وفي المملكة المتحدة، من المرجح أن يتراجع حزب المحافظين بعد ١٤ عاما في قيادة الحكومة. وفي كثير من الحالات، سيكون للديناميكيات الانتخابية في الغرب تأثيرات مباشرة في أماكن أخرى من العالم، وستكون الصعوبات الاقتصادية هي الموضوع المهيمن في المرحلة القادمة لأنه من المتوقع ان يشهد العالم أزمة في الأمن الغذائي وأزمات مالية لأعوام تسببها الازمة الاقتصادية التي ستدفع العالم الى تشكيل تحالفات جديدة قبيل الحرب الكونية الثالثة في ظل الاستمرار في نهج الحمائية.
الانتخابات الرئاسية الأميركية – نوفمبر ٢٠٢٤
وستكون الانتخابات مثيرة للانقسام الشديد بين الناخبين. في حين أن إدارة بايدن الثانية ستوفر الاستمرارية للسياسات، إلا أن إدارة ترامب الثانية ستكون مليئة بالمفاجآت إذ لا يمكن التنبؤ بها. ولا تزال مواقفه السياسية غير واضحة إلى حد كبير، وهي عرضة للتغيير. سوف يستمر أي من المرشحين في انتهاج سياسة صناعية وحمائية كبيرة. ومن المحتمل أن تسعى إدارة ترامب إلى عكس بعض إصلاحات بايدن، على سبيل المثال، تقليص قانون خفض التضخم (IRA) وخفض حوافز الطاقة النظيفة، والتركيز بشكل أقل على الاعتبارات البيئية والاجتماعية والحوكمة.
على الرغم من أن التركيز سوف يكون محلياً، إلا أن التوتر الإقليمي في الشرق الأوسط والصراع في أوكرانيا سوف يكونا محل اهتمام المرشحين. وقد يخفض ترامب دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا، وقد تعود التوترات مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي إلى الظهور. إن الموقف المتشدد تجاه الصين يحظى بدعم الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ومن الممكن أن تعمل الإدارة الجمهورية على تعزيز هذا الموقف بشكل أكبر. ومن المرجح أن يتراجع دعم المؤسسات الدولية.
انتخابات الاتحاد الأوروبي – يونيو/يوليو ٢٠٢٤
ستتم عملية الانتقال السياسي للاتحاد الأوروبي في يونيو ويوليو ٢٠٢٤على مرحلتين إذ سينتخب مواطنو الاتحاد الأوروبي أعضاء جددا في البرلمان الأوروبي في الفترة من ٦ إلى ٩ يونيو، ثم ستقوم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بإجراء التعيينات الرئيسة، بما في ذلك الرئيس الجديد للمفوضية الأوروبية والمفوضين.
وتشير استطلاعات الرأي الحالية إلى برلمان أوروبي أكثر انقساماً ولا يمكن التنبؤ به. ومن المتوقع أن يظل حزب الشعب الأوروبي الذي ينتمي إلى يمين الوسط هو أكبر مجموعة سياسية، في حين يمكن لليمين الوطني المحافظ أن يحقق مكاسب كبيرة. ومن الممكن أن يتقدم في أقصى اليسار، على حساب الوسط.
وفي ولاية المفوضية الجديدة التي تمتد لخمس سنوات، من المتوقع بعض التصحيحات في مسار الأجندة السياسية الشاملة. وستتعرض ميزانية الاتحاد الأوروبي لضغوط، ما يؤثر على سياسات الإنفاق على الزراعة والصناديق الهيكلية والدفاع. وسوف يظل الأمن الاقتصادي والاستقلال الاستراتيجي من الأهداف السياسية الرئيسة لمواجهة الولايات المتحدة والصين. ومن شأن عدم اليقين بشأن الانتخابات الأمريكية أن يعزز هذا التوجه.
الانتخابات الرئاسية في تايوان – يناير ٢٠٢٤
فالعلاقات بين الصين وتايوان متوترة، وقد تكون الانتخابات الرئاسية في تايوان التي من المتوقع انعقادها في ١٣ يناير بمثابة نقطة اشتعال. إن مسألة الصين تشكل دائماً أهمية مركزية في الانتخابات التايوانية، حيث يتبنى المرشحون مواقف مؤيدة للقومية أو ذات توجهات تميل إلى البر الرئيسي. ورغم أن القضايا الداخلية سوف تظل في أذهان العديد من الناخبين، فإن الصين سوف تقرأ النتائج باعتبارها مؤشراً على ما إذا كانت إعادة التوحيد السلمي أم أن هناك مواجهة تلوح في الأفق.
وفي الوقت الحاضر، يتقدم نائب رئيس الحزب الديمقراطي التقدمي الحالي والناقد لسياسات بكين، لاي تشينج تي. ومع ذلك، إذا تمكنت شخصيات معارضة ذات ميول قريبة من الصين من تشكيل ائتلاف، فقد تتمكن من هزيمته. ومن شأن انتصار الحزب الديمقراطي التقدمي أن يزيد من التوترات مع الصين، مع ما يترتب على ذلك من عواقب على الشركات، مثل قطاع التكنولوجيا، الذي يعتمد على التجارة والاستثمار عبر المضيق. ومن الممكن أن يكون للارتفاع الحاد في التوترات آثار أوسع نطاقا، مثل فرض عقوبات على الشركات وهذا من شأنه أن يخلف آثاراً في أماكن أخرى، على سبيل المثال في حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية.
ومن الممكن أن يؤدي انتصار المعارضة إلى تخفيف التوتر بين تايوان والبر الرئيس للصين على المدى القصير، بما في ذلك المبادرات المحتملة لتعزيز التكامل الاقتصادي عبر المضيق. ولكنه لن يحل معضلة مستقبل تايوان على المدى البعيد.
الانتخابات العامة في المملكة المتحدة – ربيع أو خريف ٢٠٢٤
وفي انتخابات المملكة المتحدة (من المرجح أن تكون في الربيع أو الخريف) سيكون تركيز الحملات الانتخابية على القضايا المحلية، ولا سيما الاقتصاد والخدمات العامة والهجرة. وتشير استطلاعات الرأي الحالية إلى وجود احتمال كبير بأن يشكل حزب العمال الحكومة المقبلة. وأياً كان الفائز فسوف يواجه تحديات كبيرة: ضعف الإنتاجية والنمو الاقتصادي، وضغوط المالية العامة، والخدمات العامة التي تحتاج إلى الإصلاح والاستثمار.
وسوف تستمر ركائز النهج المعارض الذي يتبناه حزب العمال: الانضباط المالي والشراكة مع القطاع الخاص لدفع النمو الاقتصادي. وبينما هو متوقع استمرارية السياسة في العديد من القضايا، إلا أن هناك بعض القضايا، مثل التوظيف وحقوق النقابات العمالية، حيث يمكن لحزب العمال إجراء تغييرات يراها مناسبة.
ولن يتغير نهج المملكة المتحدة في التعامل مع روسيا والصين. وسيسعى حزب العمال إلى إقامة علاقة أفضل مع الاتحاد الأوروبي، لكنه قد يجد صعوبة في الحصول على الدعم إذا لم يكن مستعدًا للنظر في تحول كبير في الاتحاد الجمركي أو السوق الموحدة. وسيكون ذلك مبررا للتقارب مع الاتحاد الأوروبي.
الانتخابات العامة في الهند – أبريل/مايو ٢٠٢٤
يهيمن حزب بهاراتيا جاناتا الذي يتزعمه ناريندرا مودي على السياسة الهندية منذ عام ٢٠١٤ ويتمتع بدعم كبير ــ ويرجع ذلك جزئيا إلى الأداء الاقتصادي القوي. ومن المتوقع أن يفوز مودي على راهول غاندي، زعيم ائتلاف المعارضة. لكن ستُجرى الانتخابات الكبرى في خمس ولايات من الآن وحتى إبريل/نيسان المقبل، وهو ما قد يمنح حزب بهاراتيا جاناتا أو المعارضة زخمًا إضافيا.
وسوف تستمر حكومة مودي الثالثة في إعطاء الأولوية للإصلاحات الداعمة للأعمال التجارية والسعي إلى تعزيز النفوذ الهندي على المستوى الدولي. وسوف تظل محايدة بشأن بعض القضايا المثيرة للجدل مثل الحرب في أوكرانيا، وستستمر في تقديم نفسها كزعيم للعالم النامي. ومن المرجح أن يتفاقم التوتر بين الهند والصين، وسوف تتطور علاقات الهند مع الولايات المتحدة.
الانتخابات الرئاسية الروسية – مارس ٢٠٢٤
من المقرر أن تعقد روسيا الجولة الأولى من انتخاباتها الرئاسية في مارس/آذار، مع احتمال إجراء جولة ثانية في إبريل/نيسان، ومن المفارقات أن ذلك يتزامن مع الانتخابات الرئاسية في أوكرانيا. وسوف يظل النهج الذي تتبناه روسيا في التعامل مع الحرب في أوكرانيا دون تغيير ــ فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين يراهن على تلاشي الدعم الغربي لأوكرانيا. فبوتين يريد أن يفوز ترامب في الولايات المتحدة. وسوف تستمر الحرب في التأثير على الاقتصاد الروسي، الأمر الذي قد يتطلب المزيد من التدابير لدعم العملة.
العالم يترقب نتائج تلك الانتخابات في ٨٠ دولة لكنه عيون الجميع على واشنطن لأنها ستحدد بوصلة العالم خلال ٤ سنوات قادمة.