الرئيسية / أخبار / تصعيد هجمات البحر الأحمر.. صعوبة ردع الحوثيين تعقد جهود السلام في اليمن

تصعيد هجمات البحر الأحمر.. صعوبة ردع الحوثيين تعقد جهود السلام في اليمن

سلطت صحيفة “نيويورك تايمز” الضوء على قدرات جماعة أنصار الله اليمنية (الحوثيين) ودورها في إطار حرب غزة، وردها المتوقع على عملية “حارس الازدهار”، التي أطلقتها الولايات المتحدة وحلفائها في البحر الأحمر لحماية السفن التجارية المتجهة إلى إسرائيل، مشيرة إلى أن التصعيد الحالي قد يعقد جهود السلام في اليمن.

وذكرت الصحيفة الأمريكية، أن الجماعة اليمنية لم تستغرق وقتا طويلا لإعلان رفضها إعلان الولايات المتحدة قيادة قوة عمل بحرية دولية لمواجهة الهجمات على السفن في البحر الأحمر، وفي غضون ساعات، كان مسؤول حوثي كبير يقوم بجولات على القنوات التلفزيونية العربية، واصفاً هجمات جماعته على السفن التجارية بأنها معركة عادلة لإجبار إسرائيل على إنهاء حصارها على غزة.

وسخر كبير مفاوضي الحوثيين، محمد عبد السلام، من إعلان تشكيل القوة، مؤكدا أن الجيوش الغربية أمضت أسابيع بالفعل في محاولة ردع أنصار الله، ولذا فإن فرقة العمل التي تم الإعلان عنها هذا الأسبوع “ليست جديدة”.

وحذر عبدالسلام من أي محاولة لهجوم أمريكي على اليمن بشكل مباشر، لأن ذلك “قد يؤدي إلى تحويل الحرب في غزة إلى حريق دولي”، حسب وصفه.

وفي السياق، قال عبد الله بن عامر، وهو مسؤول حوثي رفيع المستوى في إدارة تابعة لوزارة الدفاع في صنعاء، التي تديرها أنصار الله: “الموقف اليمني واضح”، مشيرا إلى أن التصعيد الحوثي في البحر الأحمر سيتوقف عندما “تتوقف الحرب الإسرائيلية على أهل غزة”.

وذكرت الصحيفة الأمريكية أن حرب غزة دفعت جماعة أنصار الله إلى دائرة الضوء العالمية غير المتوقعة، وبينما تعاملت العديد من الحكومات العربية مع الحرب من خلال المساعدات والدبلوماسية، شرع الحوثيون في هجوم عسكري ناري، ما زاد من شعبيتهم في جميع أنحاء المنطقة، خاصة بعدما أطلقوا طائرات مسيرة وصواريخ على جنوب إسرائيل وتعهدوا بمنع جميع السفن المتوجهة إلى الموانئ الإسرائيلية من المرور عبر مضيق باب المندب بالقرب من اليمن، وهو نقطة اختناق رئيسية للتجارة العالمية.

وبعد إحباط معظم هجماتهم، اختطف الحوثيون، الشهر الماضي، سفينة تجارية، وفي هذا الشهر ضربوا سفينة نرويجية بصاروخ، ما أدى إلى اشتعال النيران فيها.

ودفعت هذه الهجمات أكبر شركات الشحن في العالم إلى إعادة توجيه السفن، ما أدى إلى تعطيل التجارة العالمية وزيادة أسعار النفط.

ردع صعب

وقال يوئيل جوزانسكي، وهو مسؤول إسرائيلي سابق وزميل باحث كبير في معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب: “المشكلة مع الحوثيين هي أنه من الصعب للغاية ردعهم”، مشيرا إلى أن سنوات الحرب الأهلية في اليمن صقلت قدرات الجماعة وأكسبتها شجاعة واضحة.

وفي عام 2014، استولى الحوثيون على العاصمة اليمنية صنعاء، وأطلق التحالف الذي تقوده السعودية تدخلاً عسكرياً في محاولة لدحرهم، لكنه فشل في النهاية، تاركاً أنصار الله في السلطة بشمال اليمن، وهناك أنشأت الجماعة “دولة نموذجية فقيرة تحكمها بقبضة من حديد” حسب تعبير الصحيفة الأمريكية.

وحتى الزعيم الفعلي للمملكة العربية السعودية، ولي العهد الأمير، محمد بن سلمان، الذي قاد الحملة العسكرية التي استمرت لسنوات ضد الحوثيين، وقال ذات مرة إنه “لن تقبل أي دولة أن تكون لها ميليشيا على حدودها”، بدا غير مهتم بمواجهتهم اليوم، إذ بات أكثر تركيزا على التنمية الاقتصادية.

وفي السياق، قالت ندوى الدوسري، الباحثة غير المقيمة في معهد الشرق الأوسط: “كل هذا يعزز تصورهم بأنهم على الطريق الصحيح وأن الله إلى جانبهم”.

وقبل الحرب في غزة، كان الحوثيون على وشك التوقيع على اتفاق مدعوم من الولايات المتحدة والسعودية يمهد الطريق لعملية سلام في اليمن، لكنهم كانوا يواجهون استياءً عامًا، حيث عانى اليمنيون من نقص الخدمات الأساسية وظل موظفو الخدمة المدنية لسنوات دون رواتب، ما ساهم في انتشار الجوع على نطاق واسع.

وقال فارع المسلمي، زميل باحث في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس، وهي مجموعة بحثية مقرها في لندن، إن الحرب في غزة كانت بمثابة “حلم أصبح حقيقة” بالنسبة لأنصار الله.

ولعقود من الزمن، رسخ الحوثيون أيديولوجيتهم على العداء تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل، ودعم القضية الفلسطينية، وجعلوا عبارات: “الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود” جزءا من شعار المجموعة.

كما أصبحت أنصار الله ذراعاً مهماً لـ”محور المقاومة” الإيراني، الذي يضم جماعات مسلحة في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وقال محللون مقربون من الحكومة الإيرانية إن قاعدة الحوثيين في اليمن تجعلهم في وضع مثالي لتصعيد الصراع الإقليمي.

وفي السياق، قال المسلمي إن الحوثيين لديهم الآن فرصة ليعيشوا روايتهم، مضيفًا: “يمكنهم بالفعل الدخول في حرب مع إسرائيل”.

ووصف الحوثيون هجماتهم البحرية بأنها محاولة لتأمين التدفق الحر للمساعدات الإنسانية إلى غزة، حيث يكافح أكثر من مليوني فلسطيني للحصول على الغذاء والماء.

وقال المسؤول الحوثي، بن عامر: “ما يحدث في باب المندب ليس سوى صدى أو نتيجة لما يحدث في غزة”.

وبينما وصف إيلون ليفي، المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية، هجمات الحوثيين بأنها “نداء استيقاظ مهم”، مشددا على أنه “سيتم التصدي لتهديدهم”، نقلت الصحيفة الأمريكية عن محللين يمنيين قولهم إن دوافع أنصار الله وتاريخها يعقدان محاولات ردعها، وهو درس تعلمه التحالف الذي تقوده السعودية خلال 8 سنوات من الحرب.

وبينت الصحيفة أن خطر نشوب حرب إقليمية أوسع نطاقا يلوح في الأفق بسبب الجهود المبذولة للتصدي للهجمات البحرية، حيث قال مسؤولان أمريكيان إن المخططين العسكريين الأمريكيين أعدوا أهدافا أولية للحوثيين في اليمن إذا أمر كبار مسؤولي إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بشن ضربات انتقامية على الرغم من أن مسؤولين عسكريين يقولون إن البيت الأبيض لم يظهر أي رغبة في الرد عسكريا على الحوثيين والمخاطرة بتصعيد أوسع.

حشد الحلفاء

وأضافت أن الحرب في غزة تثير الحزن والغضب بين المواطنين العرب وتلقي ضغوطا على زعماء الدول العربية، ولذا فإن الولايات المتحدة تجد صعوبة في حشد بعض الحلفاء، إذ انضمت دولة عربية واحدة فقط إلى القوة البحرية المشتركة، هي مملكة البحرين، وأعلن بعض مواطنيها عن خطط للاحتجاج على مشاركة حكومتهم في تلك القوة.

ووفق مصدر، أطلعه وسطاء التفاوض مع الحوثيين من سلطنة عمان، الذي تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم، فإن الحوثيين لن يوقفوا هجماتهم إلا بوقف لإطلاق النار في غزة.

وقال وزير الخارجية السعودي الأمير، فيصل بن فرحان في مقابلة تلفزيونية هذا الشهر: “نحن ملتزمون بإنهاء الحرب في اليمن، وملتزمون بوقف دائم لإطلاق النار يفتح الباب أمام عملية سياسية”، كما قال تيم ليندركينغ، المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، في مقابلة أخرى: “الجميع يبحث عن طريقة لتهدئة التوترات”.

(())

ومع ذلك، فحتى قبل الحرب في غزة، كانت هناك دلائل على أن اتفاق السلام في اليمن الذي تسعى إليه السعودية والولايات المتحدة يواجه عقبات، بما في ذلك التوترات بين السعودية والإمارات، إذ تسيطر جماعة انفصالية مدعومة من الإمارات على جزء كبير من جنوب اليمن، وانتقدت عملية السلام علانية.

وقالت ندوى الدوسري: “إن الصفقة في حد ذاتها معيبة للغاية. فالرياض تريد أن تخلص نفسها من اليمن حتى لو كان ذلك يعني تسليم اليمن للحوثيين على طبق من فضة”.

وفي أجزاء من الخليج، بدأ بعض المعلقين السياسيين يجادلون بأن السياسة الأمريكية تجاه الحرب في اليمن هي التي ساعدت الحوثيين على الازدهار، مشيرين إلى أنه مع تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن ومجاعة الأطفال، ضغط المسؤولون الأمريكيون على السعودية لتقليص عمليات تحالفها العسكري.

وقال محمد بن الوزير العولقي، الذي ينحدر من عائلة بارزة في شبوة، وهي منطقة غنية بالنفط في اليمن، إن بعض الدول لم تغير موقفها تجاه الحوثيين إلا بعد الهجمات على السفن، وأضاف في منشور على منصة “إكس”، أن التحالف البحري لردع الحوثيين هو في نهاية المطاف “دعوة للعودة إلى الحرب” في اليمن.

 وأبدى العولقي استياءه من دافعية قرار تشكيل القوة البحرية الحامية للسفن في البحر الأحمر، مشيرا إلى أنها “تجارية أكثر منها إنسانية أو سياسية”.

وأضاف: “من الواضح أنه حتى لو اشتعلت النيران في المنطقة، فلا يوجد شيء أكثر أهمية من طرق الشحن الدولية”.

وقال مسؤول حكومي يمني، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالحديث الإعلامي، إنه لا يتوقع رؤية اتفاق سلام لبلاده في الشهر أو الشهرين المقبلين، مشيرا إلى أن الوسطاء الدوليين سيحصلون على إجازة بنهاية العام، ما يوقف جهود السلام في اليمن.